الحدث- الاناضول
يعيش نحو 40 ألف موظف تابعون لحكومة حماس السابقة في قطاع غزة ظروفا معيشية غاية في القسوة، لعدم تلقيهم رواتبهم بشكل كامل ومنتظم، منذ أكثر من عامين.
ويبدو أن هؤلاء الموظفين الذين عينتهم حركة حماس بعد الانقسام الفلسطيني الذي حصل عام 2007، راحوا ضحية الانقسام السياسي بين حركتي فتح وحماس، حيث كان من المفترض أن يتم دمجهم ضمن الجهاز الإداري في السلطة الفلسطينية عقب تشكيل حكومة التوافق الفلسطينية قبل عام، لكن الخلافات بين الحركتين تعرقل إتمام الأمر.
ولم يتلق الموظفون، من حكومة الوفاق الفلسطينية التي تشكلت في يونيو/حزيران 2014، سوى دفعة مالية واحدة بلغت قيمتها 1200 دولار أمريكي حصل عليها (الموظفون المدنيون فقط) في أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي.
وتنقسم أعداد الموظفين التابعين لحكومة غزة السابقة وفق بيانات رسمية لحكومة الوفاق إلى 23 ألف موظف مدني، و17ألف عسكري.
ولإظهار معاناتهم ينفذ الموظفون على فترات متباعدة إضرابات جزئية وكلية عن العمل؛ في محاولة لإجبار حكومة الوفاق على دمجهم بشكل رسمي ضمن قطاع الموظفين، ودفع رواتبهم.
وشكلت حكومة الوفاق، العديد من اللجان القانونية والإدارية لدراسة أوضاع الموظفين المهنية، للتوصل إلى مدى احتياج الحكومة لهم، غير أن أيا من تلك اللجان لم يسفر عن أي نتائج.
وطرحت سويسرا في أكتوبر/ تشرين أول 2014 خطة كاملة لمعالجة أزمة رواتب موظفي الحكومة السابقة في قطاع غزة بإشراف أممي وموافقة السلطة الفلسطينية، وهو ما عرف آنذاك بالورقة السويسرية.
وفي 23 مارس/ آذار الماضي وصل وفد سويسري إلى قطاع غزة، لبحث "الورقة السويسرية" المقترحة لحل أزمة موظفي حكومة "حماس" السابقة، واجتمع مع حركة "حماس" التي طرحت تعديلات وملاحظات على الورقة.
وقالت "حماس" في تصريح صحفي أصدرته عقب مغادرة الوفد السويسري للقطاع في 25 مارس/ آذار الماضي إنها اتفقت معه على مواصلة المباحثات بشأن أزمة الموظفين، إلى حين التوصل لاتفاق ينهي الأزمة بشكل عادل ومنصف.
وكان السفير الفلسطيني لدى سويسرا، إبراهيم خريشة، قال في تصريحات صحفية له، في 11 مارس/ آذار الماضي، إن الرئيس الفلسطيني محمود عباس أبلغ سويسرا موافقته على مبادرتها بشأن حل أزمة موظفي حكومة غزة السابقة.
ويتمثل العنوان الرئيس للخطة السويسرية بضرورة استلام كل موظف مدني في الحكومة السابقة في غزة الراتب الشهري له أسوة بباقي موظفي السلطة الفلسطينية، من خلال آليات محددة لدمج هؤلاء الموظفين في مؤسسات السلطة الفلسطينية.
كما تتضمن الخطة إحالة بعض الموظفين المدنيين للتقاعد واستيعاب جزء آخر منهم في مشاريع، على أن يكون ذلك موضع بحث من قبل لجان مختصة تشكلها سويسرا.
ولا تزال السلطة الفلسطينية تدفع مرتبات موظفين آخرين في قطاع غزة، وهم الموظفون الذين كانوا يعملون قبل سيطرة حركة حماس على قطاع غزة، عام 2007، ويبلغ عددهم نحو 55 ألف موظف، يمتنع أكثرهم عن الذهاب لأماكن عملهم بأوامر من السلطة .
وفي 23 أبريل/نيسان 2014، وقعت حركتا فتح وحماس، عقب قرابة 7 سنوات من الانقسام (2007-2014) على اتفاق للمصالحة، نص على تشكيل حكومة توافق لمدة 6 شهور، ومن ثم إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية ومجلس وطني بشكل متزامن.
ولم تتسلم حكومة الوفاق الفلسطينية أيا من مهامها في غزة، بسبب الخلافات السياسية بين حركتي "فتح" و"حماس".
وتقول حكومة الوفاق إنها لم تستلم مهامها في غزة بسب تشكيل حركة "حماس"، لـ"حكومة ظل"، في القطاع، وهو ما تنفيه الحركة.
وتصرف وزارة المالية في غزة، التي لا تزال تشرف عليها حركة حماس، على فترات زمنية تمتد لشهر أو شهرين دفعات مالية لموظفي حكومة غزة السابقة، دون أن تفصح عن مصادر التمويل.
ويتقاضى الموظفون المدنيون والعسكريون دفعة مالية بحد أدنى 1000 شيقل إسرائيلي (260 دولارا أمريكيا)، أما الحد الأعلى فبلغ 3000 شيقل (نحو 780 دولارا أمريكيا).
ومع كل حديث يجري عن تسوية الخلافات بين حركتي فتح وحماس، يبرز ملف الموظفين الذين عينتهم حماس، ويشكل عائقاً في طريق هذه التسوية.
وقبل الإعلان عن حكومة الوفاق الفلسطينية، لم يتلق الموظفون رواتب كاملة ومنتظمة منذ شهر تموز/يوليو 2013 ، وعقب الأزمة المالية الخانقة، التي مرت بها حركة حماس، إذ لم تتمكن الحركة من صرف رواتب موظفيها والبالغ عددهم نحو 40 ألف موظف، بفاتورة شهرية تبلغ حوالي 37 مليون دولار شهريا، وفق بيانات لوزارة المالية في غزة.
ولا تكشف حركة حماس عن مصادر تمويلها، غير أن مصادر مطلّعة في الحركة تؤكد أنه يأتي أولا من المصاريف الثابتة التي يدفعها عناصرها، بالإضافة إلى ما يتم جمعه كتبرعات من أنصارها في مختلف أنحاء العالم.
وتتحدث بعض المصادر عن تقديم بعض الدول، دعما ماليا للحركة، وهو ما دأبت حماس على نفيه.
وفقدت حركة حماس موردا ماليا مهما عقب إغلاق وهدم السلطات المصرية، الأنفاق المنتشرة على طول الحدود الفلسطينية المصرية، إذ كانت تقوم بفرض وتحصيل الضرائب على الوقود ومواد البناء، ومستلزمات أخرى، كان يتم تهريبها عبر هذه الأنفاق إلى القطاع المحاصر منذ سنوات.
وتغلق السلطات المصرية، معبر رفح، الواصل بين قطاع غزة ومصر، بشكل شبه كامل، وتفتحه فقط لسفر الحالات الإنسانية، وذلك منذ الإطاحة بالرئيس المصري محمد مرسي، في يوليو/تموز 2013 .
وتنوي حماس، من خلال المجلس التشريعي الذي تسيطر عليه، فرض ضريبة على البضائع غير الأساسية، أطلقت عليها اسم "ضريبة التكافل"، وهو ما أثار انتقاد الفصائل الأخرى، وبعض المؤسسات الحقوقية.
وتقول حركة حماس إن فرض الضرائب لن يؤثر على الأوضاع المعيشية في قطاع غزة، وسيتم فرضها على كبار التجار، من أجل توفير دفعات مالية للموظفين.
ويقول موظفون تابعون لحكومة غزة السابقة، إن الديون تراكمت عليهم، وأن ما يتلقونه من دفعة مالية لا تكفي لتأمين متطلباتهم واحتياجاتهم اليومية.
واضطر كثيرون إلى بيع أثاث بيته، أو البحث عن عمل إضافي يحاولون من خلاله توفير لقمة العيش لهم ولأبنائهم.
وتتزامن أزمة موظفي غزة السابقة، مع الأرقام الصادمة التي تصدرها مؤسسات دولية وأممية حول الوضع الإنساني في قطاع غزة، واستمرار الحصار الإسرائيلي منذ عام 2007.
وفي 22 مايو/أيار الماضي، أصدر البنك الدولي، بيانا قال فيه إنّ "نسبة البطالة في قطاع غزة وصلت إلى 43 %، وهي الأعلى في العالم، في حين ارتفعت البطالة في صفوف الشباب إلى ما يزيد عن 60% بحلول نهاية عام 2014، وهو أمر يدعو للقلق".
ومنذ أن فازت حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، بالانتخابات التشريعية الفلسطينية في يناير/ كانون الثاني 2006، تفرض إسرائيل حصارًا بريا وبحريا على غزة، شددته إثر سيطرة الحركة على القطاع في يونيو/ حزيران من العام التالي.
واستمرت إسرائيل في هذا الحصار رغم تخلي "حماس" عن حكم غزة، وتشكيل حكومة توافق وطني فلسطينية أدت اليمين الدستورية في الثاني من يونيو/ حزيران 2014.
وقد أدت الحرب الإسرائيلية على غزة صيف عام 2014 إلى انخفاض ناتج النمو المحلي الإجمالي لقطاع غزة بنحو 460 مليون دولار، وكانت قطاعات الإنشاءات والزراعة والصناعة والكهرباء الأكثر تأثراً، مع انخفاض الناتج بنسبة 83 % في قطاع الإنشاءات في النصف الثاني من عام 2014، وبنسبة 50 % تقريباً في بقية القطاعات، وفق إحصائيات للبنك الدولي.
وترصد بيانات البنك الدولي أن "سكان غزة يعانون من سوء الخدمات العامة الأساسية وتدني جودتها، مثل الكهرباء والماء والصرف الصحي، ويحصل نحو 80 % من سكان القطاع على شكل من أشكال الإعانة الاجتماعية، ولا يزال 40 % منهم يقبعون تحت خط الفقر".