الجمعة  29 آذار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

المونديال يصفع استراتيجية نتنياهو

2022-12-05 11:32:41 AM
المونديال يصفع استراتيجية نتنياهو
مشجعون يرفعون العلم الفلسطيني في مونديال قطر

 

 

هل تحول مونديال قطر 2022 إلى استفتاء للشعوب العربية حول القضية الفلسطينية؟

مراقبون لـ الحدث: فلسطين الفريق الـ33 في مونديال قطر

 

 

خاص الحدث

استندت السياسة الإسرائيلية منذ عام 2009، مع تولي بنيامين نتنياهو للحكم، إلى قاعدة تعامل واحدة وهي أن القضية الفلسطينية يجب أن لا تبقى في الصدارة، وإن مكانها الهامش، وعلى هذا الأساس صاغ نتنياهو سياسته على مدار 12 عاما، فقد قام بتجميد المفاوضات مع السلطة الفلسطينية، وعمل على تقزيم مهامها وحجم العلاقة إلى الشق الأمني والاقتصادي فقط، وحاول تجنب المعارك العسكرية مع قطاع غزة قدر الإمكان، على اعتبار أن أصوات الرصاص تعيد القضية إلى الأجندة العالمية والعربية والإسرائيلية.

وفي السنوات الأخيرة رأى نتنياهو أن الأوضاع أصبحت مواتية لإقامة علاقات تطبيع مع الدول العربية، تختلف عن اتفاقيات السلام التي عقدت مع مصر والأردن، وافتراضه الأساسي الذي عبر عنه في كثير من المناسبات أن الشعوب العربية هي الأخرى أصبحت متقبلة لفكرة التطبيع مع "إسرائيل" لأنها لم تعد ترى في القضية الفلسطينية، قضية مركزية، وأصبحت تبحث عن نفسها وتطورها، وهذا لا يتحقق - من وجهة نظره - إلا من خلال العلاقة مع "إسرائيل" التي تمثل - وفق منطقه - مصدرا للتطور والتقدم، بالإضافة لكونها الممر الضروري إلى الغرب على اختلاف مواقفه من القضية الفلسطينية.

لم تكن هذه الرؤية التي يطرحها نتنياهو، نظرية مجردة من الفعل، بل رافق فترة حكمه إنشاء عشرات المنصات على مواقع التواصل الاجتماعي التي تتلخص مهمتها في هندسة الوعي العربي وتكييفه بمضمون يستبعد "إسرائيل" من مربع العدو إلى مربع الصديق أو الشريك في التاريخ والجغرافيا وبالتالي فإن العلاقة معها ضرورية لأسباب أساسية وأخرى ذات علاقة بطبيعتها. ترافق ذلك مع إنشاء عشرات آلاف الحسابات الوهمية التي نشطت في توفير بيئة خصبة لجو من العداء المتبادل بين الشعوب الفلسطينية والفلسطينيين، واستعانت "إسرائيل" ببعض المدونين العرب أيضا لتكريس فكرة العداء.

هذا الجهد الإسرائيلي، والذي لم يكن ذاتيا في بعض محطاته، وإنما متسلحا بإدارة أمريكية يقودها دونالد ترامب في مرحلة من المراحل، قاد إلى أربع اتفاقيات تطبيع، وصفها نتنياهو باتفاقيات سلام دافئ، أي أنها انطلقت من ثقافة متسامحة مع وجود "إسرائيل" والعلاقة معها، ولم يعز الأمر إلى حقيقته، بأن دولا وهيئات وأجهزة مخابرات كلها عملت على إنجاز هذه الاتفاقيات، لكن البروباغندا الإسرائيلية عملت على تسويق فكرة أن التطبيع نتيجة لتقبل الشعوب لا رغبة الحكام، وعلى هذا الأساس تشكلت السردية الإسرائيلية، وأعلن نتنياهو عن انتصاره في معركة تحييد القضية الفلسطينية وتفكيك روابطها مع محيطها العربي.

في 2021 غادر نتنياهو كرسي الحكم، حالما بالعودة، وكانت أبرز شعاراته لحشد تأييد الجمهور الإسرائيلي بأنه الوحيد الذي استطاع أن يعزل القضية الفلسطينية عن محيطها، وأثبت عدم صحة الفرضية التي تقول إن السلام يمر من خلال الفلسطينيين لا من فوقهم، وقد عبر عن هذا في مقابلة مع صحيفة هآرتس العبرية قبل الانتخابات الإسرائيلية التي أجريت في نوفمبر الجاري، وبموجبها عاد للحكم مرة أخرى، وقد روج في المقابلة لاستراتيجيته بشكل مبالغ فيه.

وقال مراقبون لصحيفة الحدث، إن الإعلام الإسرائيلي، صحفيون ومؤسسات إعلامية لم يكن يتحدث بمعزل عن الروح التي تفيد بأن العرب متعطشون لإسرائيل، وإن كان هو الذي خلق مركزية لبعض الأشخاص والأحداث، على اعتبار أن هذا تمثيل وتجسيد لهذه الروح التواقة للإسرائيليين، من خلال تقنيات إعلامية ودعائية، إلا أنه تورط فيها واخترقت وعيه، أي أنه صنع الكذبة ثم بالفعل صدقها، وأصبح يتعامل على أساسها.

وأضافوا: لم يتوقع أحد أن حدث المونديال في قطر، كحدث عالمي رياضي، قد يتحول إلى أهم حدث بالنسبة للإسرائيليين. ففي الوقت الذي كانت فيه شعوب العالم تتجهز لحدث رياضي، يفترض أنه يجمع العالم ويتجاوز حدود الخلافات السياسية والثقافية - وإن دار جدل حول الأخيرة -، كان الإسرائيليون يتجهزون لاستغلال الحدث من أجل الترويج لفكرة تعطش العرب للعلاقات معهم، وبناء وتسويق صورة تزيد من إحباط الفلسطينيين من محيطهم العربي، فأعدوا العدة وتجهزوا لحدث يريدون أن يوضحوا من خلاله أن استراتيجية نتنياهو صحيحة، ليس حبا به بالضرورة، ولكن لأن هذه الاستراتيجية تستبعد الفلسطيني وتخلق له حالة عداء مع محيطه، وهذا هدف مشترك بين جميع الإسرائيليين.

ورأى الكاتب والمحلل السياسي شرحبيل الغريب في لقاء خاص مع "صحيفة الحدث"، أن مونديال قطر كان استفتاء عربيا وإسلاميا نحو رفض الشعوب العربية والإسلامية مسألة التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي باعتبار أن المونديال حدث رياضي عالمي لكن أخذ بعدا سياسيا بالدرجة الأولى.

وأضاف الغريب، أن حالة الرفض للإسرائيليين والتعاطف مع الشعب والقضية الفلسطينية من خلال رفع الأعلام الفلسطينية وارتداء الكوفية الفلسطينية كتعبير عن الهوية الفلسطينية والتضامن مع القضية الفلسطينية كقضية عربية وإسلامية يؤكد أن كل اتفاقيات التطبيع لم تؤتِ أُكلها وأن توجهات الشعوب العربية والإسلامية وحالة التعاطف العالمي بعيدا كل البعد وأن هناك فجوة كبيرة بين توجهات ورغبات الشعوب وبين سلوك بعض الأنظمة السياسية العربية التي وقعت اتفاقيات تطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي.

ووفقا للمحلل السياسي الغريب، فإن "هذا يشكل انتكاسة وفشلا كبيرا للدبلوماسية الإسرائيلية التي لطالما أعلن بنيامين نتنياهو بأن الشعوب العربية جاهزة للتطبيع وبالتالي هذا المونديال شكل صفعة على وجه إسرائيل وفشلا لسياساتها الخارجية بشأن اختراق الساحات العربية والتغلل في البيئة العربية وفرض إسرائيل نفسها في إطار تحقيق حالة من ما يسمى "التعايش" بينها وبين الشعوب العربية.

وأكد أن رسالة المشجعين للمونديال وصلت بأن إسرائيل منبوذة وغير مرغوب بها ولا تتقبل وجودها الشعوب العربية والإسلامية. وقال: شكل المونديال بشكل حقيقي صفعة قوية على وجه إسرائيل وفشل دبلوماسيتها بشأن الالتفاف العربي حول القضية الفلسطينية.

ويرى الغريب، أن سلوك الجماهير العربية والإسلامية سيجعل حكومات طبعت وحكومات كانت على طريق التطبيع أن تعيد النظر في قراءة المشهد لأن توجهات شعوبها مختلفة ومغايرة تماما لتوجهاتها، وهذه الشعوب ربما اتضحت لديها الصورة الحقيقية من وراء اتفاقيات التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، وأنها ليست كما تم الترويج له، وبالتالي فإن مواقف الشعوب العربية الجريئة ستجبر صانع القرار العربي على التوقف أمام هذه المشاهد وأن يعيد النظر للمشهد من زاوية أخرى.

وأكد المشجعون العرب في مونديال قطر لعام 2022 بحسب الغريب، أن دعم القضية الفلسطينية ودعم الحق الفلسطيني لا يأتي عبر بوابات التطبيع والعلاقات مع الاحتلال الإسرائيلي، بل يأتي من خلال تعزيز صمود الشعب الفلسطيني ودعم قضيته في كل المحافل الدولية.

ووفقا لـ المحلل السياسي الغريب، فإن الاحتلال الإسرائيلي وصلته رسالة من خلال فعاليات مونديال قطر تفيد بأن إسرائيل كيان منبوذ وغير مرغوب به بين الشعوب العربية والإسلامية، وهذا سيجعل إسرائيل تستوقف أمام هذا الالتفاف حول القضية الفلسطينية الذي شهدته فعاليات المونديال في قطر التي لطالما راهنت عليها إسرائيل بأنها دولة وظيفية واتضح في النهاية أنها من أهم الدول التي أعطت مساحة كبيرة لكل الشعوب العربية والإسلامية.

وذكر، أنه ومنذ بدء وانطلاق فعاليات مونديال قطر، حالة التعاطف العربي مع الشعب الفلسطيني كانت كبيرة وواضحة، وهذا يشكل انتصار للرسالة الفلسطينية ما بين حالة اللغط التي تعيشها المنطقة، واتفاقيات التطبيع التي جاءت على حساب القضية الفلسطينية والحقوق الفلسطينية، وربما ذهبت إليها بعض الأنظمة العربية في تقدير خاطئ بانه يمكن أن تتوصل إلى اتفاقيات سلام وتعايش مع الاحتلال، ومن الواضع أن الجمهور الإسرائيلي يذهب كله للتطرف والتغول على الشعب الفلسطيني ومقدساته وممتلكاته وهذا يكرس المشهد بأن إسرائيل كيان احتلالي لا يمكن بأي حال من الأحوال التعايش معه والتطبيع معه أو حتى قبول أي شكل من الاتفاقيات معه.

وأوضح: "هذه الجماهير حقيقة ربما تبعث برسالة واضحة بأنه ستأتي اللحظة التي تعبر فيها بشكل عملي عن رفضها ونبذها للاحتلال ككيان احتلالي وكذلك رفضها لاتفاقيات بعض الأنظمة العربية والإسلامية لتطبيع العلاقات مع الاحتلال الإسرائيلي، الذي يتغول على كل ما هو فلسطيني، وبالتالي طبيعة المونديال بعثت برسالة واضحة لكل الحكومات المطبعة بأن اتفاقياتكم ما هي إلا حبر على ورق وتوجهات وبوصلة الشعوب ما زالت نحو القضية الفلسطينية.

 

ويقول محمود نواجعة، منسق حركة مقاطعة إسرائيل (BDS)، إن حالة النبذ والمقاطعة للصحفيين الإسرائيليين والمشجعين الإسرائيليين في فعاليات مونديال قطر لهو رد طبيعي من الشعوب العربية المناهضة للتطبيع ومؤشر هام وضروري. معتبرا أن هذه المقاطعة والرفض سبقها انسحاب عشرات اللاعبين العرب خلال العامين الماضيين من بطولات دولية؛ لعدم ملاقاة لاعبين إسرائيليين في الملعب ذاته رفضا لأي شكل من أشكال التطبيع مع الاحتلال وتضامنا مع القضية الفلسطينية.

واعتبر نواجعة، أن الاحتلال الإسرائيلي بنى استراتيجيه على تطويع الشعوب العربية واختراقها استباقاً لتوقيع اتفاقيات السلام والتطبيع مع الدول العربية، من خلال تغيير المناهج وإقامة علاقات طبيعية مع أندية وجمعيات عربية، لكن كل ذلك فشل على أرض الواقع.

وبحسب منسق حركة مقاطعة إسرائيل، نواجعة، فإن مقاطعة الشعوب العربية للصحافة الإسرائيلية مرتبط بوعي الشعوب أولاً ثم بالنشاطات والحملات، التي أطلقتها حركة المقاطعة بالتنسيق مع مجموعة "شباب قطر ضد التطبيع، كما أن مونديال قطر كان فرصة مهمة ومناسبة عالمية لإعادة إحياء القضية الفلسطينية في وجدان الشعوب العربية كقضية مركزية خاصة، بعد اتفاقيات التطبيع الأخيرة التي أبرمتها دول عربية مع دولة الاحتلال".

وأوضح نواجعة، أن توقيت بروز ظاهرة مقاطعة العرب للإعلام الإسرائيلي مهم، فهو يأتي عشية عودة بنيامين نتنياهو لرئاسة الوزراء الذي أعلن في حملته الانتخابية عن نيته استكمال مشوار التطبيع مع دول عربية جديدة.

وأردف: في مونديال قطر تظهر الحقيقة الثابتة برفض شعوبنا العربية للتطبيع، وتظهر أن الذباب الإلكتروني الذي حاول خلق قطيعة بين الشعوب العربية وشعبنا الفلسطيني فشلت فشلاً ذريعاً، وأن أي محاولة لتمرير التطبيع ستفشل وإن نجحت ستبقى رهينة بقاء بعض الأنظمة لا أكثر".

نتنياهو.. اختبار الملاعب

منذ اليوم الأول في المونديال، بدأ الصحفيون والمراسلون الإسرائيليون يتلقون الصفعة تلو الأخرى، ليكتشفوا أن ما خلقوه من واقع ليس هو الواقع، وأن القضية الفلسطينية لا زالت حية في قلوب الجماهير العربية التي رفضت التعاطي مع الصحافة الإسرائيلية والإسرائيليين، وكان العلم الفلسطيني حاضرا بقوة في المدرجات والملاعب والشوارع، فمن يجرؤ هناك على رفع علم "إسرائيل"؟

وتناقلت وسائل الإعلام الإسرائيلية عشرات مقاطع الفيديو التي يظهر فيها مشجعون من كل الدول العربية، حتى تلك التي تربطها علاقات رسمية مع "إسرائيل"، يرفضون الحديث مع الصحافة الإسرائيلية، بل إن مشجعين من دول غير عربية ولا إسلامية، هتفوا لفلسطين، ورفضوا التعاطي بأي شكل من الأشكال مع المراسلين الإسرائيليين، الذين شعروا بالدونية والاحتقار وفق تعبير عدد منهم.

وما جرى في قطر مع الصحافة الإسرائيلية ليس حالات فردية، بل ظاهرة دفعت بوزارة الخارجية الإسرائيلية إلى إرسال رسالة احتجاج إلى السلطات القطرية ورئاسة الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)، ضد ما سمّته التعرض لطواقم الصحافة والمشجعين الإسرائيليين خلال حضورهم فعاليات كأس العالم قطر 2022، من قِبل مشجعي الفرق العربية، وفق ما كشفت القناة 13 العربية، الأحد 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2022.

أما الخارجية الإسرائيلية فطالبت من خلال وفدها الدبلوماسي المقيم بشكل مؤقت في الدوحة، بضرورة "السماح بحرية الصحافة كاملة، والسماح للإسرائيليين بالتنقل بأمان"، وحمّلت كلاً من قطر والفيفا المسؤولية عن سلامة الإسرائيليين. وقد ترافق ذلك مع تسريبات بأن مجلس الأمن القومي الإسرائيلي سيعقد مشاورات للخروج بتوصيات خاصة بالسفر إلى القطر. وبالفعل صدرت توصيات عن هيئة "مكافحة الإرهاب" الإسرائيلية للإسرائيليين بعدم السفر إلى قطر لحضور مباريات المونديال هناك بسبب ما وصفته "الخطر الموجود في البلاد".

وتمت الإشارة في التوصيات إلى أن "هيئة مكافحة الإرهاب" أجرت في الأيام الأخيرة "تقييمات يومية للأوضاع، في ضوء شهادات الإسرائيليين حول العداء والمضايقات التي يتعرضون لها من السكان المحليين والعديد من السياح من الدول العربية والشرق الأوسط الذين حضروا كأس العالم"، في حين "وصل التحذير من السفر عند المستوى 3، وهو مستوى واحد أقل من البلدان المعادية مثل لبنان وإيران وسوريا واليمن والعراق"، بحسب التقرير. وأوصت الهيئة الإسرائيليين المتواجدين في قطر لمشاهدة المباريات، بضرورة "إخفاء هويتهم، وعدم التحدث باللغة العبرية في الشوارع من أجل تجنب الاحتكاك".

وتكشف التوصيات الإسرائيلية وما تلاها من تقارير، إمعان "إسرائيل" في خداع الإسرائيليين، فقد صدرت التوصيات من جهة تعنى بالتهديدات الأمنية، وكانت هناك تلميحات إلى أن ذلك مرتبط بمخاوف من هجمات إيرانية، كل ذلك من أجل استبعاد فرضية أن هذا مرتبط بالقضية الفلسطينية، ولعلّ السبب هو محاولة "إسرائيل" منع انكشاف الإسرائيليين على محيطهم المعادي. وإن كان ما جرى صفعة لاستراتيجية نتنياهو على وجه التحديد، إلا أن الصورة الأوسع تؤكد أن هذه صفعة لكل الوعي الجمعي الإسرائيلي، الذي أصبح يهتم بماركات الملابس أكثر من صراعه مع الفلسطينيين تحت تأثير الخداع الذاتي.