الأحد  19 أيار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

في العدد 50 | استقدام العمالة الأجنبية في المستوطنات خطر يُهدد الواقع الفلسطيني اقتصادياً وسياسياً

2015-10-27 11:35:49 AM
في العدد 50 | استقدام العمالة الأجنبية في المستوطنات خطر يُهدد الواقع الفلسطيني اقتصادياً وسياسياً
صورة ارشيفية
 
غسان دغلس: العمالة الأجنبية وسيلة إسرائيل لخنق الوجود الفلسطيني بالأراضي المحتلة ولا نملك رادعاً

نصر عبد الكريم: استقدام العمالة الأجنبية خيار اضطراري لتثبيت واقع ديموغرافي.. ومخاطره الاقتصادية كبيرة على الجانبين 

غزة- محاسن أُصرف
 
لم تكف دولة الاحتلال الإسرائيلي عن تنفيذ مخططاتها الاستيطانية، لابتلاع المزيد من الأراضي الفلسطينية، والإجهاز على حلم الدولة الفلسطينية وإنهائه إلى زوال، فمنذ بداية الألفية الثالثة وفي أعقاب انتفاضة الأقصى عام 2000، جعلت من استقدام العمالة الأجنبية في قطاع البناء وسيلة لتحقيق هدفها الزائف.
 
وحسب بيانات وزارة العمل في إسرائيل وقتها، فإن عدد العمال الأجانب في قطاع البناء وصل إلى (44) ألف عامل، وما زالت أعدادهم مستمرة في الزيادة سواء يجيئون بطريقة شرعية أو لا، وصادقت الحكومة الإسرائيلية مؤخراً على قرار يقضي باستقدام (20) ألف عامل من الصين في قطاع البناء بهدف مُعلن، تسريع عمليات البناء في إسرائيل لخفض أسعار السكن، فيما الهدف الخفي تسريع الاستيطان وابتلاع الأرض الفلسطينية قبل توجه السلطة لأي خطوة دولية تُلزم إسرائيل بتطبيق قرارات الشرعية الدولية الرافضة للاستيطان.
 
ويُشير خبراء التقتهم "الحدث" إلى أن ذلك العدد على وفرته إلا أنه لم يوصد الباب تماماً أمام العمال الفلسطينيين، وذلك رغبةً من الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة في تطبيق نظرية "السلام الاقتصادي" والالتفاف على الغضب الثوري للفلسطينيين بـالرفاه الاقتصادي، في ظل سياسات قمعية وتعسفية على الصعيد الأمني والسياسي تُنهي الوجود الفلسطيني رويداً رويداً.
 
"الحدث" تقرأ مع عدد من الخبراء تبعات استقدام العمالة الأجنبية في المستوطنات على الواقع الاقتصادي والديموغرافي.
 
تغيير الواقع الديموغرافي
يرى مسؤول ملف الاستيطان بالضفة الغربية غسان دغلس، أن الهدف من استقدام إسرائيل للعمالة الأجنبية في الوقت الحالي هو الالتفاف على قوانين الشرعية الدولية والتقدم بخطوات استباقية لتغيير الواقع الديموغرافي في الأراضي المحتلة عام 67 لصالح الوجود الإسرائيلي البحت، ناهيك عن تنفيذ مشروع الفصل الكلي والنهائي لتقسيم الضفة الغربية إلى كنتونات معزولة عن بعضها البعض في الشمال والجنوب، بالإضافة إلى فصل القدس نهائياً عن مُحيطها الفلسطيني، وكشف في تصريحاته لـ"الحدث" أن العمالة الأجنبية الوافدة والمُقدرة بـ(20) ألف عامل صيني في قطاع البناء والإنشاءات ستُستخدم في تنفيذ أضخم مشروع استيطاني بالأراضي الفلسطينية المُحتلة لتحقيق هدف العزل النهائي وسيكون عبارة عن قرابة (58) ألف وحدة استيطانية في أراضي الضفة الغربية المحتلة عام 67 وحوالي (15) ألف وحدة استيطانية أخرى في محيط القدس لخنق الفلسطينيين وتحقيق حلم يهودية الدولة.
 
ويأتي هذا المشروع بعد إعلان دولة الاحتلال الإسرائيلية مؤخراً عن إعداد مُخططات هيكلية لمُحيط كافة المستوطنات بالضفة الغربية في إطار التوسعة الشاملة التي تؤدي إلى ربطها ببعضها بابتلاع المزيد من الأراضي الفلسطينية.
 
تبعات خطيرة
 وفي سياق متصل، تحدث دغلس عن تبعيات المشروع، مُحذراً من مخاطره على الواقع الاجتماعي والاقتصادي للفلسطينيين، وقال لـ"الحدث": "حالة الخنق تلك أججت مشاعر الغضب، التي نشهدها حالياً، لدى الفلسطينيين لرفض ممارسات الاحتلال داخل أراضيهم"، متوقعاً أن استمرار اشتعال جذوتها ما لم تلتزم إسرائيل بقرارات الشرعية الدولية التي ترفض الاستيطان.
 
وعلى صعيد آخر، أشار دغلس إلى خطورة تلك المشاريع الاستيطانية على واقع الوجود الفلسطيني وتلاحمه الاجتماعي من جهة، بحيث يُفكك الصلات الاجتماعية بين المواطنين، ومن جهة أخرى فإن حالة البطالة والفقر التي سيُخلفها استبدال العُمال الفلسطينيين بنظرائهم الأجانب قد تدفع العديد منهم إلى الهجرة إلى الخارج من أجل البحث عن لُقمة عيشٍ كريم لإعالة أسرهم، قائلاً: "إن ترك نسبة كبيرة من الشبان للأراضي الفلسطينية يُهيء الفرصة لخفض نسبة السكان فيها لصالح الوجود الاستيطاني"، ودعا دغلس إلى التنبه لذلك من قبل السلطة الفلسطينية والجهات الرسمية الداعمة لصمود الوجود الفلسطيني في مناطق الاستيطان، وذلك عبر توفير المقومات الحياتية التي تُعين على التشبث بالأرض وحمايتها.
 
تكلفة عليَّا لا ترغبها إسرائيل
وفي قراءة "الحدث" للتبعيات الاقتصادية لاستقدام إسرائيل العمالة الأجنبية، يؤكد د. نصر عبد الكريم، الخبير في الشأن الاقتصادي أنها مُكلفة مالياً على الجانب الإسرائيلي وتزيد من نسب الفقر والبطالة لدى العمال الفلسطينيين في الضفة الغربية، وأضاف في مقابلة هاتفية مع"الحدث" أن العمالة الأجنبية خيار اضطراري تلجأ إليه إسرائيل لتحقيق غاياتها السياسية في تغيير الواقع الديموغرافي لأراضي 67، لصالح مخططاتها الاستراتيجية في مجال الاستيطان وابتلاع الأرض الفلسطينية.
 
ونبّه عبد الكريم، إلى أن هذا الاستقدام لما يُقارب (20) ألف عامل صيني في قطاع البناء والإنشاءات ليس الأول من نوعه، لافتاً إلى أن إسرائيل عمدت إلى ذلك الخيّار بعد اندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000، إذ جمّدت وقتها تصاريح آلاف العمال الفلسطينيين من الضفة الغربية وقطاع غزة واستبدلتهم بعمالة أجنبية في إطار الحفاظ على الأمن والاستقرار السياسي لمجتمعها وقتها.
 
ضرر اقتصادي لإسرائيل
ونقلت "الحدث" عن البنك المركزي الإسرائيلي، خشيته من أن يمس استمرار استيراد العمال الأجانب باقتصاد الدولة خاصة في قطاع البناء كونه ما زال متخلفاً، وقال مسؤولون في البنك لـ"صحيفة هآرتس" التي نقلت عنها الحدث، أن الاعتماد على العمالة الأجنبية قد يُدهور إنتاجية العمل في فرع البناء الإسرائيلي خاصة في ظل ابتعاده عن استخدام التكنولوجيا وبناء المصانع  لصالح استعباد العامل الأجنبي الرخيص الذي غالباً ما يدخل إسرائيل بطريقة غير شرعية بناءً على الرشاوي وليس وفقاً للكفاءة العلمية والمهنية.
 
وحسب د. معين رجب، أستاذ الاقتصاد في جامعة الأزهر بغزة، فإن استمرار إسرائيل في استقدام العمالة الأجنبية سينعكس سلباً على اقتصادها، مؤكداً أنها ستضطر إلى تحويل العملات الصعبة إلى خارج إسرائيل الأمر الذي يُرهق اقتصادها، مؤكداً أن إسرائيل باتت مضطرة لتلك الخطوة، والسبب، من وجهة نظره، حالة المُقاطعة من قبل العمال الفلسطينيين  للعمل في المستوطنات بدافع وطني، حيث أدى تقلص أعداد العمال بحكومة إسرائيل إلى اتخاذ قرارات رسمية في استقدام عمالة من الصين كون الأخيرة الدولة الوحيدة التي لا تضع شروطاً لتوريد عمالها بسبب الفساد المستشري فيها، غير أنها فاجأتها بشروط حفظ عمالها من الاستغلال.
 
ليس عقاباً
من جهة أخرى تساءلت "الحدث" عمّا إذا كان استقدام الـ(20) ألف عامل صيني في هذا التوقيت المتزامن مع الهبّة الجماهيرية في أراضي الضفة المحتلة عام 67، عقاباً إسرائيلياً للضغط على الفلسطينيين بالتراجع وإيقاف المواجهات مع المحتل، نفى الخبير الاقتصادي عبد الكريم، أن يكون كذلك، وقال لـ"الحدث": "لا زالت إسرائيل لم تُعلن حتى اللحظة عن أي خطوة بشكل رسمي ضد العمالة الفلسطينية في الداخل المحتل"، وتابع أن إسرائيل لن تقدم على قطع العلاقة الاقتصادية مع الفلسطينيين، والسبب في رأيه "خشيّة ازدياد الهجمات ضدها على اعتبار أن العامل الاقتصادي أحد أهم العوامل التي تُؤجج الصراع".

 

وفي المجال ذاته، أوضح عبد الكريم، أن نظرية السلام الاقتصادي التي يُؤمن بها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ويعمل على تحقيقها، تقطع الطريق أمام فرض عقوبات اقتصادية حقيقة عل الفلسطينيين، وقال: "إذا ما تم فإنه يأتي في إطار الترهيب فقط"، مؤكداً أن سياسة نتنياهو لم تُسقط الحالة التطبيعية في العلاقة الاقتصادية مع  الجانب الفلسطيني، بل حافظت على إبقاء بعض النوافذ الاقتصادية مفتوحة للفلسطينيين رغم ما تقوم به من ممارسات قمعية وتعسفية على المستوى الأمني والسياسي.