الثلاثاء  30 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

" تقرير ومؤتمر المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيليَّة – مدار – دقَّة وواقعيَّة وجهد مُثابر ومُفيد "

2017-03-29 09:12:40 PM
رائد دحبور

 

بقلم: رائد دحبور

 

لفتني على هامش مشاركتي في مؤتمر المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيليَّة " مدار " الذي انعقد يوم الثلاثاء 28 آذار 2017 في فندق " غراند بارك " في رام الله، والذي عُني بعرض ومناقشة التقرير السنوي الذي يصدره المركز حول المشهد الإسرائيلي - وقد كان التقرير الأخير قد تناول المشهد الإسرائيلي في عام 2016- لَفَتني دقَّة وجدِّية وواقعيَّة التَّقرير، والجهد المثابر والجَدِّي الذي بذله القائمون على إعداده.

 

قُلتُ في نهاية أعمال المؤتمر للصديقة العزيزة " الدُّكتورة هُنيْدَة غانم " المديرة العامَّة للمركز ومحرَّرة التَّقرير والتي قدَّمت هي وزملائها الأعزَّاء من المختصِّين والخبراء في الشأن الإسرائيلي مادَّة بحثيَّة جديرة بالملاحظة والاهتمام، قُلْتُ لها: سأكتُبُ عن التقرير والمؤتمر. قلتُ ذلك ليس على سبيل الإطراء؛ وإنَّما لقناعتي بأنَّ ما تمَّ تقديمه من دراسَةٍ ورؤىً وأفكار، يستحق الاهتمام والتَّقدير والمتابعة فعلاً.

 

 بعد الافتتاح والكلمة التَّرحيبيَّة التي جاءَت من قبل الدكتور أحمد حرب نائب رئيس مجلس إدارة مركز مدار – سجَّلتُ في دفتري وأثناءَ عرض التَّقرير وكذلك أثناء التَّعقيبات عليه أكثر من مئة فكرة ومفهوم كانت كلُّها جديرة بالملاحظة والاهتمام والوقوف عندها مليَّاً، وقد دوَّنتُ العديد من الملاحظات.

 

كان مُلَخَّص التَّقرير قد عُرِضَ على التَّوالي من قبل الدكتورة هنيدة غانم، التي قدَّمت الملخَّص التنفيذي. ومن ثمَّ ما قرأته الدُّكتورة هُنَيْدة نيابةً عن الدُّكتور عاطف أبو سيف - الذي لم يستطع الوصول من غزَّة بسبب الإجراءَات الإسرائيليَّة – حيث كانت كلمة الدكتور أبو سيف حول إسرائيل والمسألة الفلسطينيَّة. ومن ثمَّ ما قدَّمه الأستاذ أنطوان شَلْحَتْ، من رؤيةً للمشهد السياسي الحزبي الإسرائيلي الدَّاخلي، والذي قدَّم فيما بعد أيضاً رؤية للمشهد الأمني والعسكري. وكذلك ما قدَّمه الدكتور مهند مصطفى من رؤيةٍ لمشهد العلاقات الإسرائيليَّة الخارجيَّة. والدكتور عاصِ الأطرش وما قدَّمه حول المشهد الاقتصادي. والأستاذ نبيل الصَّالح حول المشهد الاجتماعي، والأستاذة هِمَّتْ زُعبي حول مشهد الفلسطينيين في إسرائيل. وقد اطَّلَعَ كلٌّ منهم بتقديم ملخَّص في المجال الَّذي أسهم من خلاله في إعداد التَّقرير. وقد كانت كل تلك الملخَّصات تتضمَّن أفكاراً ورؤىً مُكَثَّفة للمشهد الإسرائيلي في عامه الأخير، وقد رَصَدَتْ تلك الملخَّصات مناحي واتِّجاهات التَّحوُّلات من حيث العمق أو من حيث كونها طفيفة في ذلك المشهد في عامه الأخير، وقد استشرفَ التقريرُ ولاحظَ الكثيرَ من المعالم التي من الممكن تمييزها واعتبارها علامات فارقة في المشهد الإسرائيلي في مختلف الجوانب؛ بما يمكن أنْ يُفيد في تكوين رؤية شاملة لسياق التَّحَوُّلات الجاريَة راهِناً والمبنيَّة على أسُسٍ منهجيَّة كانت خلاصة مخططات وسياسات جرى انتهاجها بشكلٍ مُضَّطَرِدٍ مُتواتر عبر العقود الماضية من جانب إسرائيل.  

وقد كان ثمَّة ثلاث تعقيبات مهمَّة وتفتح أبواب رحبة للنقاش، قدَّمها كلَّاً من الدُّكتور غسَّان الخطيب أستاذ الفلسفة والدراسات الثقافية في جامعة بير زيت، والأخ قيس عبد الكريم عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطيَّة وعضو المجلس التشريعي الفلسطيني، والأخ محمد بركة رئيس لجنة المتابعة العليا لشؤون الجماهير العربيَّة في الدَّاخل.

 

كان اللَّافت في تقرير هذا العام تضمَّنه لمقدِّمة تاريخيَّة طويلة على اعتبار تزامن إصداره مع ذكرى ثلاثِ مناسبات مثَّلت علامات فارقة ومحطَّاتٍ مفصليَّة في تاريخ الصِّراع، وهي: مرور مئة عام على إصدار وعد بلفور، وسبعين عاماً على النَّكبة، وخمسين عاماً على احتلال عام 67، وقد كانت تلك المقدِّمة مكثَّفة ومفيدة للغاية.

 

كان من أبرز المفاهيم الواقعيَّة التي تناولها التقرير، مفهوم ما يمكننا تسميته بإسرائيل الثَّالثة في المرحلة الرَّاهنة؛ وذلك بفعل تحالف وائتلاف الأحزاب اليمينيَّة التَّقليديَّة مع ألأحزاب الدِّينيَّة – الحَريديم – مِمَّا ولَّدَ مشهداً جديداً يمكننا تسميته باليمين الجديد في إسرائيل، والَّذي يقوم على مفهوم تمجيد القوَّة.

كما رصد التَّقرير ملامح القواسم – النَّظريَّة - المشتركة بين قوى اليمين الجديد في إسرائيل وبين قوى اليمين التي يُلْحَظُ صعودها في أوروبا والولايات المتَّحدة، وكيف يجري استغلال ومحاولة استثمار صعود ترامب وما يمثله من رؤىً وأفكار عنصريَّة - ضد الأجانب – وأفكاراً شوفينيَّة بشكلٍ عام إلى سدَّة الرئاسة في الولايات المتَّحدة. وكيف يتمّ توظيف إسرائيل واستثمارِها للأحداث ولردَّات الفعل على سياسات الاحتلال ومحاولة إلصاق تلك الأعمال بظواهرٍ وبجهاتٍ مرتبطة ببيئة التَّطرُّف الدِّيني والمنظَّمات الدِّينيَّة الإرهابيَّة في المنطقة كتنظيم داعش على سبيل المثال؛ بحيث تظهر إسرائيل كمن يُواجه عدوُّاً مشتركاً بينها وبين الغرب عموماً في مناخِ تصنيف العوالم بين شعوبٍ حضاريَّة تنتمي للثقافة الديمقراطيَّة وللحضارة الغربيَّة المعاصرة وأخرى تنتمي لعصور البربريَّة والتَّخلُّف والظَّلام والتَّطرُّف الدِّيني والمذهبي – وبالمناسبة فقد كنتُ كتبتُ فيما مضى مقالاً مطوَّلاً في صحيفة القدس العربي حول ذات الموضوع وهو الاستثمار والتَّوظيف الإسرائيلي لدائرة العنف -  وكذلك فقد رصد التقرير محاولة مقاربة رؤية نتنياهو وترامب فيما يتَّصِلُ بإدارة ملف الاحتلال.

 

كما تناول التقرير جملة من القوانين المُستَحْدَثة والتي يجري الإعداد لها بما سيُضفي مزيداً من التَّوجُّهات الكلونياليَّة واليمينيَّة والعنصريَّة على السِّياسات الإسرائيليَّة، كقانون تسوية الأراضي ومحاولة تبييض السيطرة على الأرض بأثر رجعي. وقانون لم شمل العائلات، وقانون حظر الحركة الإسلامية في الدَّاخل، وسياسة هدم المنازل في النَّقب. وتصوير العرب في الدَّاخل كمصدر للخطر، والتَّركيز على ترسيخ وتسويق مفهوم يهوديَّة الدَّولة؛ مِمَّا يجعل من إسرائيل يهوديَّة أكثر وديمقراطيَّة أقل.

 

كذلك رصدَ التَّقرير أنَّ صعود قوى اليمين الجديد واحتلالها لحيِّزٍ وازِنٍ على الخريطة السِّياسيَّة وعلى خريطة النُّخَبْ، بما في ذلك ما أتى في سِياقِ شَرْقَنَة اليمين الليكودي وشَرْقَنَة اليمين الأشكنازي كيمين استيطاني في الدَّرجة الأولى؛ قد أدَّى إلى وجودِ ثقافةٍ شَعْبَوِيَّةٍ داخل المجتمع الإسرائيلي وفي أوساطِ النُّخبة الجديدة التي تقود إسرائيل الآن؛ بحيث يُلْحَظُ وفي سياق هذه التَّحوُّلات الاجتماعيَّة والسِّياسيَّة تزايد الشَّعبويَّة في المشهد الإسرائيلي وتزايد الميل نحوَ خطابِ أكثر توراتيَّة ودينيَّة. 

ويأتي كل ذلك في بيئة التَّحالفات على أسسٍ مختلفة في المشهد الإقليمي، وفي ظلِّ انشغال المحيط العربي بالفوضى وبالحروب والنِّزاعات الأهليَّة.

 

كما رَصَدَ التَّقرير وفي سياق متابعة شأن تحوُّلات الحياة الديمقراطيَّة في إسرائيل، تأثير طبيعة وآليَّة وميكانيزم الانتخابات هناك بحيث يمكن لـ 4% مِمَّن لهم حق الاقتراع – على سبيل المثال - إيصال أحزاب إلى الكنيست وبالتَّالي إيصالها وفق ما تفرضه ضرورات الائتلافات والتَّحالفات بين الأحزاب إلى الاستئثار بمقاعد حكوميَّة ووزاريَّة في التشكيلات الحكوميَّة الائتلافيَّة.

 

كذلك تناول التَّقرير مفهوم انتهاء الحروب الحاسمة، و ذلك فيما يتَّصِلُ بالمخاطر والتَّحديات التي تراها إسرائيل وبما يتَّصِلُ بالمشهد الأمني والعسكري الإسرائيلي. مفهوم انتهاء الحروب الحاسمة يعني التَّحوُّل من مواجهة الجيوش النِّظاميَّة في حروبٍ كلاسيكيَّة كما كان يجري في الماضي إلى مواجهة منظَّمات وتشكيلات شبه عسكريَّة، وما يفرضه ذلك من تحدِّيات، خصوصاً ما يتعلَّق بغياب عناوين واضحة يمكن توجيه رسائل الرَّدع إليها وتحميلها مسؤوليَّة التَّطوُّرات والمخاطر المترتبة على أي مواجهة، وبما في ذلك أيضاً اشتمال التَّحديات الجديدة على كون أنَّ العمق الجغرافي الإسرائيلي – الطَّفيف أصلاً – قد أصبح في مرمى الصَّواريخ التي تمتلكها منظَّمة كمنظَّمة حزب الله – على سبيل المثال – مع زيادة في العدد ودقَّة في التَّصويب وقدرات تدميريَّة أكثر؛ ممَّا يجعل من الجبهة الدَّاخليَّة الإسرائيليَّة ساحةً من ساحات الحرب في أيِّ مواجهة مقبلة، هذا عوَضاً عن التَّحدِّيات الاستراتيجيَّة التي تمثِّلها إيران – وفق الرُّؤية الأمنيَّة والاستراتيجيَّة الإسرائيليَّة – إضافةً إلى المخاطر في الجبهة الجنوبيَّة التي يمثِّلها قطاع غزَّة تحت سيطرة حماس. إضافةَ إلى بقاء عنوان التَّحدي الدِّيموغرافي الذي يفرضه الوجود الفلسطيني على الأرض كأحد أهم التَّحديات. وفيما أشار التقرير إلى أنَّ  نتنياهو يعتبر أنَّ التَّحدي الذي تفرضه حركة المعارضة الــ ( BDS ( يُعَدُّ أحد التحديات المهمَّة والخطيرة التي ينبغي التَّغلُّب عليها، أشار كذلك إلى أنَّ نتنياهو يزعم أنَّه يتم إحراز التَّقدم من جانب إسرائيل في مواجهة تلك الحركة بشكلٍ مضَّطَرِد.

 

ثمَّة ملمَح آخر أضاءَ عليه التَّقرير، كان يميِّزُ المشهد الإسرائيلي على الدَّوام، وهو ما يتعلَّق بالحدود الجغرافيَّة للدولة، وهي حدود غير واضحة وغير معرَّفة وغامضة حتَّى الآن، وهذا الأمر ينسحبُ كذلك على تعريف حدود المواطنة ومساحة المواطنة خصوصاً بالنِّسبة للمواطنين العرب هناك.

 

فيما يتَّصلُ برؤية وفهم إسرائيل للصراع راهنِاً أشارَ التَّقرير إلى أنَّ الفهم الإسرائيلي الآن يستند إلى جملَةٍ من المعطيات والتَّصَوُّرات التي يُتيحها انشغال الإقليم بالصِّراعات الأهليَّة والسِّياسيَّة، وتحسُّن علاقات إسرائيل مع بعض الدُّول العربيَّة – غير تلك التي تربطها بها علاقات دبلوماسيَّة بطبيعة الحال – وضرورة استثمار فرصة كون أنَّ الدُّول العربيَّة أكثر ضعفاً الآن في فرض المزيد من الوقائع على الأرض.

 

فيما يتَّصل بمستقبل الحل النِّهائي مع الفلسطينيين أشار التَّقرير إلى عدم وجود فروق كبيرة بين تصورات ومواقف شتَّى أطياف المشهد السياسي في إسرائيل حول ضرورة تكريس مفهوم ( الدَّولة النَّاقصة للفلسطينيين ) في أحسن الأحوال. وقد أشار الملخَّص الذي قدَّمه الأستاذ أنطوان شلحت إلى خطاب إسحق رابين الأخير والذي كان قد ألقاه من على منصة الكنيست وقال فيه إنَّ سقف الحل النهائي مع الفلسطينيين يتضمَّن عدم عودة إسرائيل إلى حدود الرَّابع من حزيران بشكل كامل وأنَّ القدس هي العاصمة الأبدية لدولة إسرائيل وأنَّ غور الأردن هو الحدّ الشرقي لإسرائيل وأنَّهُ سيبقى في نطاق السيطرة العسكريَّة الإسرائيليَّة الكاملة والشَّاملة، وأنَّه سيكون للفلسطينيين في النِّهاية كيانٌ سياسي أكبر من حكم ذاتي وأقل من دولة. وهذا بطبيعة الحال يتواءَم مع مفهوم الدَّولة النَّاقصة للفلسطينيين كما يتم الترويج له في إسرائيل اليوم ويجري محاولة إقناع الجميع به حول العالم من جانب إسرائيل.

 

أشار التَّقرير إلى أنَّ إسرائيل لا تُعاني من أيِّ نوعٍ من أنواع العزلة على صعيد علاقاتها الخارجية باستثناء العزلة المفروضة عليها جزئياً بسبب سياساتها فيما يتصل بالموضوع القضية الفلسطينية، فيما تتطور علاقاتها مع العالم بمعزل عن ذلك في المجالات الدبلوماسيَّة والاقتصاديَّة والتجاريَّة، وفي مختلف المجالات.

 

كما أشار التقرير إلى ارتفاع الناتج القومي الإسرائيلي وإلى تحسن الاقتصاد الإسرائيلي في تلك البيئة من الانفتاح على العالم وإلى احتفاظ إسرائيل بمعدَّلات مرتفعة لمستوى دخل الفرد، مع وجود فوارق كبيرة بطبيعة الحال بين دخل المواطنين العرب في مقابل اليهود من سكَّان إسرائيل، كما تناول التقرير والتعقيبات عليه - وخصوصاً التعقيب الذي قدَّمه محمد بركة رئيس لجنة المتابعة العليا - مناقشة معدَّلات البطالة ومعايير تحديد نسبها إسرائيليَّاً، وكذلك المعايير المتَّبعة لتحديد خطّ الفقر، وكيفَ أنَّ تلك النسب والمعايير قد تمَّ تقريرها بما يخدم إدامة سياسة التفرقة القائمة بين المناطق اليهوديَّة وسكَّانها اليهود من جهة وبين المناطق العربيَّة وسكَّانها العرب من جهة أخرى.

 

كما تمَّ الإشارة في الاستخلاصات التي تناولتها التعقيبات على التقرير إلى أنَّه يستمر عزوف المواطنين العرب في إسرائيل عن السياسة، واستمرار وتيرة الانفضاض عن قيادة الجماهير العربيَّة هناك، واستمرار الانقسام في أوساط المواطنين العرب في الدَّاخل على خلفيَّة الموضوع السُّوري.

 

وقد كان الدكتور غسَّان الخطيب قد تناول في هذا السِّياق الدَّور الرُّوسي في سوريا مُشيراً إلى أنَّه وبعكس الاعتقاد من أنَّ الدَّور الرُّوسي في سوريا يزعج إسرائيل، فإنَّ هذا الدَّور قد أتاح لها نوعاً من الشَّرعيَّة في ممارسة أنشطتها الأمنيَّة والعسكريَّة هناك، لكن دون أنْ يُقدِّم الدُّكتور غسَّان أيَّ دليلٍ يدعم وجهة نظره تلك.

 

بالإجمال، ربما لم يكن من مهمَّات التَّقرير أو المؤتمر أنْ يُقدَّمَا تصوُّراً شاملاً لبيئة المتغيِّرات الدَّوليَّة ولطبيعة الاصطفافات التي تنتجت عن تلك التحوُّلات العميقة التي اعترت مناخ العلاقات الدولية مؤخَّراً والتي كانت التكتلات الاقتصادية الكبرى وتحرير التجارة بين تلك الكتل المتجانسة - كردودٍ على تعميم نموذج العولَمة بصيغته الأمريكيَّة ومحاولة التَّفرُّد الأمريكي بالسياسة الدَّوليَّة مع منقلب القرن العشرين - أحد بواعثها الأساسيَّة، كما كانت الأزمة السورية أحد مرتكزات استمرار التحولات فيها، وأحد المؤثِّرات العميقة في تحديد اتِّجاهاتها، ولكن كان من الضروري الإشارة إلى أنَّه من الصَّعب تقدير وضع إسرائيل والمنطقة استراتيجيَّاً أو تحديد منحى ومستقبل التَّوازُنات الاستراتيجيَّة في ظلِّ التنبُؤات المتباينة والمعطيات التي تحمل طابع اللَّا يقين المتَّصلة بمفاعيل وارتدادات حركة رمال السياسة الدَّوليَّة المتحرِّكة في المنطقة وفي العالم ابتداءً من المتغيرات الجارية في آسيا - عالم التوازن بالنسبة للسياسة الأمريكيَّة حتَّى الآن – بسبب انبعاث الصِّين وتطوُّر الهند وغيرها من القوى هناك إضافةً إلى تطورات النزاع حول مستقبل تايوان والنزاع بين الكوريتين وموقع ودور اليابان من كل ذلك، إضافةً إلى المتغيِّرات الاجتماعيَّة والاقتصاديَّة والآيديولوجيَّة الجارية في أوروبا عموماً وفي فرنسا – التي تُعدُّ معياراً للتَّحولات الآيديولوجيَّة في أوروبا تاريخيَّاً – خصوصاً. مروراً بغلاف روسيا الغربي وليس انتهاءً بما سيفضي إليه الوضع في سوريا والعراق واليمن وليبيا.

 

خِتاماً، يمكننا القول وبكل تأكيد أنَّ ما قدَّمه تقرير " مدار " والمؤتمر الذي انعقد لإيجاز ومناقشة استخلاصات ومعطيات ذلك التقرير يُعَدَّان جهداً مفيداً مثابراً في سبيلِ إرساءِ الوعي على الآخر وربَّما على الذَّات وعلى الواقع على أسُسٍ أكثر عقلانيَّة وواقعيَّة ومنهجيَّة، وأكثر بعداً عن الارتجاليَّة وعن مفاعيل ذهنيَّة اللَّا يقين في حالتنا الفلسطينيَّة على الأقل.