الثلاثاء  07 أيار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

مراهنات أوروبية متهوّرة لوقف اللاجئين

2016-02-19 01:49:49 PM
مراهنات أوروبية متهوّرة لوقف اللاجئين
لاجئون

الحدث - وكالات 
 

صارت ألمانيا صندوق بريد سياسي لتركيا، بعدما وجدت نفسها محاصرة بالعجز الأوروبي عن مواجهة تدفقات اللاجئين.
 

برلين تتبنى مطلب «المنطقة الآمنة» في سوريا، المرتبط تطبيقها بفرض منطقة حظر جوي. لكن ذلك لا يتجاوز عتبة الخطاب السياسي، من جهة لدعم الموقف التركي في الحرب السورية، ومن جهة أخرى لمناكفة روسيا، التي لا يزعجها رؤية الاتحاد الأوروبي يتشاجر وينقسم إلى معسكرات أمام سيل اللجوء.
 

المخاوف الألمانية باتت تتجسد عملياً: سياسات صدّ تنتقل بتأثير «الدومينو»، من شمال أوروبا، حيث بدأت عمليا في النمسا، ما سيؤدي في النهاية إلى حصر اليونان في الزاوية مع تبعات سياسية واقتصادية لا يمكن توقعها.
 

القمة الأوروبية بدأت أمس في بروكسل وسط أجواء سجالات الخلاف، المتواصل، حول أي سياسة يجب اتباعها. الجديد هو تبني المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل قضية منطقة حظر الطيران، فوق شريط حدودي في الشمال السوري. كررت ذلك مراراً في الأيام الماضية، لتعيد صياغته بطريقة مختلفة أمس، حين شددت على أنه «نريد إعطاء الأولوية لتطبيق أجندة الهجرة بين الاتحاد الأوروبي وتركيا، بما في ذلك حماية حدودنا الخارجية».
 

لكن العديد من نظراء ميركل، إذا لم يكن معظمهم، لا يشاطرونها هذه الاندفاعة. حين سألت «السفير» رئيس الوزراء الهولندي مارك روتا عن القضية، قال مباشرة «من الواضح أنها (المنطقة الآمنة) من الأدوات التي يمكن التفكير فيها، ولكن من الصعب جداً تنفيذها، إنها بحاجة لقرار من مجلس الأمن الدولي، كما أن الوضع في سوريا راهنا مضطرب للغاية»، قبل أن يضيف «لذلك لا أعتقد أن هذه الخطة يمكن توقعها في الأسابيع المقبلة، لكن بالطبع أي مقترح مرحب به، لأنه علينا سريعا السيطرة على الأزمة السورية».
 

مصادر أوروبية منخرطة في نقاش القضية أكدت، لـ «السفير»، أنه لا يمكن توقع أي خطوة عملية، باتجاه المنطقة الآمنة، وأن الأمر يبقى في حدود «الدعم السياسي الألماني لتركيا». معلقة على مواقف ميركل الأخيرة، لفتت المصادر إلى أن «أي منطقة آمنة مع حظر طيران، قرار إنشائها ليس في برلين ولا أنقرة، القرار هو في موسكو. أما بالنسبة لواشنطن فلا نتوقع أي شيء طالما (الرئيس الاميركي باراك) أوباما في البيت الأبيض».
 

ميركل رددت أن المنطقة الآمنة، مع حظر الطيران، ستكون مفيدة لحماية الأرواح ولدعم مسار الحل السياسي. لكنها ألمحت بدورها إلى أن هذا الخيار لا يمكن المضي فيه ضد المشيئة الروسية، حينما اعتبرت أن التطبيق ممكن بالتوافق بين خصوم دمشق وحلفائها.
 

لكن ديبلوماسياً أوروبياً اعتبر أن المراهنة على تفهّم روسي «مجرد وهم». وقال، لـ «السفير» معلقا على ذلك، إنه «لا يوجد أي مصلحة لروسيا في الموافقة على هذا الطرح، سواء جاء من أنقرة أو من برلين»، قبل أن يستدرك بلهجة ساخرة «آخر شيء تفكر فيه روسيا هو حل مشاكلنا في الاتحاد الأوروبي، هل نريدهم أن يحزنوا لأن هناك خلافات أو انقسامات داخل الاتحاد أو داخل الناتو؟ هذا ما يريدونه في الأساس».


هناك نوع من التهدئة الآن، لكن الأوروبيين إجمالاً في صراع مباشر مع روسيا. لديهم مشروع مدّ نفوذهم إلى الشرق، والأزمة الأوكرانية مثال حيّ عن الصدام الأكيد مع الكرملين بشأن تلك الطموحات.
 

بين من يعرفون ذلك، بأدق التفاصيل، رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الأوروبي إلمار بروك. إنه من حزب ميركل، وكان منخرطاً في القضية الأوكرانية، لكنه يقرّ أن طرح «المنطقة الآمنة» يتعلق تطبيقه بروسيا، رغم حديثه من موقع الخصومة معها. وقال، متحدثا لـ «السفير»، إن «المنطقة الآمنة طرح ممكن نعم، لكن إذا قلنا إن روسيا لن تطير بعد الآن ولن تقصف بعد الآن»، قبل أن يضيف أن «الحرب في سوريا يجب إيقافها، يجب تطبيق وقف إطلاق النار، بحيث يكون لدينا لاجئون أقل وفرص أكثر للاتفاق السلمي».
 

ديبلوماسي ألماني اعترف أن هناك معارضة كبيرة لفكرة حظر الطيران داخل النادي الأوروبي. قال، لـ «السفير»، إن «المنطقة الآمنة نراها قضية مفيدة وممكنة، هذا رأينا، هناك آخرون يقولون لنا إنها مستحيلة لكننا نتناقش حول ذلك»، قبل أن يوضح «طبعاً لا يمكن تطبيقها من دون روسيا، لذلك نحتاج للعمل معهم وإقناعهم، وليس التصادم معهم».
 

ديبلوماسيون أوروبيون رأوا أن إغلاق الحدود التركية جاء لرفع أسهم «المنطقة الآمنة». أحدهم علق على ذلك بالقول «عملياً لم يكن هناك أي حظوظ أمام حظر الطيران، لقد طرحوا ذلك مراراً وفشلوا، الآن على الأقل باتوا يحصلون على دعم دولة أوروبية كبيرة».
 

ما يحدث على خط مواجهة تدفقات اللجوء وصل حدود الإفلاس الأوروبي الكامل. لا يوجد أي فكرة جديدة، وكل طرح تم تقديمه بات غير قابل للتطبيق بحكم الخلافات العميقة. الضجة الآن هي حول إجراءات النمسا. شددت إجراءات الرقابة الحدودية، وقامت بتحديد حصة يومية لعدد اللاجئين المسموح بدخولهم حدودها: نحو ثلاثة آلاف يمكنهم العبور فيها إلى دول أخرى، ألمانيا أو السويد تحديداً، وليس أكثر من 80 لاجئا يمكنهم طلب الحماية فيها.
 

المفوضية الأوروبية اعتبرت الإجراءات «غير متوافقة مع القانون الدولي». رئيسها جان كلود يونكر عبر عن امتعاضه صراحة، حينما قال إنه «ضد الرقابة الحدودية» داخل منطقة «شنغن» للتنقل الحر.
 

المستشار النمساوي فيرنر فايمان دافع بشدة عن سياستهم بلهجة انفعالية. وزيرة داخليته جوانا ميكل لايتنبر تولت وضع الانفعال في سياق عملي. قالت إنهم مضطرون للتحرك في اتجاه الصد، لأنه غير ذلك سيكون لأحزاب اليمين المتطرف «اليد العليا».
 

لكن ديبلوماسيين أوروبيين تحدثوا، لـ «السفير»، رفضوا تلك الحلول. أحدهم حذر من أن ذلك «سينتهي إلى تأثير الدومينو، فبعد النمسا ستقوم دول البلقان واحدة بعد أخرى بإقامة الحواجز، لينتهي الأمر بوضع اليونان في الزاوية».
 

رئيس الوزراء اليوناني الكسيس تسيبراس بدا عليه التضايق بوضوح خلال اجتماعات مع دول ترفض سياسة توزيع اللاجئين وفق نظام الحصص. قال موجها اللوم لدول الشمال، التي شددت الرقابة الحدودية، إن «حل أزمة اللاجئين ليس بناء الحواجز وترويج العنصرية، مستقبل أوروبا ليس الجدران ورهاب الأجانب».
 

الدول المعارضة لنظام الحصص تدعو الآن لدعم مقدونيا وصربيا لتشديد إجراءات الرقابة. العنوان البارز بات «جدار مقدونيا» مع اليونان، بعدما دعت إليه دول تعارض سياسة برلين. مصادر أوروبية استبعدت ذلك، وقالت لـ «السفير» إن «مقدونيا لا تستطيع فعل ذلك، فهي تخشى انتقاماً يونانياً، إنهم يعتمدون بشكل كامل تقريباً على العلاقات التجارية مع اليونان»، لكنها نوهت إلى مراهنات الدول الرافضة لنظام الحصص «يعتقدون أن تأثير الدومينو سيكون حلاً، ستضر الدول لتقليل التدفقات ثم تتوقف في النهاية».
 

لكن ديبلوماسيين ألمان حذروا المراهنين على نجاح سياسة «الدومينو». حين سألت «السفير» أحدهم عن سبب اعتقادهم بعبثية تلك السياسة، علق بالقول «لماذا يعتقدون أن هذا يمكن أن يعمل، هذا جنون. التضييق على اليونان سيجعل وضعها أكثر هشاشة، ولا أعرف إذا كانت عودة أزمة سياسية واقتصادية حادة في اليونان ستكون مفيدة لأي دولة أوروبية أخرى، لقد رأينا خطورة ذلك في الماضي».

المصدر: صحيفة السفير