الخميس  18 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

الخطاط حسن عطية: الخط العربي يحفظ التراث وهو مدرسة في الانضباط

2023-04-19 06:30:08 PM
الخطاط حسن عطية: الخط العربي يحفظ التراث وهو مدرسة في الانضباط
حسن عطية

تدوين- سوار عبد ربه

في كانون الأول من العام 2021، أدرجت اليونسكو الخط العربي في تراثها غير المادي، وهو قانون يسمح بالحفاظ على هذه الممارسة الفنية القديمة على نطاق واسع. ويشير الخط العربي إلى الممارسة الفنية لكتابة اللغة العربية بخط اليد للتعبير عن الانسجام والجمال، وقد تم تصميمه في الأساس لجعل الكتابة واضحة وسهلة القراءة، ثم تطور إلى فن عربي إسلامي يستخدم في الأعمال التقليدية والحديثة. ويوفر هذا الإبداع الفني مساحة واسعة وإمكانات لا حصر لها للكلمة الواحدة، إذ يمكن إطالة الأحرف وتحويلها إلى أنماط مختلفة.

ويعد الخط العربي رمزا للهوية العربية، وقد أسهم في نقل الثقافة والنصوص الدينية على مر التاريخ، لكن كيف نشأ الخط العربي؟، وما هي أنواعه وخصائصه؟.

للوقوف عند هذه الإجابات وغيرها التقت تدوين، الخطاط الشاب حسن عطية، وأجربت معه الحوار التالي:

تدوين: ما هي وظيفة الخط العربي؟

عطية: نشأة الخط العربي بدأت مع بدايات الحضارة العربية والحاجة إلى التوثيق والكتابة كانت من الاف السنوات قبل الورق، حيث يُعتقد أن العرب قديماً كانوا يخططون على جلود الحيوانات من ثم على ورق البردى قبل تعلمهم حرفة صناعة الورق من الصين.

كانت وظيفة الخط العربي كما وظيفة أي كتابة في أي لغة لتوثيق تاريخ حضارة عظيمة وأشعارها، هذا طبعًا كان الحال في زمن الجاهلية أما عند بزوغ الحضارة الإسلامية أخذ الخط العربي منحى آخر وكان من نتاجه مهنة الكتّاب،  فصارت وظيفة الخط العربي حينها إيصال صوت الرعية إلى الحاكم عبر كتّاب متخصصين.

لم ننته هنا، فالخط والكتابة باللغة العربية كوّنا أسس انطلاق الحضارة الإسلامية وتقويتها، فصارت الكتب تترجم ويكتبها خطاطون عرب بخط اليد قبل اختراع الطباعة، مما ساهم في تطوير الخط وتفرّعه لأنواع خطوط متنوعة وصار لبعض الخطوط تفرعات خاصة، ومن أشهر الخطوط التقليدية: الكوفي، الثلث، النسخ، الفارسي، الرقعة والديواني.

تدوين: متى بدأ الخط العربي كفنّ؟

عطية: مع توسع الدولة الاسلامية وبدء فن العمارة الاسلامية بالتطور كانت الحاجة لتزيين القصور والمساجد خصوصًا، ولكن كما يعرف أن معظم أنواع الفنون المعمارية في حينها كانت فنون وثنية مما يتنافى مع التعاليم الإسلامية فلجأ المصممون العرب لاستحداث نوع من الفن الإسلامي ليسدوا فيه هذه الثغرة، فكان الخط العربي في العمارة. كانت هذه نقطة فاصلة حيث انتقل الخط من مجرّد كلمة على ورقة إلى لوحات هندسية في قمة الدقة والجمال منقوشة في القبب والجدران.

تدوين: كيف نشأت الخطوط وكيف تطوّرت؟

عطية: في تلك الحقبة وتحديدًا في العصر الأموي أصبح للخطاط مكانة خاصة في قصور الحكّام، أما في العصر العباسي فيذكر أن عدد الخطوط وصل آنذاك لأكثر من ثمانين خطاً وهذا يدل على كثرة الإقبال على الخط وتعلمه وتطويره. كما كل المدارس الفنية فإن توافد الناس على الفن يوسع آفاق تطور هذا الفن، فصار المختصون يجتهدون في الخطوط حتى توصلوا إلى مختلف أنواع الخطوط الموجود معظمها حتى وقتنا هذا. وجود المنافسة بين الخطاطين وقتها كانت تشبه المنافسة بين الشعراء فمن كان فنه أفضل نال القربة من الحاكم فكانت هذه المنافسة صاحبة فضل في تطوير الخط وتحسينه ليصل إلينا بصورته البهية التي هو عليها الآن.

تدوين: لماذا يوجد خطوط تقبل الحركات وأخرى لا تقبل الحركات؟

عطية: سنعود في هذا السؤال إلى الخط العربي ما قبل القرآن، حيث كانت الكتابة باللغة العربية مختلفة عما نعهده الآن، فكانت الكتابة بلا نقط أو حركات التشكيل حتى أن الخط بقي خاليا منها لسنوات بعد نزول القرآن إلى أن صارت الحاجة لفهم القرآن وتفادياً لتحريفه تستدعي أن يكتب بطريقة تسهل على عامة الناس فهمه أو على الأقل فهم بعضه.

لذا فإن الخطوط التي كانت قد نشأت قبل هذه المرحلة مثل الخط الكوفي كانت بلا نقاط وتحريك أما معظم الخطوط اللاحقة فهي تقبل النقاط والحركات.

تدوين: ابن حيان يقول "إن الخط هو هندسة روحية ظهرت بآلة جسدية"، كيف تفسر هذا القول؟

عطية: إني أرى هذا القول كما قد كنت عايشته مسبقًا، فالفنان هو كتلة من أفكار ومشاعر تتشكّل منها روحه، تتهيّج داخله هذه الأفكار حتى تخرج من روحه إلى يده لتستقر على ورقة أو لوحة فنية تحمل في كينونتها خلاصة أو عصارة روح الخطّاط.

الخط وإن كان لا يخلو من الجمود والقواعد الهندسية إلا أنه يتميّز بانسيابية خاصة، فترى الحروف كأنها تتراقص على الورقة وتتناغم ببديع خطوطها واتصالها المباشر مع روح الفنان فيثريها ويزيدها جمالاً وخصوصية.

بمعنى مبسّط، الخط هو ترجمة لروح ومشاعر الخطّاط وكما أقول لبعض أصدقائي أن الفن والخط هما مشكاة الروح، إن غبت عنهما شعرت بالاضطراب.

الفنان هو كتلة من أفكار ومشاعر تتشكّل منها روحه، تتهيّج داخله هذه الأفكار حتى تخرج من روحه إلى يده لتستقر على ورقة أو لوحة فنية

تدوين: كيف نتعلّم الخط العربي؟

عطية: سابقاً كان تعلّم الخط العربي يتم في تجمعات في المساجد ويكون "الشيخ" يرأس جلسة التدريس وعلى ما اعتقد كانت هذه الجلسات تقام كل يوم جمعة بعد صلاة الجمعة، وهذا تقليد مستمر في بعض الدول الإسلامية إلى وقتنا هذا.

أما الطريقة الشائعة الآن هي الاستحصال على كرّاسات خاصة بكل خط والتدرب عليها عبر نسخها او تقليدها الى ان تتمرس يد المتعلّم على حركة اليد مع القصبة، او يمكن التسجيل بدورات خاصة تساعد في البدء بتعلم فن الخط العربي.

تدوين: حدّثنا عن تجربتك مع هذا الفن، متى بدأت وما هي الخطوط التي تفضلها؟

عطية: تجربتي مع الخط كانت وليدة صدفة، كنت طالب تصميم غرافيكي عادي يسعى لتطوير مهاراته مثل اي طالب جامعي، الى ان كنت احضر مادة عن خطوط الطباعة العربي او كما تعرف بالتايبوغرافي، فاقترحت على اصدقائي ان نحضر ورشة تدريبية تحت عنوان "توظيف الخط العربي بالتصميم الغرافيكي" وكان صديقي الخطاط قد وافق على تنظيم هذه الورشة معنا.

كانت هذه انطلاقتي في الخط اوائل عام 2018، انقطعت عن الممارسة حوالي سنتين الى ان حلّت جائحة كورونا والزمتنا بيوتنا مما اتاح لي فرصة التدرّب على الخط مجدداً وبفضل الله استمر لنا الحال الى اليوم حتى صرت احول هذه المخطوطات إلى لوحات خشبية.

من الخطوط التي أفضلها خط الثلث وخط الوسام لجمالية التشكيل فيها حيث انها قابلة للقولبة بشكل مرن وانسيابي سلس. خط الوسام هو خط مستحدث وهو من تطوير الخطاط الاستاذ وسام شوكت.

تدوين: ما هي أهم صفة يجب ان يتمتّع بها الخطاط من وجهة نظرك؟

عطية: يجب أن يكون الخطاط صبورا، فالصبر هو مفتاح كل مخطوطة ناجحة فقد يجلس الخطاط بالساعات أو ربما بالأيام ليخط لوحة واحدة فقط، فإن افتقد الخطاط للصبر فهو حتما سيفشل. كما يجب ان يكون منضبطًا ذو صدر رحب.

تدوين: في عصر التكنولوجيا هل تعتقد أن الخط العربي اندثر؟

عطية: على العكس تمام فإن التطوّر السريع الذي شهده العالم في الآونة الاخيرة ساهم بشكل كبير بإيصال الخط العربي الى دول العالم اجمع، حتى ان شركات الموضة العملاقة صارت تتعاقد مع خطاطين ليضيفوا لمسة عربية الى بعض منتجاتهم. كما ان ادوات الخط تطورت لتصبح متاحة للجميع عبر اللوحات الرقمية والقلم الخاص باللوحة مما اتاح للكثير من الناس بتجربة الخط ولو مرة على الأقل.

الفن الرقمي ساعد بإنجاز لوحات باستخدام الخط العربي من الصعب تحصيلها باستخدام الأدوات التقليدية للخط.

لذا فان عصر التكنولوجيا ساهم بشكل كبير بإيصال الخط العربي الى مرحلة جديدة ما زالت قيد التطوير والتجارب، على الصعيد الشخصي فإني أقوم بتجارب رقمية بالخط العربي في معظم أوقاتي مما يتيح لي فرصة أجمل بإستيعاب الخط أكثر فأكثر.

تدوين: بعيداً عن كون الخط العربي جزءًا من هويتنا وثقافتنا، هل له أهمية في وقتنا الحالي؟

الخط العربي بحد ذاته هو مدرسة بالانضباط والصبر وتهذيب النفس وتسويتها، فترى الخطاط رصين العقل والممشى

عطية: إن الاستمرار بتطوير وتبني الخط العربي في وقتنا الحالي يساعد بالحفاظ على تراثنا. وبما أن العالم صار يتبنى كل ما هو غربي في هذا الزمن الصعب من المهم أن نحارب لأجل استخدام الخط العربي في كل أمور حياتنا، وحتى يجب تعليمه أكثر لأبنائنا، فإن الخط العربي بحد ذاته هو مدرسة بالانضباط والصبر وتهذيب النفس وتسويتها، فترى الخطاط رصين العقل والممشى بعيداً عن ما شاع مؤخراً من انحلال فكري واخلاقي.