الأحد  28 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

مجلة أمريكية: فوز بايدن يهدد مشروع ماكرون

2020-11-29 08:51:51 AM
مجلة أمريكية: فوز بايدن يهدد مشروع ماكرون
جو بايدن

الحدث- جهاد الدين البدوي

نشرت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية مقالاً للصحفي الإيطالي المقيم في باريس ميشيل باربيرو، وتناول في افتتاحيته أنه في العديد من العواصم الأوروبية، رحبت بفوز جو بايدن في الانتخابات بعد أربع سنوات من المتاعب في ظل إدارة الرئيس دونالد ترامب. ولكن إلى جانب الابتهاج بعودة أميركا الموعودة إلى التعددية، فإن فوز بايدن يكشف عن شرخ قديم جديد فيما يتعلق بدور أوروبا على الساحة العالمية.

يوضح الكاتب بأن المسؤولين الفرنسيين يتساءلون إلى أي مدى ستعرقل رئاسة بايدن مساعيهم الصعبة بالفعل نحو جعل الاتحاد الأوروبي أكثر استقلالاً من الناحية الجيوسياسية، وهو مشروع محبب للرئيس إيمانويل ماكرون في السنوات الأخيرة، ولكنه مشروع بدا وكأنه يستمد القوة من نهج ترامب في تقويض أوروبا ونهجه الأحادي الجانب.

تساءل ماكرون في مقابلة مطولة أجريت معه مؤخراً: "هل التغيير في الإدارة الأمريكية سيشهد استسلام الأوروبيين؟" عن الجهود الرامية إلى بناء حكم ذاتي استراتيجي أكبر؟ لقد جسد ماكرون رؤيته لأوروبا التي يمكن أن تحتفظ بأوروبا بمفردها في عالم يهيمن عليه عمالقة مثل الولايات المتحدة والصين. وفي حين وصف ماكرون الولايات المتحدة بأنها "حلفاؤنا التاريخيون"، شدد أيضاً على الاختلافات الثقافية والجيوسياسية بين جانبي المحيط الأطلسي، وأوضح أنه ينبغي على أوروبا أن تسعى إلى تحقيق أهميتها الاستراتيجية "لنفسها" و"منع احتكار الثنائي الصيني الأمريكي".

وقال إن هذا يعني بشكل ملموس بذل المزيد من الجهود لتعزيز الدفاع الأوروبي، مع معالجة الاعتماد التكنولوجي على القوتين العظميين عندما يتعلق الأمر بشبكات الجيل الخامس وتخزين البيانات السحابية. كما حث على اتخاذ إجراءات ضد النفوذ المالي لواشنطن، الذي أصبح واضحاً عندما هددت العقوبات المالية الأمريكية شركات الاتحاد الأوروبي التي تتعامل مع إيران بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني في عام 2018.

يقول كريستيان ليكيسن أستاذ السياسية والعلاقات الدولية بجامعة ساينس بو: إذا نظرتم إلى كيف تنظر فرنسا لنفسها في الغرب منذ ديغول فصاعداً "نحن حلفاء للولايات المتحدة، التي لدينا معها قيم مشتركة، ولكن نحن لسنا تابعين ويجب احترامنا".

والسؤال الرئيس لباريس هو ما إذا كان شركاؤها الأوروبيون، في ظل غياب ترامب، سيظلون يتبنون نفس الموقف. في السنوات الأخيرة، وبفضل حروب ترامب التجارية، وتقويض حلف الناتو، والمعارك السياسية والاقتصادية حول كل شيء من إيران إلى تغير المناخ، بدت أوروبا مستعدة للقيام بدور مستقل أكبر لنفسها. وتحدث المسؤولون الفرنسيون والألمان، الذين أغضبهم الضغط الاقتصادي الأمريكي، بصراحة عن استعادة "السيادة الاقتصادية". في عام 2018، ألقى رئيس المفوضية الأوروبية آنذاك جان كلود يونكر عنوان خطابه عن حالة الاتحاد "ساعة السيادة الأوروبية". وفي الربيع الماضي، طالبت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بـ "سيادة استراتيجية أكبر للاتحاد الأوروبي".

كان الحديث بخساً، وهذا أوضح عندما يتعلق الأمر بالدفاع. وقد تم إنشاء صندوق دفاع أوروبي لتطوير التكنولوجيا العسكرية وتحسين التعاون، بيد أن الموارد المخصصة من ميزانية الاتحاد الأوروبي في آخر سبع سنوات أقل بنسبة 40% من الرقم الذي اقترحته المفوضية في الأصل. وتقول وكالة الدفاع الأوروبية إن الإنفاق الإجمالي في هذا المجال عاد إلى مستويات ما قبل الأزمة المالية الماضية، حيث لا تزال حصة البحوث والتكنولوجيا في ميزانيات الدفاع أقل بكثير مما كانت عليه في عام 2007. وعلى الرغم من اتفاقية التعاون العسكري الموقعة في عام 2018، لا يزال الجيش الأوروبي المتكامل أكثر قليلاً من مجرد خيال في هذه المرحلة.

وقد أصبحت خطوط الصدع هذه واضحة في الأسابيع الأخيرة بسبب الجدل العلني غير العادي بين ماكرون ووزيرة الدفاع الألمانية آنغريت كرامب-كارينباور. وفي مقال رأي نشرته مجلة بوليتيكو، قالت إن "أوهام الحكم الذاتي الاستراتيجي الأوروبي لابد وأن تنتهي: فالأوروبيون لن يتمكنوا من استبدال دور أميركا الحاسم كمزود أمني". وقال ماكرون في وقت لاحق إنه لا يوافق "بشدة" على هذا الرأي.

في بعض النواحي، تبدو الانقسامات أعمق مما هي عليه في الواقع. وفي الأسبوع الماضي، كتب وزيرا الخارجية الفرنسي والألماني عموداً مشتركاً يعترفان بأن الشراكة عبر الأطلسي يجب أن تصبح "أكثر توازناً". وفي أعقاب قرار ترامب بسحب آلاف الجنود الأمريكيين من ألمانيا، تدرك برلين أن أوروبا سوف تضطر إلى قبول المزيد من تقاسم الأعباء، حيث تُكرس الموارد الأمريكية بشكل متزايد للمواجهة مع الصين.

الفرق الأكبر هو التركيز. حيث يصر كرامب-كارينباور على أن أوروبا بحاجة إلى زيادة إنفاقها العسكري وتولي بعض المهام الأمنية للولايات المتحدة في جوارها، ولكن كوسيلة يجب أن تأخذها واشنطن بجدية أكبر وتعزز العلاقات بين حلف الناتو والعلاقات عبر الأطلسي، وليس أن تحل محلها.

يرى الكاتب أن مشكلة ماكرون تتمثل في أنه حتى لو استقر على النهج الألماني، فليس من الواضح أنه سيتحقق. وأشار هانز مول من المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية إلى أن وجهة نظر أحد الوزراء ليست بالضرورة موقف الحكومة بأكملها، وخاصة الائتلاف المرقع مثل الائتلاف الذي يحكم ألمانيا. وإن أي استمرار في النهج الألماني الحالي يزداد غموضاً بسبب رحيل ميركل المخطط له عن المستشارية في العام المقبل.

وبهذا المعنى، يمكن أن يكون الخلاف الفرنسي الألماني هذا الشهر محاولة من جانب ماكرون لمواصلة الضغط، كما أشار مول، نظراً لانعدام الثقة بشكل عام في برلين للوفاء بالتزاماتها بشأن الإنفاق الدفاعي. وفي حين ارتفعت ميزانية الدفاع الألمانية في السنوات الأخيرة، إلا أنها لا تزال أقل من عتبة الـ 2% من الناتج المحلي الإجمالي التي يفترض أن تنفقها دول حلف الناتو على الدفاع. ويقدر الآن أن ألمانيا تنفق حوالي 1.6% من الناتج المحلي الإجمالي على الدفاع مقارنة بـ 2.1% في فرنسا.

وعندما يتعلق الأمر بالإنفاق على المعدات الرئيسة والبحوث والتطوير ذات الصلة كحصة من الناتج المحلي الإجمالي، تعد ألمانيا واحدة من أدنى المعدلات بين أعضاء الناتو. لطالما كان كبار ضباط القوات المسلحة الألمانية يدقون ناقوس الخطر بشأن الحالة السيئة للدفاع الاتحادي، وهو الوضع الذي وصفه مول بأنه "فوضى".

وهذا ما يجعل فوز بايدن، من غير المرجح أن يشهد ماكرون أي انفراجة كبيرة في رؤيته لأوروبا أكثر قوة. وعلاوة على ذلك، فإن الدول الأخرى الأعضاء في الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو، مثل بولندا و(بدرجة أقل) المجر ودول البلطيق، أقل استعداداً من ألمانيا للسعي إلى الاستقلال الاستراتيجي عن الولايات المتحدة.

يختتم الكاتب مقالته بقول ليكيسن، من ساينس بو: إن الرئيس الفرنسي معزول تماماً. كما أن العديد من دول الاتحاد الأوروبي لا تزال حريصة نسبياً على قبول الهيمنة الأمريكية، وهنا يتعثر مشروع ماكرون.