الجمعة  26 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

انتخابات الكنيست القادمة: أحزاب عربية جديدة تتشكّل

2021-01-27 09:22:55 AM
انتخابات الكنيست القادمة: أحزاب عربية جديدة تتشكّل
تعبيرية

ترجمة الحدث- محمد بدر

نشر معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي في تل أبيب ورقة تقدير موقف عن ما أسماه "الاتجاه الجديد في الوسط العربي في إسرائيل" وذلك بعد تشكيل حزب سياسي جديد أُطلق عليه اسم "معا". ترجمتها الحدث وجاء فيها:

قادت الطبقة الوسطى في "المجتمع العربي" في "إسرائيل" توجها واضحا في العقد الماضي للاندماج في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية. هذا بموازاة الإقصاء المستمر، العام والسياسي والثقافي، من جانب قطاعات كبيرة من "الجمهور اليهودي" ومن جانب "الدولة". حصل الموقف الإقصائي للجمهور اليهودي و"الدولة" على أساس قانوني في "قانون القومية" والتعديل 116 لقانون التخطيط والبناء ("قانون كامينيتس" الذي شدد العقوبة على البناء في البلدات العربية).

يركز "المجتمع العربي"، من جانبه، على السعي لإحداث تحسن جوهري في وضعه، من خلال المشاركة السياسية النشطة في عمليات صنع القرار، من أجل تعزيز المساواة المدنية الكاملة وتوزيع أكثر توازناً للموارد. وقد شجع إنشاء القائمة المشتركة (2015) في أعقاب زيادة نسبة الحجب وإنجازاتها في الانتخابات السابقة، هذا الاتجاه العام. من ناحية أخرى، يواصل الجمهور الإسرائيلي ككل إدارة ظهره لهذا الاتجاه. أظهر استطلاع أجراه معهد دراسات الأمن القومي (نوفمبر 2020) أن ما يقرب من 60٪ من الجمهور اليهودي لا يؤيدون تشكيل حكومة مع الأحزاب العربية.

في الفترة التي سبقت انتخابات الكنيست الـ 22 (سبتمبر 2019)، أعلن رئيس القائمة المشتركة، أيمن عودة، أن "المجتمع العربي" قد نضج ليكون لاعبًا مؤثرًا في السياسة الإسرائيلية. ذلك يعني الاهتمام بقضايا مدنية على حساب التعامل مع قضايا ذات طبيعة وطنية. صوت "الجمهور العربي" بأعداد كبيرة للقائمة المشتركة وفازت بـ 13 مقعدًا في الكنيست 22 و 15 مقعدًا في الكنيست 23  وهو رقم قياسي غير مسبوق.

جاء التصويت الكاسح للعرب للقائمة المشتركة على حساب تصويتهم للأحزاب اليهودية، التي انخفضت نسبة تأييدها في انتخابات الكنيست إلى أدنى مستوى (12٪ في الكنيست الـ23 مقابل 28٪ في انتخابات الكنيست الـ21 و 18٪ في الكنيست الثانية والعشرين).

هذه التطورات السياسية، وخاصة الانتخابات المتكررة، في ظل التعادل المستمر بين الكتل المتنافسة، أوضحت الإمكانات الحرجة للصوت العربي، وأثارت في الخطاب العام مسألة شرعيته، وإمكانية دمج العرب في ائتلاف حكومي. وهكذا، في الفترة التي سبقت انتخابات الكنيست الـ 24، وبعد سنوات عديدة من المقاطعة، نضجت فكرة جديدة بين الأحزاب الصهيونية، يمينًا ويسارًا، وهي الاعتراف بضرورة النظر إلى الصوت العربي على أنه عنصر شرعي في بناء الائتلاف الحكومي.

ويجري في الرأي العام العربي جدلًا حيويًا حول هذه القضية، في ظل خيبة أمل حزب "أزرق أبيض" بعد رفضه الاعتماد على القائمة المشتركة لتشكيل ائتلاف حكومي، خاصة بعد أن أوصت القائمة بأكملها لبني غانتس كرئيس للوزراء. وبين مكونات القائمة المشتركة، كان هناك خلاف حاد حول كيفية تعظيم قوتها السياسية لصالح دفع المصالح الحيوية للمجتمع العربي. يقود منصور عباس، زعيم (الحركة الإسلامية / الفرع الجنوبي)، نهجًا سياسيًا جديدا، ويسعى إلى التعاون السياسي مع جميع القيادات الصهيونية، بما في ذلك قيادات اليمين الصهيوني.

في ضوء ذلك، يمكن الملاحظة بوضوح تحركات عباس الأخيرة، والتي تهدف إلى تعزيز التعاون مع الليكود، مع التركيز على المجالات العملية بما في ذلك التعامل مع العنف والجريمة بالإضافة إلى تمديد الخطة الخمسية لتنمية المجتمع العربي (قرار الحكومة 922 ديسمبر 2015). يبدو أن مقاربة عباس ترتكز على نظرته للمزاج البراغماتي للجمهور العربي، وكذلك على كونه عضوا في الحركة الإسلامية، التي تؤكد على الجانب الديني والاجتماعي على حساب الجانب الوطني. على هذه الخلفية، يمكن للمرء أن يفسر أيضًا تأسيس الحزب العربي الجديد "معا"، الذي يترأسه، الناشط الاجتماعي محمد دراوشة، والذي لا يرى أي تناقض بين كون إسرائيل "دولة يهودية وديمقراطية" ومنح مواطنيها المساواة الكاملة في الحقوق. يعتزم الحزب الجديد الحفاظ على التعاون السياسي مع أحزاب الوسط الصهيوني من أجل الاندماج في عمليات صنع القرار.

ينظر قادة القائمة المشتركة، أيمن عودة، وإمطانس شحادة، وأحمد طيبي، إلى هذه الاتجاهات بقلق بالغ. بالنسبة لهم، يجب أن تستمر القائمة المشتركة في مطالبة "الدولة" بالمساواة في الحقوق والعدالة الاجتماعية للمواطنين العرب، دون التخلي عن المواقف الأيديولوجية القومية تجاه القضية الفلسطينية. هذا، إلى جانب السعي إلى تعزيز القائمة المشتركة، وزيادة التمثيل اليهودي فيها، مع إقامة "معسكر ديمقراطي" كقوة سياسية خارجية برلمانية، تضم يهودًا وعربًا يتفقون على أربعة مبادئ: إنهاء الاحتلال، وتعزيز الديمقراطية، والمساواة، وحماية مكانة "الأقلية العربية".

تسلط مقاربة أحزاب المشتركة الضوء على الفجوة القائمة بينها وبين النهج الجديد في "الجمهور العربي"، الذي يتوقع الآن من ممثليه في الكنيست التركيز على إيجاد طريقة للتأثير السياسي الحقيقي والاندماج في عمليات صنع القرار. كما تم الكشف عن هذه الفجوة حول اتفاقيات التطبيع بين "إسرائيل" ودول الخليج: في حين أن ما يقرب من ثلثي "الجمهور العربي" يؤيدون هذه الاتفاقات حسب استطلاع للرأي أُجري في كانون الأول 2020. في حين صوت أعضاء القائمة المشتركة في الكنيست ضد الاتفاقيات بحكم موقفهم من الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. تم الكشف مؤخرًا عن المزيد من الأدلة على هذه الفجوة، ربما أيضًا تحت تأثير الجوانب الاقتصادية لأزمة كورونا، مع نشر أخبار زيادة تجند الشباب العرب هذا العام، بمن فيهم المسلمون للجيش والخدمة الوطنية المدنية، على الرغم من استمرار المعارضة المبدئية من القيادة السياسية العربية.

يخلص مؤشر الديمقراطية لعام 2020 الصادر عن المعهد الإسرائيلي للديمقراطية إلى أن 44٪ فقط من العرب المستطلعين يشعرون بأنهم جزء من دولة إسرائيل وقضاياها (مقارنة بـ 84.5٪ من اليهود). أظهر استطلاع حديث أجراه المعهد الإسرائيلي للديمقراطية (5 يناير 2021) أنه من المتوقع أن يشارك 39٪ فقط من "الجمهور العربي" في انتخابات الكنيست المقبلة.

وتوقع استطلاع حديث أجرته شركة Statant (منذ أوائل يناير 2021) انخفاضًا كبيرًا في معدل التصويت في "الجمهور العربي" إلى 52٪. وبحسب هذا الاستطلاع، في حال تم توحيد القائمة المشتركة، فإن 69٪ من الناخبين العرب سيؤيدونها، أي ستحصل  نحو 10 مقاعد في الكنيست. ومن المتوقع أن يصوت الباقون، 31 في المائة، للأحزاب الأخرى. وإذا انقسمت القائمة المشتركة، ستفوز القوائم العربية بأقل من 11 مقعدًا، والمشاركة الضعيفة في الانتخابات من قبل "الجمهور العربي" تعد أمرا إيجابيا من وجهة نظر انتخابية لدى الليكود والأحزاب اليهودية الأخرى.

في ضوء ما سبق، يمكن فهم محاولة الأحزاب اليهودية لجذب الصوت العربي، وخاصة التحركات الأخيرة لبنيامين نتنياهو، الذي وعد بتخصيص تمثيل حقيقي للعرب، بالإضافة إلى وعود بتعيين وزير عربي مسلم، والالتزام بالاستثمار في مجالات يهتم بها "الجمهور العربي": التعليم والاقتصاد والأمن الداخلي. في الوقت نفسه، أوضح حزب الليكود مؤخرًا أنه لن يقوم بتشكيل حكومة بدعم من القائمة المشتركة. لذلك، حتى على خلفية الاستطلاعات أعلاه، يبقى السؤال هو عن مدى تأثير الوعود التي قطعها نتنياهو على الجمهور العربي في الانتخابات القادمة.

في الختام، من الواضح أنه في أوساط الجمهور العربي، هناك اتجاه يستمر في التوسع الإدراكي والعملي في عملية إضفاء الطابع الإسرائيلي متعدد الأبعاد والمشاركة في الفضاء السياسي. ومع ذلك، فإن هذا الجمهور يدرك اللعب السياسية للأحزاب الصهيونية، وهو حساس للضرر الذي لحق بمكانته العامة عبر استبعاده المستمر، وحساس كذلك تجاه القضايا الوطنية وخاصة في المجالات العملية، والتي تتصدرها اهتماماته. في مواجهة هذا النهج السائد، لا تزال الأطراف العربية تجد صعوبة في تبني صيغة متفق عليها تسمح لها بالحفاظ على التعاون السياسي مع الأحزاب الصهيونية.

على أي حال، يبدو أن التطورات السياسية المعروضة أعلاه تخلق بعدًا حديثًا لشرعية الصوت العربي من جانب الأحزاب الصهيونية من اليمين واليسار، وربما حتى فرصة لوجود حزب سياسي يهودي عربي. ستكون الانتخابات المقبلة بمثابة اختبار لاستعداد الأحزاب الصهيونية بالفعل لمقاربة "الجمهور العربي" بشأن القضايا المدنية التي تهمه.