الجمعة  26 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

ماذا تعني خسارة ترامب لحكام الاستبداد؟

2020-11-10 08:31:28 AM
ماذا تعني خسارة ترامب لحكام الاستبداد؟
ترامب

الحدث- جهاد الدين البدوي

نشرت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية مقالاً للكاتبة والصحفية المصرية سارة خورشيد، أشارت فيه إلى أنه من القاهرة إلى الرياض، يشعر قادة الاستبداد بالقلق بشأن ما قد تعنيه إدارة بايدن لعلاقتهم بواشنطن.

تلفت الكاتبة في افتتاحية مقالتها إلى أنه عندما قال جو بايدن ليلة الأربعاء إن "الديمقراطية تنجح"، ضرب على وتر العديد من الديمقراطيين في جميع أنحاء العالم، وليس فقط بالنسبة للأميركيين الذين صوتوا له لتولي المنصب. مضيفة: لكن كما كان التقدميون داخل الولايات المتحدة وخارجها يبتهجون، ويشعرون بالارتياح لرؤية إيمانهم بالديمقراطية قد تحقق، فإن معارضي الديمقراطية كانوا يتابعون بعصبية الانتخابات الرئاسية الأميركية ويراهنون على فوز دونالد ترامب، وهو ما لم يحصلوا عليه.

ترى الكاتبة أنه من الأمثلة على الحكام الاستبداديون الذين تشكل لهم الديمقراطية تهديداً، هي مصر والمملكة العربية السعودية، ومن السهل أن نرى لماذا أرعب انتصار بايدن قادة البلدين. فقد كان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والحاكم الفعلي للمملكة العربية السعودية، ولي عهد محمد بن سلمان، قد اعتمدا سياسات غير ديمقراطية وأشرفا على انتهاكات حقوق الإنسان سواء كان ترامب في منصبه أم لا، ولكن رئاسة ترامب سمحت لهما بالقيام بذلك بمزيد من الثقة والسهولة. كانوا يعرفون أنهم لن يواجهوا تحدياً أخلاقياً خطيراً من واشنطن مهما ذهبوا في قمعهم لمواطنيهم.

فخلال السنوات الأربع التي قضاها ترامب في الرئاسة، كان أنصار الديمقراطية وحقوق الإنسان يشعرون بالوحدة بشكل ملحوظ، وتم التغلب عليهم في ساحة دولية؛ حيث بدت فجأة مختلفة جداً عما كانت عليه قبل عام 2016. وفي صيف عام 2018، على سبيل المثال، عندما دعا وزير الخارجية الكندي إلى إطلاق سراح اثنين من المعتقلين السياسيين في المملكة العربية السعودية، بالغت الرياض في رد فعلها، وطردت السفير الكندي، وعلقت رحلاتها من وإلى تورونتو، وسحبت آلاف الطلاب السعوديين من المدارس والجامعات الكندية، وجمّد التجارة والاستثمارات المستقبلية مع هذا البلد الواقع في أمريكا الشمالية. كان تردد واشنطن في مساعدة جارتها وشريكها منذ فترة طويلة أكثر إثارة للصدمة من العاصفة السعودية ومن التدابير العقابية ضد أوتاوا.

يؤكد الكاتبة أن أكبر هدية قدمها ترامب للرياض؛ جاءت بعد بضعة أشهر، عندما أفلتت الرياض من جريمة مقتل المعارض السعودي جمال خاشقجي. حيث تم تقطيع أوصاله بمنشار عظام في قنصلية السعودية في تركيا، وأصيب العالم بالصدمة، وخلصت وكالة الاستخبارات المركزية إلى أن اغتياله كان بأمر من ولي العهد السعودي.

توضح الكاتبة أنه على الرغم من الأدلة الدامغة التي قدمتها وكالة الاستخبارات الأمريكية، إلا أن ترامب لم يُقدم إلا على حشد الكثير من الانتقادات الخفية غير المباشرة وسرعان ما تراجع عنها. ثم أعاد التأكيد من جديد على أن المملكة العربية السعودية "كانت حليفاً كبيراً في معركتنا الهامة جداً ضد إيران". مضيفاً أن "الولايات المتحدة تعتزم أن تبقى شريكاً ثابتاً للمملكة العربية السعودية لضمان مصالح بلدنا و "إسرائيل" وجميع الشركاء الآخرين في المنطقة. إن هدفنا الأسمى هو القضاء الكامل على خطر الإرهاب في جميع أنحاء العالم".

تلفت الكاتبة الانتباه إلى أن الحليف المقرب الآخر لترامب هو الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الذي وصفه الرئيس المنتهية ولايته بصراحة بـ "ديكتاتوري المفضل" في قمة مجموعة السبع في فرنسا في عام 2019. وكان السيسي قد بدأ بالفعل حملة قمع شديدة ضد المعارضين والنشطاء عندما كان باراك أوباما في البيت الأبيض. ويقدر عدد السجناء السياسيين في البلد حالياً بما لا يقل عن 60000 سجين.

توضح الكاتبة بأن وحالات الاختفاء القسري متكررة لدرجة أنها أصبحت طبيعية. فالسجون أضحت مكتظة، وهناك العديد من التقارير تتحدث عن التعذيب في السجون المصرية. وفي حين أن هذه الحملة كانت بالفعل على قدم وساق قبل انتخاب ترامب في عام 2016، إلا أن استمرارها بهذه القسوة مستمر منذ تولي السيسي السلطة في عام 2014 وحتى الآن، وهي أسوأ مما كان عليه في العقود القليلة الماضية - حتى في عهد حسني مبارك.

تضيف الكاتبة بأن كان النظام المصري كان معزولاً سياسياً إلى حد كبير على المستوى الدولي، خاصة بعد أن أشرف السيسي، القائد العسكري لمصر آنذاك، على عزل محمد مرسي من الرئاسة في عام 2013. في ذلك الوقت، كان أوباما في البيت الأبيض، ورد على ما اعتبرته إدارته آنذاك خطوة غير ديمقراطية في مصر من خلال فرض خفض جزئي ومؤقت للمساعدات الأمريكية لمصر.

تتابع الكاتبة: وفي نهاية المطاف، أعيد تدفق المساعدات في عام 2015، لكن العلاقات الثنائية ظلت متوترة بعد أن بعث أوباما برسالة واضحة مفادها أنه لم يكن مرتاحاً لأن يُنظر إليه على أنه ودود تجاه الحكام الاستبداديين. وفي ذلك الوقت، رأى النقاد أن رد فعله غير مجدٍ، لكن العالم عاش الآن ليدرك أهميته، مقارنة بسياسات ترامب وموقفه تجاه السيسي، وتجاه محمد بن سلمان، والسياسيين من ذوي التفكير المماثل من البرازيل إلى المجر إلى بيلاروسيا، حيث ردد ألكسندر لوكاشينكو - وهو زعيم آخر محاصر يرفض التنحي - ترامب قبل بضعة أيام، قائلاً إن الانتخابات الأمريكية كانت مزورة.

تقول الكاتبة: ولكن الأمر لا يتعلق بالسياسة الخارجية فحسب. إن سبب القلق الذي يثيره اليوم بين الحكام غير الديموقراطيين لا يتعلق فقط بأي خلافات ملموسة يتوقعونها بين سياسات ترامب وبايدن. كما يخشى الطغاة من تعزيز الفكرة القوية بأن "الديمقراطية ناجحة". وفي ذات السياق يشعر المصريون بالبهجة برؤية ترامب المهزوم، لأنها هذه البهجة مستوحاة من آليات الديمقراطية التصحيحية الذاتية.

وبغض النظر عن مدى محاولة ترامب استخدام السلطات الممنوحة له بموجب الدستور الأميركي لتغيير النظام لصالحه (على سبيل المثال، التسرع في تعيين إيمي كوني باريت في المحكمة العليا)، فإن النظام لا يزال يمنح الشعب الأمريكي الوسائل للتصويت لإخراجه من المنصب. وهذا لا يحدث في مصر السيسي. عندما أعلن سامي عنان عن نيته الترشح للرئاسة ضد السيسي في عام 2018، وانتهى به المطاف سجيناً، وتم اغلاق القضية.

تؤكد الكاتبة بأن الشعب المصري لم يستسلم. وبعد مرور عام، ساروا في احتجاجات نادرة ضد حكم السيسي حتى أدركوا تماماً المخاطرة التي كانوا سيتعرضون لها في ظل رئيس ينتهج سياسات القمع والاعتقال الجماعي.

ترى الكاتبة أن انتخاب بايدن يعيد الأمل. هذا عن أمريكا، لكنها أكثر من مجرد أمريكا. إذا كان بايدن يرى حقاً الولايات المتحدة على أنها "منارة للعالم"، وكان العديد من الأميركيين وغير الأمريكيين متلهفين لتصديقه، فعليه أن يبتعد عن سياسات ترامب تجاه الحكام المستبدين، بمن فيهم السيسي ومحمد بن سلمان.

وهذه ليست دعوة لسياسة خارجية أمريكية متدخلة. فالولايات المتحدة تتدخل بالفعل في بلدان مثل مصر والمملكة العربية السعودية بفضل المساعدات العسكرية السخية ومبيعات الأسلحة وغيرها من وسائل النفوذ التي استمرت إلى حد ما في ظل الإدارات الأمريكية المتلاحقة منذ لعقود. وهذه حقائق على أرض الواقع، ويمكن استخدامها، وقد استُخدمت، كأوراق مساومة.

كما أن هذه ليست دعوة لبايدن للسيطرة على نظرائه بطريقة أو لهجة يمكن أن تجلب له انتقادات واتهامات للولايات المتحدة الجديدة، أو أن ينهي علاقات طويلة الأمد، أو أن يرفض أهمية حرب الدولة المصرية ضد الجماعات التابعة لتنظيم «الدولة الإسلامية» في منطقة شمال سيناء. بل إنها دعوة إلى بايدن لكي يكون وفياً للديمقراطية والقيم الديمقراطية التي يرمز إليها انتخابه. على سبيل المثال، إطلاق سراح المعتقلين السياسيين في مصر والمملكة العربية السعودية هي خطوة يمكن تحقيقها وينبغي على بايدن أن يسعى إلى تحقيقها.

تختتم الكاتبة خورشيد مقالتها بالقول: من المهم الآن أكثر من أي وقت مضى أن نثبت أن الديمقراطية مهمة - في الداخل والخارج - حيث كان يُخشى أن تكون هذه القيم على المحك في عهد ترامب. وبرحيله، حان الوقت لندافع عنها مرة أخرى.