الإثنين  29 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

في العدد 57: هل دقت طبول الحرب على غزة؟

مرة كل عامين يتجدد العداون "الإسرائيلي"

2016-02-16 10:13:59 AM
في العدد 57: هل دقت طبول الحرب على غزة؟
صورة تعبيرية

 

الحدث- محمد غفري

 

جرت العادة أن يشن الاحتلال الإسرائيلي عدواناً جديداً على قطاع غزة مرة كل عامين تقريباً، فمنذ أن أعلنت حركة حماس سيطرتها على القطاع منتصف العام 2007، وصولاً إلى العام الجاري 2016 هكذا كان تواتر الأمور.

 

وفي كل عدوان تشنه إسرائيل على غزة، يعلن جيش الاحتلال عن ذرائع مختلفة لهذا العدوان، فمن استعادة الجندي جلعاد شاليط في العام 2009، إلى اغتيال قائد القسام في غزة أحمد الجعبري في العام 2012، وصولاً إلى إعلان هدفه القضاء على ترسانة حماس الصاروخية وتدمير شبكة الأنفاق من خلال عملية "الجرف الصامد" كما أطلق عليها في العام 2014.

 

ومنذ بداية العام الجاري انخفضت تلك الأصوات التي تميل إلى توقيع اتفاق تهدئة طويلة الأمد بين حماس وإسرائيل، وتصاعدت حدة التكهنات التي ترجح شن إسرائيل حرباً جديدة على غزة تستهدف تدمير شبكات الأنفاق للمقاومة الفلسطينية، التي باتت تشكل مخاوف دائمة لمستوطني جنوب دولة الاحتلال الإسرائيلي، وذريعة لبعض الوزراء المتطرفين في حكومة الاحتلال على غرار زعيم حزب البيت اليهودي "نفتالي بينت".

 

وفي الجهة المقابلة، شكل إعلان نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، أن المقاومة تمتلك شبكة أنفاق في غزة تفوق في عددها شبكة أنفاق فيتنام، إلى جانب اعتلاء الناطق باسم كتائب القسام أبو عبيدة دبابة عسكرية في مهرجان أقيم لتأبين شهداء الأنفاق، كلها كانت رسائل واضحة أن المقاومة باتت تتوقع عدوانا جديدا على القطاع، مما دفعها إلى إطلاق مثل التهديدات.

 

 

لكن..هل تشن إسرائيل حرباً قريبة على أنفاق غزة؟  

وانطلاقاً من تصريحات العسكريين في جيش الاحتلال نقل موقع "والا" العبري، عن ضباطٍ كبارٍ في قيادة الجبهة الجنوبيّة، خشيتهم المتزايدة من الوضع الأمني على طول الحدود مع قطاع غزَّة، موضحين أنّه الأشد توتّراً منذ انتهاء حرب "الجرف الصامد".

 

فقال أحد هؤلاء الضباط، إنَّه خلافاً للوضع الذي ساد قبيل الحرب في صيف 2014، من الجائز أن تشنّ إسرائيل هجوماً عسكريّاً ضدّ الأنفاق داخل القطاع.

 

وأشار الضابط إلى أنَّ "على مختلف الوحدات أن تكون جاهزة لاحتمال أن يفقد المستوى السياسي صبره، وأن خطر الأنفاق في القطاع لا يسمح بعد بضبط النفس، ويحاول أن يبادر لمعالجة الأنفاق داخل الأراضي الفلسطينيّة".

 

أما رئيس الأركان الإسرائيلي، الجنرال "غادي آيزنكوت"، فقد أشار قبل أيّام إلى خطر الأنفاق من غزَّة، مبيّناً أنَّ جيشه يدير "نشاطاً مستتراً بعيداً عن أنظار الجمهور" ضدّ الأنفاق.

 

وقال إنَّ إسرائيل في هذه الأيام، تستخدم ما لا يقل عن مئة آلية هندسيّة على طول حدود القطاع بهدف اكتشاف أنفاق.

 

وبعد ذلك، أعلن آيزنكوت أنَّ "الفترة الأخيرة تضع أمامنا واقعاً أمنياً معقّداً، وقادة وجنود الجيش الإسرائيلي يعملون بعزم لاكتشاف وإحباط خطر الإرهاب، وأيضاً خطر الأنفاق".

 

وعلى الساحة الفلسطينية، اختلفت تقديرات المحللين السياسيين المختصين في الشأن الإسرائيلي، عن تلك التي يتحدث عنها الضباط الإسرائيليون، وعلى اختلاف أسبابها إلا أنها في مجملها، أجمعت على استبعاد وقوع  حرب وشيكة على أنفاق القطاع.

 

نتنياهو لن يخوض مغامرة جديدة في غزة

الخبير في الشؤون الإسرائيلية فايز عباس، يستبعد أن يخوض رئيس وزراء حكومة الاحتلال مغامرة جديدة على غزة، وذلك لعدة أسباب جاء على ذكرها في حوار خاص مع "الحدث".

 

وبحسب عباس، السبب الأول أن إسرائيل لم تنته حتى الآن من التحقيقات التي نتجت عن العدوان الأخير "الجرف الصامد"، ومن جرحى وقتلى العدوان، ومن قضية وجنود مفقودين تحتجزهم حماس داخل القطاع.

 

أما السبب الثاني، فيرى عباس أن إسرائيل لم تقم بعمل أي شيء لحماية سكان الجنوب، سواء من ناحية ترميم الملاجئ، أو من ناحية تحسين ظروف المعيشة وتأمين حياتهم.

 

والسبب الثالث كما ذكر الخبير في الشؤون الإسرائيلية، أن إسرائيل في الآونة الأخيرة وكما يحدث الآن نجحت في تفجير عدد من الأنفاق دون أن يظهر للملأ أنها تقوم بمثل هذه العمليات العسكرية، وعندما يحدث ويتم إطلاق صاروخ من غزة في مناطق مفتوحة داخل إسرائيل، تقوم بالرد على ذلك بقصف أراض مفتوحة داخل القطاع.

 

وفي ضوء الأسباب سالفة الذكر، يستبعد عباس أن تسمح إسرائيل لنفسها اليوم أن تدخل في حرب جديدة على غزة، على الرغم من محاولات بعض الوزراء مثل "بنيت" الضغط على نتنياهو لبدء بحرب جديدة على الأنفاق وتدميرها.

 

وعلى العكس من خيار الحرب، يعتقد عباس أنه سيصدر في الأشهر القادمة ما يدل على وجود تفاهمات سواء كانت مباشرة أو غير مباشرة بين حماس وإسرائيل بعدم التصعيد بين الطرفين، وأن ما يحدث من تفاهمات بين إسرائيل وتركيا سوف ينعكس على الوضع في قطاع غزة، ويكون لهذا ثمن سياسي من قبل قيادة حماس في الموافقة على هدنة طويلة الأمد مقابل رفع الحصار بشكل جزئي.

 

 

إسرائيل لن تحقق هدفها الاستراتيجي دون احتلال القطاع

الكاتب الصحفي المختص في الشؤون الإسرائيلية صالح النعامي، قلل في مقال له نشر في "العربي الجديد"، من أهمية التحليلات التي تستنتج إمكانية شن إسرائيل حرباً قريبة على قطاع غزة، بسبب الأنفاق والتجارب الصاروخية التي تقوم بها المقاومة.

 

وأكد النعامي في مقاله، أن نشوب أو شن حرب جديدة يتوقف دوماً على توفر مركبات بيئة تفضي إلى نشوبها أو شنها، فتركيز إسرائيل على التجارب الصاروخية التي تجريها كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، والحديث عن تمكّن "الكتائب" من إعادة بناء الأنفاق الهجومية، لا يعني، بالضرورة، أن عرض هذه المعطيات دليل على نية حكومة بنيامين نتنياهو المبادرة لشن حرب جديدة، فإسرائيل تؤكد، في الوقت نفسه، أن الحصار الذي يفرضه نظام عبد الفتاح السيسي على غزة أسهم كثيراً في تقليص القدرات التسليحية لحماس. 

 

وأردف النعامي في مقاله، أنه لا يمكن لإسرائيل أن تحقق هدفها الاستراتيجي المتمثل في تصفية بنية المقاومة في قطاع غزة من دون إعادة احتلال القطاع بالكامل، أو على الأقل السيطرة على مدينة غزة. فقد جزمت الوثيقة الاستراتيجية التي صاغها رئيس هيئة أركان الجيش، جادي إيزينكوت، ونشرتها قيادة الجيش، في خطوة غير مسبوقة قبل خمسة أشهر، بشكل واضح وصريح، بأن أية حرب مقبلة على قطاع غزة يتوجب أن تهدف إلى السيطرة على "مراكز الثقل السلطوي" لحركة حماس؛ ومنظومات لقيادة التحكم في جهازها العسكري.

 

ويعني إعلان هذه الوثيقة بحسب ما يرى النعامي، أن قيادة الجيش الإسرائيلي تلزم المستوى السياسي في تل أبيب بشروط الحرب في قطاع غزة التي تضمن تحقيق الأهداف الاستراتيجية لإسرائيل، وضمن ذلك تصريح بإعادة احتلال القطاع. وقد جاء إصدار وثيقة إيزنكوت رداً على الانتقادات التي وجهتها النخب السياسية والإعلامية في تل أبيب لأداء الجيش خلال الحرب 2014، ولا سيما لعجزه عن حسم الحرب خلال 51 يوماً.

 

ونقل النعامي في مقاله عن الاعلام العبري، أن مراكز التفكير في إسرائيل تعاطت مع وثيقة رئيس هيئة الأركان على أنها "سياسية"، تأتي في إطار المواجهة بين المستويين، السياسي والعسكري، في إسرائيل.

 

واستطرد النعامي في تحليل ذلك "من الواضح أن إزينكوت يقول للمستوى السياسي إن ضمان تحقيق الأهداف الاستراتيجية في أية حرب مقبلة ضد غزة يتوقف على إعادة الاحتلال القطاع، وإن أي أمر بشن الحرب لا يتضمن هذا التفويض يعفي الجيش من المسؤولية عن تحقيق هذه الأهداف".

 

وأكد النعامي في استبعاده لخيار الحرب، أن دوائر صنع القرار في تل أبيب تدرك الكلفة العسكرية والسياسية والاقتصادية الباهظة لإعادة احتلال قطاع غزة، والبقاء فيه. لذا، لم يكن من سبيل المصادفة أنه، باستثناء وزير الخارجية السابق أفيغدور ليبرمان، لا يوجد من بين النخب اليمينة في إسرائيل من يتحمس لخيار إعادة احتلال قطاع غزة.

 

هناك مصلحة إسرائيلية في حرب جديدة على القطاع

وعلى العكس من وجهتي نظر عباس والنعامي، يبدو المحلل السياسي الفلسطيني طلال عوكل متشائما إلى حد ما  في اعتقاده أن إسرائيل هذه المرة قد توظف التصريحات التي تخرج من غزة، أن المقاومة قد استعادت قدراتها العسكرية، وأعادة ترميم الأنفاق.

 

 

ويرى عوكل في حواره مع "الحدث"، أن هناك مصلحة إسرائيلية هذه الأيام في شن عدوان جديد على غزة، وذلك لعدة أسباب:

  • إسرائيل تواجه أزمة حقيقة مع الانتفاضة الحالية، ولم تجد حتى الآن أي طريقة أو خيار لتتعامل معها، ومع التدعيات التي انتجتها على المستوى الدولي، حيث أنه لأول مرة وبعد أربعة شهور لم يصدر أي تصريح من أي مسؤول دولي يدين العمليات الفلسطينية، بل على العكس بان كي مون برر الأعمال الفلسطينية، لذلك إسرائيل في مأزق من الانتفاضة على المستوى المحلي وعلى المستوى الدولي.
  • إسرائيل ماضية في مخططاتها وتحاول أن تستعجل في فصل قطاع غزة كليا وعزله عن الضفة الغربية، وبصرف النظر عن لقاءات المصالحة الجارية هذه الأيام نجحت أم لم تنتج، وفي حال نجحت وانتجت مصالحة فالعدوان الإسرائيلي مؤكد لمنعها.
  • إسرائيل إذا أرادت إضعاف قدرات وترسانة حماس والمقاومة، ودفع قطاع غزة بعيداً وجعله آمن عليها يفترض أن تحاول ذلك وهو في أضعف حال كما هو الحال الآن، لأن حركة حماس الآن بدون أنياب وبدون شبكة أنفاق عابرة للحدود، وبدون صواريخ وترسانة كبيرة كالسابق من الأسلحة.
  • التفاهمات التركية الإسرائيلية التركية أو القطرية وحديث الإسرائيليين عن الإفراج عن قطاع غزة لن يتم إلا في صفقة أو هدنة جديدة، وهو ما لم يحصل بعد الحرب السابقة، والهدنة غير ممكنة إلا بعد حصول حرب جديدة.

ورداً على سؤال: لماذا لم تطبق التفاهمات والصفقة التي انهت الحرب السابقة؟

 

أجاب الكاتب الصحفي طلال عوكل، أن الحرب السابقة انتهت ومضى عليها عامان وفشلت المفاوضات وفشلها كان بسبب وجود وفد فلسطيني موحد.

 

وأضاف عوكل، أنه لو كانت المفاوضات بين حماس وإسرائيل ربما كانت انتجت ما تم تأجيله، لأن المقاومة ترفض أن توقع على اتفاق أو هدنة طويلة تحد من إمكانية مواصلة استعدادها وتطويرها للمواجهة القادمة، فهي تواصل استعدادها من أجل تحرير شامل وحقيقي.

 

وفي المحصلة تتباين التوقعات حول مصير قطاع غزة لصيف العام 2016، إلا أنه عندما يدور الحديث عن أكثر من 1.5 مليون فلسطيني محاصر منذ عشرة سنوات، واستشهاد أكثر من 3 آلاف فلسطيني منذ العام 2007، وخسائر تجاوزت 8 مليار دولار وأكثر من 10 آلاف منزل مدمر حتى اليوم في انتظار فرج الإعمار، يبدو خيار التهدئة حاليا يصب في المصلحة الفلسطينية، وعلى قادة القطاع التروي قبل إطلاق أي تصريح صحفي أو خطاب جماهيري، مع الاحتفاظ بحق الدفاع عن النفس للمقاومة الفلسطينية ومواجهتها لأي عدوان إسرائيلي محتمل كما يحدث في كل مرة.