الحدث- ريم أبو لبن
"أحكام المواريث خط أحمر"، "تقرير اللجنة دعوة للفتنة وخراب للأسر". بهذه الشعارات خرج التونسيون بالآلاف من مختلف البلدان ليرفعوا أصواتهم رفضاَ لما قدمته لجنة الحريات الفردية والمساواة من توصيات قد تمس بنظر البعض بالمرجعية العقائدية الإسلامية وبهوية الشعب التونسي، ومن بين تلك التوصيات مقترح لقانون يقضي بالمساواة بين الرجل والمرأة في الميراث.
الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي قرر الخروج البارحة في إحياء يوم المرأة التونسية ليقول لشعبه: "نحن دولة مدنية، والقول بأن مرجعية الدولة التونسية مرجعية دينية خطأ فاحش، المساواة في الإرث تصبح قانون، ونحن نطبق ما جاء في الدستور".
فيما أوضح الرئيس السبسي بأنه سيطرح أمام البرلمان التونسي مقترحا يقضي بالمساواة بين الرجل والمرأة في الميراث، فيما دعو للاحتكام إلى الدستور في هذا الطرح.
وجاء هذا المقترح ضمن التوصيات التي تضمنها تقرير لجنة الحريات الفردية والمساواة، والذي صدر في حزيران الماضي، وقد أقر ضمن مبادرة تشريعية لإلغاء كافة أشكال التمييز ما بين الجنسين في القوانين التونسية.
غير أن تقرير اللجنة هو بمثابة توصيات سيناقشها البرلمان وسيقر قانونا للمساواة بعد عرضه على التصويت كقانون أو مشروع.
قال السبسي: "يجب أن نغير أولاً أحكام قوانين الأحوال الشخصية و بـ التعامل مع الدستور وأحكامه ومرجعيتنا ليست دينية ".
ما أثار الجدل في توصيات اللجنة؛ هي مسألة المساواة بالإرث ما بين الرجل والمرأة التونسية، وهذا يناقض ما جاء في الدين الإسلامي، وبسورة النساء قول الله تعالى: "يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ".
وجاء في المقترح حق احتفاظ الموروث بحرية الاختيار ما بين تطبيق قانون الشريعة أم القانون المقترح، كما أن للأنثى التونسية حق الاختيار أيضا في التطبيق ما بين الشريعة وما جاءت به توصية لجنة المساواة.
"بما أن رئيس الدولة هو رئيس الجميع ومن واجبه التجميع وليس التفرقة؛ فأقول إن أراد المورث أن يطبق القواعد الشرعية في ورثته له ذلك". هذا ما شدد عليه الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي.
لم تهدأ وتيرة النقاش الدائرة حول ما جاء في تقرير لجنة الحريات الفردية والمساواة والذي نشر في الثامن من يونيو / حزيران الماضي، وتحديداً بعدما أوصى الرئيس السبسي اللجنة بإقرار المساواة في الإرث، بجانب إلغاء عقوبة الإعدام وألغاء تجريم " المثلية الجنسية".
"أؤيد القرار وجاء متأخراً"
تلك التوصيات جوبهت بالرفض من قبل الكثير من التونسيين؛ حيث انقسم الشعب لجبهتين مؤيدة ومعارضة لما نصت عليه اللجنة بحسب ما أوضحت لـ"الحدث" الناشطة التونسية فريال شرف الدين وهي من أسست حركة "كلام" لمناهضة العنف بكافة أشكاله.
قالت: "هناك تيار تقدمي وحضاري وديمقراطي يدعم المساواة في الميراث ما بين الرجل والمرأة، ومن باب أن العدالة والمساواة هي قرار دستوري ولا جدال فيه، وبالمقابل التيار الرجعي والإسلامي يرفض هذا الطرح من منحى اقتصادي وليس ديني، فهم يتسترون خلف الدين".
أضافت: "أنا أؤيد هذا القرار وقد جاء متأخراً؛ فهو يشكل عنفاً اقتصادياً تجاه النساء، وكان من الأولى الحديث عنه منذ سنوات وإقرار القانون الذي يقضي بالمساواة في الإرث ما بين الرجال والنساء، فالمرأة التونسية تواجه عنفا اقتصاديا ويحب محاربته، لاسيما وأن العقلية البطريركية تحكم بأن المال دائما للرجل وليس للمرأة، ولا يحق للنساء امتلاك المال أو بوراثة الأرض".
واستكملت حديثها: "تونس دولة تطبق الدستور، ومن أراد تطبيق الشريعة فله الحرية".
فيما أوضحت الناشطة شرف الدين خلال حديثها بأن الصراع في قضايا النساء يتمحور حول "صراع اقتصادي"، وكيف يمكن للمرأة امتلاك حقها للأموال كما الرجال، وليس الصراع لكونها امرأة، غير أن التونسيات هن من أكثر النساء في الوطن العربي اللواتي حصلن على حقوقهن كنساء بحسب ما أوضحت بعض الناشطات لدى المؤسسات النسوية، وكان آخرها إلغاء القانون الذي يدفع إلى زواج الضحيّة بمغتصبها.
"القرار يمس بهوية الشعب التونسي". بهذا الوصف عبر وزير الشؤون الدينية السابق، نور الدين الخادمي عن وجهة نظره تجاه ما جاء من توصيات بحسب ما ذكر خلال تصريحات نشرت على "بي بي سي"، غير أنه يقر بوجود نقاط إيجابية ومنها تحسين التشريعات فيما يتعلق بمزيد من تشديد العقوبات في حالات التعذيب وضمان حسن سير الإجراءات في التحقيق.
"هو يمس بالدين.. أنا أقف ضده"
"أنا أعارض بشدة قرار المساواة ما بين الرجل والمرأة في الميراث، وأنا من بين شريحة واسعة من المعارضين التونسيين للقرار، نحن دولة مدنية وديننا الإسلام، وهذا ما ذكر في أول فصل من الدستور التونسي". هذا ما قالته لـ"الحدث" مخرجة الأفلام السينمائية إيمان بن حسين معبرة بذلك عن رفضها للقرار.
أضافت: "فلغير الرئيس ما يريد، ولكن هناك خطوط حمراء لا يمكن تجاوزها، والميراث واضح في الإسلام".
واستكملت حديثها: "قضية الميراث ليست عويصة وهي أمر شخصي، وهناك عدة قضايا أخرى بارزة يجب إحداث تغيير فيها، فهي تعاني في مجال العمل وتتعرض لعنف اقتصادي".
فيما أشارت بن حسين في حديثها إلى أن المرأة التونسية قد حصلت على حقوقها بشكل أفضل من باقي النساء في كثير من الدول العربية، لاسيما وأن القانون يكفل لها حقوقها، إلا أن المرأة وبعد الثورة التونسية أصبحت على حد وصفها "رهاناً " للتجارة.
قالت: "بعض السياسيين والأحزاب يمررون القوانين من خلال المرأة؛ فقد أصبحت بنظرهم بعد الثورة نقطة ضعف وقوة للتأثير".
أضافت: "المرأة في تونس تحصل على حقوقها، ولكن لماذا لا تتولى مناصب عليا، وتنصب في مناصب ثانوية، لماذا لا يتم ترشيحها لمنصب رئيسة دولة؟".
منذ انبعاث وحدة الأحوال الشخصية في تونس؛ والمرأة التونسية تسعى بكل جد إلى أن تصارع العقل الذكوري للحصول على حقوقها، لاسميا وأن الحركات النسوية فيها أصبحت تثير جدلاً وتدعو للتغير على الدوام، فهل فعلا ستشهد مناصب الحكم صعود امرأة تونسية، لكي تصبح ملكة العرش في تونس؟.