الحدث - جهاد الدين البدوي
نشرت مجلة "الفورين بوليسي" الأمريكية مقالاً للكاتب بلال بلوتش يقول فيه أنه بعد قيام ترامب بسحب القوات الأمريكية من شمال سوريا أصبحت البلاد منطقة إقليمية حرة للجميع.
يشير بلوتش أن انسحاب القوات الأمريكية من شمال سوريا هذا الأسبوع أثار نقاشين في عواصم المنطقة. الأول والذي يعتبره الكاتب ملحاً حول ما إذا كان يمكن الوثوق بحكومة الولايات المتحدة كشريك، بالنظر إلى تخليها الواضح عن الأكراد. (من المسلم به أن العجز في مصداقية واشنطن يسبق المناورة المفاجئة للرئيس دونالد ترامب.)
ويرى الكاتب أن النقاش الثاني أقل تحديداً، ولكن أيضا أكثر تبعية، وهو ما يتعلق بكيفية تواصل اللاعبين الدوليين الباقين في سوريا إلى توازن سياسي جديد. فالانسحاب الأمريكي يخلق فوضى إستراتيجية وأخلاقية إضافية في الصراع المستمر منذ ثماني سنوات في سوريا، لكن يبقى من غير الواضح من سيستفيد استفادة كاملة من هذا الانسحاب. ويشير بلوتش إلى أن بعض الشراكات القائمة قد تفككت، بينما البعض الآخر تعمقت.
ويضف بلوتش ان ما هو واضح بالفعل هو أنه من المحتمل أن تظهر انقسامات أعمق بين روسيا وإيران وتركيا، وهي ثلاثة أطراف كانت في السابق متحدة في معارضتها لمصالح الولايات المتحدة في المنطقة. على الرغم من أن قادة من موسكو وطهران وأنقرة اتحدوا - في الأشهر الأخيرة –فيما يسمى بمجموعة أستانا - لحل الصراع في سوريا من خلال إطار اللجنة الدستورية السورية التي تشرف عليها روسيا، فإن الخلافات بينهم منعت تقدمًا خطيرًا. في الوقت الذي بدأت فيه تركيا توغلها في الأراضي التي كانت تحتلها في السابق القوات الكردية المتحالفة مع الولايات المتحدة، كان رد فعل روسيا مزيجاً من التخوف الضمني والمواقف الصريحة الداعية للحفاظ على ضبط النفس، ويضيف الكاتب أن إحباطات الكرملين ستزداد مع توسع تركيا في هجماتها بطريقة تزيد من خطر تقدم اللجنة الدستورية وتعرض جهود بشار الأسد في تعزيز سلطته للخطر.
ويلفت الكاتب الانتباه إلى أن العواصم العربية التي تتمتع بقوة كالرياض وأبو ظبي قابلت أخبار الانسحاب الأمريكي بقلق بالغ، فقبل عام واحد أعادت الامارات علاقاتها الدبلوماسية مع النظام السوري بإعادة فتح سفارتها في دمشق، ومنذ ذلك الحين أصبحت الإمارات العربية المتحدة جزءًا رئيسًا من عملية حل الصراع في سوريا، وخاصة من خلال القنوات الخلفية مع الحكومة السورية وبتشجيع من روسيا.
ويقول الكاتب أن وزير خارجية الامارات أنور قرقاش رفض الخطة التركية لانشاء منطقة عازلة بالطريقة التي تقوم بها تركيا اليوم. وخلال مقابلة تلفزيونية في وقت سابق من هذا العام، كان قرقاش واضحًا: "أن الإمارات العربية المتحدة تتعاطف بشدة مع الأكراد وتؤيد حماية الأكراد في إطار سوريا الموحدة". وتابع: "بلدي تشعر بالقلق إزاء تصريحات تركيا بشأن القوات الكردية، ونعتقد أن التهديد التركي خطر حقيقي. ... وأي تدخل من قوى غير محلية في الأراضي العربية، نعتبره سلبياً".
ويضيف بلوتش أن الانسحاب الأمريكي سيؤدي تعميق التوتر بين الرياض وأنقرة، التي تصاعدت في الأشهر الأخيرة بسبب الإخوان المسلمين، وحصار قطر، واختفاء وقتل الصحفي جمال خاشقجي العام الماضي. لقد أنفق السعوديون رأس المال - الدبلوماسي والاقتصادي - لتخفيف التوتر بين قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد والقبائل العربية في شمال سوريا، لهذا لن تكون الرياض سعيدة بالعدوان التركي الذي يهدد هذه الجهود.
ويرى الكاتب بأن الأحداث في الأشهر الأخيرة تمثل تدهورًا مفاجئًا في العلاقات السعودية التركية منذ تحالفهما القوي في السنوات التي تلت حرب العراق عام 2003، عندما سعى كلاهما لمنع ذلك البلد من الوقوع في أيدي إيران. في ذلك الوقت، أنتجت الانقسامات الطائفية في المنطقة ائتلافًا عميقًا بين الرياض وأنقرة وأنظمة سنية أخرى. وربما يحدث ذلك الأمر مرة أخرى، خاصة إذا اكتسبت الجماعات الطائفية غير الحكومية القوة في سوريا في أعقاب الانسحاب الأمريكي.
وينوه الكاتب أنه لم يمضِ وقت طويل عندما عاث تنظيم "الدولة الإسلامية" الفساد في جميع أنحاء المنطقة، وقدم نفسه كما يقول الباحث فالي ناصر، كوريث للخلافتين الأموية والعباسية، اللتين حكمتا إمبراطورية شاسعة من دمشق حتى بغداد، ويشير بلوتش إلى أن انسحاب الولايات المتحدة من سوريا سيثير المخاوف في ايران وبين حلفائها، من إمكانية تمرد سني من خلال عودة تنظيم الدولة، وإن بصورة جديدة، من شأنه أن يزيد دعم الجماعات الشيعية رداً على ذلك. (ولا يختلف ذلك عن الطريقة التي لجأت إليها الولايات المتحدة لمساعدة الأكراد في محاربة تنظيم "الدولة الإسلامية").
ويضف الكاتب: "قبل أربع سنوات حاربت الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران جنود تنظيم "الدولة الإسلامية" في قلب العراق. قد تحدث مواجهة مماثلة مرة أخرى، هذه المرة في سوريا. تحدث المراقبون في الأيام الأخيرة عن عودة تنظيم "الدولة الإسلامية" في مدينة الرقة السورية. فإذا اندلعت الحرب الطائفية مرة أخرى على نطاق واسع في المنطقة، فقد يتم التخلي عن خطوات التقارب الأولية بين إيران والمملكة العربية السعودية، مع الرياض والقوى السنية الأخرى، وعلى رأسها تركيا.
ويختتم بلوتش مقالته بالقول: وفي الوقت الراهن، شهد هذا الأسبوع أمر نادر الحدوث في الجغرافيا السياسية للشرق الأوسط-اتفاق على المستوى الوطني بين دول المنطقة باستثناء تركيا. اتفقت هذه الدول على أن التوغل التركي في شمال سوريا لا يهدد مستقبل الأكراد فحسب، بل أيضاً يهدد الاستقرار في سوريا بأسرها. ما يعني أن انسحاب الولايات المتحدة من سوريا هي ضمان لاستمرار الصراع الذي بدأ قبل ثمانية سنوات دون أن يكون هناك نهاية في الأفق.