الإثنين  03 تشرين الثاني 2025
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

عيون غزة | بقلم: أيمن يوسف

2025-11-03 08:12:02 AM
عيون غزة |  بقلم: أيمن يوسف

إتفاق لوقف إطلاق النار.. وما يفوق مئتين وخمسين شهيداً في زمن "السلم".. إتفاق لوقف إطلاق النار وضمانات من أكبر قوة في العالم تدعي الحياد، وقوى عالمية وإقليمية تمرغ أنفها في رمال غزة وتداري النظر في أعين أطفالها، خجلاً، وخذلاناً وتنازلاً عن أدنى اعتبارات لعزة مفقودة تهديها بمحض إرادتها لغاصب يذكرها صبح مساء بأن مشيئته تعلو فوق إرادتهم، إن وجدت أصلاً.. فأين المفر من عيون غزة..

عيون غزة.. عيون أطفالها، وأمهاتها.. وآبائها.. شبابها وصباياها الحالمة.. يغلبها التعب.. يطل منها الوجع.. ينهش ألقها الجوع.. ويحرق العطش الدمع في مُقلِها.. عيون غزة التي اعتادت الموت.. والفقد.. تحدق في الفراغ وتضيع خلف غبار قصف يدعي الغاصب بأنه مركز ومحدود وموجه.. نسيت عيون غزة كيف ترف له وكيف تلتفت إلى مصدره.. لا يشد انتباهها ولا يقض مضجعها في حضن احتقار وازدراء لكل جبروته قررت الإقامة فيه واحتضانه.. عيون شاخصة لا تُكسر ولا تنكسر..

إتفاق لوقف إطلاق النار.. ومزيد من الإبادة والتدمير بحجة بناء "السلم".. وبرامج.. وترتيبات.. وخطط.. وتوافقات.. ووعود.. والعالم يغرق في بحر غزة المخضب.. لا يقوى على إدخال القوت ولا الدواء.. يتخبط في تخاذله وتواطؤه.. لا يقوى ولا يجرؤ، إن كان يرغب أصلاً، على سد ثغرة في خيمة ممزقة يتدثرها أطفال غزة.. تعبت من الرحيل والترحيل.. ومن شد واقتلاع ومسامير حفرت في شوادرها المكوية بشمس العراء أخاديد من ألم لا ينتهي.. تتعلق بخيوطه عيون غزة المخذولة التي تنضح عتباً.. فأين المفر من عيون غزة.. 

عيون غزة.. أقمار تجعد وجهها.. تأجّل توقدها ووهجها.. بح صوتها لكنها لم تفقد القدرة على الصراخ في وجوهنا.. وعلى لعنة صمتنا.. كأنها تعيد صدى صرخة لأب فقد ابنه الذي أصر على نقل الحقيقة، فحاول الغاصب تكميم صوته، فكان كل ما قاله بينما خر راكعاً أمام جلال عطائه "معليش..."، فاستيقضت مئات الحناجر العيون ترصد الحقيقة وتنقلها لعالم قرر أن يبقى أصماً وأعمى.. عيون تنطق بحقيقتنا.. يكسر حدة صراخها زجاج مرآتنا الصباحية التي أصبحنا نخجل النظر إليها.. ما أن تلتفت إلى كاميرا اختلست طريقها إلى ساحة الوجع العميق حتى يشع بريقها.. تقول إني هنا باقية.. إني هنا غالبة.. إني هنا لأبقى..

وقف لإطلاق النار يهزأ منا جميعاً.. وتهزأ منه عيون غزة..

عيون غزة.. أين المفر من عيون غزة..

 

* أيمن يوسف: كاتب من سوريا