الحدث- وكالات
إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون".. هكذا تعهد الله تعالي بحفظ كتابه فلا ضياع ولا فقدان ولا تحريف ولا نسيان، واستنادا لهذه الأية ألزمت محكمة القضاء الإدارى، مجمع البحوث الإسلامية التابع للأزهر، بالتحفظ على نسخ بعض المصاحف المرخص بتداولها من قبل المجمع، لورود أخطاء جسيمة فيها.
وحمّلت المحكمة دار الطبع، وإدارة مجمع البحوث الإسلامية، مسؤولية ما شاب طباعة هذه النسخ من أخطاء، مؤكدة أن الجهتين لم تراعيا الدقة والأمانة عند الطباعة، مشددة فى الوقت نفسه، على أن إدارة مجمع البحوث الإسلامية الذين يتمتعون بصفة مأموري الضبط القضائي أهملوا فى التفتيش والرقابة على الدارين المرخص لهما بطباعة المصحف.
كان جمال القاضى، أقام دعوى أكد فيها أنه ابتاع مصحف قرآن كريم من إحدى المكتبات بحى الحسين بالقاهرة، وبالقراءة فيه تبين له ورود أخطاء جسيمة وفادحة فى طباعته يترتب عليها تغيير الأحكام الفقهية التى يتعامل بها المسلمون، لافتا إلى أنه وجد فى الجزء الثالث عشر منه خلل فى ترتيب الصفحات، حيث وجد صفحات من سورة إبراهيم متداخلة فى سورة الحجر، مع حذف لفظ الجلالة فى هذا الجزء، وترك مكانه أبيض دون أن يدون به شىء.
المجمع يرد
بدوره رفض حمزة عبدالحميد يوسف باشا- مدير عام مكتب الأمين العام لمجمع البحوث الاسلامية- تحميل مجمع البحوث وحده مسؤولية الأخطاء الواردة فى طباعة المصحف، لافتا إلي أن هناك مطابع أهلية تقوم بهذه المهمة بعيدا عن المجمع ودون الحصول على تصريح منه.
وأضاف فى تصريحات لـ"مصر العربية" ، أن المجمع يراجع مصحف الأزهر فقط ومهمته تقتصر على مراجعة النص كلمة كلمة وحرف حرف، وليس الإشراف على عملية الطباعة، أما النسخ الأخرى لا يراقب عليها فكل دار نشر تستطيع أن تطبع ما تشاء من طباعات المصحف دون الرجوع للمجمع- حسب قوله.
تحذير
من جانبه حذر الشيخ قرشي سلامة أحد علماء وزارة الأوقاف من الأضرار التى تتسبب فيها هذه الأخطاء قائلا :" هناك خطورة في تربية أجيال تقرأ القرآن الكريم بطريقة خاطئة، خاصة مع قلة الحفاظ واعتماد غالبية المسلمين على القراءة من المصحف الورقى".
وروي قرشي ، أن بعض المدرسين فى المعاهد الأزهرية بمحافظة قنا أتوا إليه عام 2001 بنسخ من المصحف كانت توزع على طلاب المعاهد بها أخطاء، موضحا أنه دَوَنَ هذه الأخطاء وسلمها للدكتور سيد طنطاوي شيخ الأزهر السابق في حفل توزيع جوائز المجلس الأعلي للشئون الإسلامية، وعلى الفور أمر شيخ الأزهر بسحب النسخ التى بها أخطاء من الطلاب وإعطائهم مصاحف بديلة.
وشدد عالم الأوقاف، على ضرورة تحرى الدقة في اختيار دقيق لمن يراقب طباعة المصحف من المشايخ الحفاظ وليس كل شيخ تقلد منصب فهو حافظ لكتاب الله- حسب قوله- مضيفا :" لابد من أن يتم الاستعانة بخبرة القائمين على طباعة المصحف فى المملكة العربية السعودية لعدم تكرار الأخطاء".
وكشفت الدكتورة أمال رمضان عبد الحميد، في بحث علمي أعدته بعنوان "طباعة المصحف في مصر"، أن معظم أخطاء التي يرصدها مجمع البحوث الإسلامية في المصاحف تتمثل في وجود صفحات بيضاء أو ترقيم صفحات على أخرى أو سقوط بعض الكلمات والآيات.
وعن الأسباب التى تؤدى لحدوث مثل هذه الأخطاء قالت: تعدد جهات الطباعة، وتعامل بعض المطابع مع طباعة المصحف على أنه عمل تجارى، بالإضافة عمليات تهريب تقوم بها بعض دور النشر الكبرى للمصاحف الصغيرة جداً، وغير المسموح بتداولها في مصر، عن طريق إخفائها داخل كراتين المصاحف الكبرى.
وأشارت إلي أن المصاحف القادمة من خارج مصر لا يصرح بدخولها إلا إذا راجعها المجمع باستثناء المصاحف القادمة من السعودية وسوريا وتحمل موافقة الوزارة المعنية بالموافقة وإصدار التراخيص هناك، موضحة أن الرقابة على الأسواق والتفتيش في المكتبات وعلى الأرصفةليست من مسؤوليات المجمع وإنما وزارة الداخلية.
وأوصت أمال رمضان بضرورة أن يكون في مصر مطبعة موحدة لطباعة المصحف،و فضلا عن إيجاد جهة مختصة قادرة على التعامل مع التكنولوجيا الحديثة، وفي ذات الوقت لها دراية واسعة بعلوم القرآن، وطرق كتابته وتدوينه، حيث لا توجد مراجعة للآيات المنشورة على شبكة الانترنت، وهذا الأمر بالغ الخطورة، خصوصا مع زيادة الاعتماد على الشبكة العنكبوتية في الكثير من الأمور، تجنبا لنشر آيات مغلوطة، أو محرفة، سواء بقصد، أو من دون قصد.
تاريخ طباعة المصحف في مصر
وتاريخيا لم تكن بداية طباعة المصحف الشريف في مصر سهلة، فعندما فكر محمد على في طبع القرآن الكريم وجد معارضة من علماء الأزهر وظل الأمر محرماً بمقتضى فتوى، تحريم طبع الكتب الدينية؛ بحجج منها أن مواد الطباعة منافية للطهارة، وعدم جواز ضغط آيات الله بالآلات الحديدية، واحتمال وقوع خطأ في طبع القرآن، وكانت هذه المعارضة أمراً طبيعياً أقرته ظروف ذلك العصر، فالطباعة فن جديد، ولم يكن العلماء عرفوا ماهيته بالضبط، إضافة إلى أنهم اعتادوا كسب قوتهم من نسخ الكتب.
ولكن في العام 1832 أمر محمد على بطبع أجزاء من المصحف لتلاميذ المدارس، ثم صدر أمر إلى مدير مطبعة بولاق بطبع المصحف، وأمر الشيخ التميمي؛ مفتي الديار المصرية بوضع خاتمه على المصحف ليكون بيعه وتداوله أمراً مشروعاً، وتم توزيع المصحف المطبوع على المدارس والأزهر واستمر ذلك حتى وفاة محمد علي.
في عهد الخديوي عباس حلمي الأول وجد علماء الأزهر أخطاء في مصحف محمد علي، فاستغلوا ضعف الخديوي وعدم رغبته في النهضة والتطور فلم يهتموا بتصحيح المصحف واستطاعوا إقناعه بمصادرة تلك المصاحف ومنع تداولها، وعندما أراد الخديوي سعيد أن يوزع بعض المصاحف على تلاميذ المدرسة الحربية سأل علماء الأزهر في ذلك فأفتوا له بأنه يمكن تصحيح الأخطاء في المصاحف ثم توزيعها على التلاميذ ، فأمر الخديوي أن تصحح على نفقة الحكومة وتوزع على الأماكن الطاهرة للتلاوة فيها أو على المدارس والمكاتب التي تحتاج إلى ذلك.
وفي عهد الملك فؤاد طُبِع المصحف مرة أخرى عام 1918 في المطبعة الأميرية، وسمي بالمصحف الملكي المصري وتضمن 826 صفحة، وجاء على أحسن وجه، وتم تحديد عدد آيات القرآن بـ 6236 آية.
و تقرر إعادة طبع المصحف في عهد الملك فاروق، بعد أن وجد علماء الأزهر أخطاء في المصاحف التي طُبعت في عهد أبيه؛ منها أخطاء في الرسم العثماني وأخطاء في ضبط أواخر الكلمات في بعض السور القرآنية وكذلك أخطاء في الوقوف.
أشهر وقائع مصادرة نسخ المصاحف
كان مجمع البحوث الإسلامية أجاز لـ"دار التراث العربي للطباعة والنشر" بالمشهد الحسيني بالقاهرة طباعة المصحف بالقرار 986 في يناير 1996، بعدها صادر تلك الطبعات بعد أن تبين أن دار النشر المذكورة وقعت بخطأ أثناء ترتيبها لأوراق المصحف، حيث سقطت منه الكهف، ومريم، وطه، وجزء من الأنبياء، وتكرر بدلاً عنها الأعراف، والأنفال، والتوبة.
وكذا تم مصادرة مصحف "دار التوفيقية" الصادر عام 2003، حيث وجدت به أخطاء فيما يخص ترتيب الملازم، وكان قد صدر مصحف "دار التوفيقية" في 19 أغسطس 2003، بتصريح رقم (87).
وفي عام 2006 أبلغ "مجمع البحوث الإسلامية الجهات الرسمية بمصادرة ما يقرب من عشرين ألف نسخة من المصحف ، مليئة بالأخطاء التي كانت في ترتيب الآيات والكلمات وأرقام الصفحات، وكانت قد أجيزت هذه النسخة بقرار يحمل رقم «20» في يناير 2001، وأشرف على مراجعتها ومراقبتها أحد عشر عالما من علماء الأزهر الشريف.
وفي عام 2001 وجدت نسخ من القرآن الكريم مهربة من إسرائيل، تم ضبطها في مصر ومصادرتها، وجرى حينها حملة واسعة النطاق من قبل الحكومة المصرية على المكتبات ومحلات بيع الكتب لمصادرة هذه المصاحف المحرفة والمهربة من إسرائيل، والتي قدرت بحوالي ألفي نسخة، وحذر مجمع البحوث وقتها من أعداء الإسلام المتربصين بالمسلمين في كل البلاد الإسلامية، وقامت السلطات المصرية بإحراق النسخ المحرفة.
وفي نوفمبر 2015 قرر مجمع البحوث الإسلامية، مصادرة جميع نسخ ما يسمى "المصحف اللبناني"، الذي انتشر بين أوساط الشباب في الجامعات، خاصة في القاهرة، وتحتوي على أغلفة متعددة الألوان مثل الموف والنبيتي والفوشيا والزهري، وتم سحب هذا المصحف من الأسواق، والتنبيه على المطابع بعدم طبعه مرة أخرى، والالتزام بما وضعه مجمع البحوث من أشكال للمصحف، تعظيماً وإجلالاً لكلام الله عز وجل، مضيفاً أن "مثل هذه المصاحف تمثل استهانة بكتاب الله، وأن المصحف ليس صحيفة أو مجلة".