الثلاثاء  03 حزيران 2025
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

بعد 600 يوم على بدء الحرب.. صحيفة عبرية تقيّم الأوضاع على كل الجبهات

2025-05-28 01:47:01 PM
بعد 600 يوم على بدء الحرب.. صحيفة عبرية تقيّم الأوضاع على كل الجبهات
كاريكاتير "يديعوت أحرونوت" في اليوم الـ 600 للحرب يسخر من جملة نتنياهو المكررة: "على بعد خطوة من الانتصار"

الحدث الإسرائيلي

في ظل استمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة منذ 600 يوم تقريبا، وانزلاق المشهد الإقليمي إلى مزيد من التعقيد، تكشف صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية في تقرير موسّع عن التحولات الجوهرية في تكتيكات جيش الاحتلال، وفقدان ما تبقى من شرعيته الدولية، في مقابل عجز سياسي داخلي عن صياغة استراتيجية خروج أو بديل لحكم "حماس" في القطاع.

التقرير لا يقتصر على جبهة غزة، بل يمتد ليغطي التطورات في لبنان وسوريا واليمن، وصولاً إلى الضفة الغربية، حيث تتبع "إسرائيل" نهجًا يعتمد على إعادة التمركز الطويل وتثبيت السيطرة عبر مواقع عسكرية دائمة. قراءة معمقة في ميدان متفجر، تسلط الضوء على تآكل الإجماع الداخلي في "إسرائيل"، وانكشافها المتزايد أمام الرأي العام العالمي.

غزة: فقدان الشرعية

بحسب ما أوردته صحيفة "يديعوت أحرونوت"، فإن الأسبوعين الأولين من عملية "عربات جدعون" يرسمان الفارق الأبرز بينها وبين الهجوم البري الواسع الذي نفذه جيش الاحتلال في قطاع غزة وانتهى في أغسطس من العام الماضي. فخلافًا للعمليات السابقة، يقوم جيش الاحتلال هذه المرة بتقطيع أوصال القطاع من خلال تمركز قواته في المحاور التي تفصل المدن الفلسطينية، بينما يتم التقدم نحو معاقل المقاومة ببطء وحذر أكبر، حتى وإن استغرق ذلك أشهرًا من العمليات الهجومية البرية.

ووفقًا لما نقلته "يديعوت أحرونوت"، فإن هذا النهج ينبع من ثلاثة عوامل رئيسية: أولهما أن المستوى السياسي أوعز للجيش بالتحرك ببطء لإفساح المجال أمام فرص تفاوض مع حركة "حماس" بشأن صفقة تبادل أسرى أو على الأقل ترتيبات جزئية؛ وثانيًا، يتبع الجيش سياسة مقصودة لتقليل الخسائر البشرية في صفوفه، خاصة مع النقص في القوى القتالية نتيجة 20 شهرًا من القتال متعدد الجبهات؛ وثالثًا، رغم تصريحات الجيش بأن "خمس فرق عسكرية تناور في غزة"، إلا أن الواقع يشير إلى أن هذه مجرد قيادات فرق مسؤولة عن عدد محدود من الألوية، وليس عن قوات بعشرات آلاف الجنود.

كما أوضحت "يديعوت أحرونوت" أن الانتشار الحالي لا يشمل غالبية مناطق القطاع، إذ إن القوات التابعة للفرقتين 98 و162 لا تزال تنتشر ببطء في أطراف البلدات القريبة من الحدود، شمال القطاع ووسطه، في وقت لا يزال فيه الوجود العسكري الإسرائيلي غائبًا عن مناطق واسعة.

وفي السياق ذاته، نقلت "يديعوت أحرونوت" أن هدف الجيش يتمثل في الوصول إلى مخازن الأسلحة المتبقية لدى "حماس"، والتي تشمل الصواريخ، إذ أن بعضها قادر على الوصول إلى تل أبيب، بالإضافة إلى اغتيال القادة البارزين المتبقين، وعلى رأسهم قائد المنطقة الشمالية في كتائب القسام عز الدين حداد. ورغم مرور أكثر من سبعة أشهر على بداية الحرب، لم تُطرح أي خطة سياسية إسرائيلية بديلة لتغيير واقع الحكم في القطاع، حيث لا تزال غزة تحت إدارة "حماس" أمام مليوني فلسطيني لا يملكون خيارًا آخر.

وتنقل "يديعوت أحرونوت" عن ضابط رفيع في جيش الاحتلال تقديره بأن العملية الحالية ستنتهي خلال شهرين، رغم أن تقديرات مشابهة قُدمت في بدايات الحرب بشأن انتهاء العمليات خلال أسابيع، ليتبين لاحقًا أنها استمرت لأشهر. في غضون ذلك، كثّف الجيش من غاراته الجوية، وسط توثيقات دامغة لسقوط ضحايا مدنيين، بينهم أطفال، ما وضع "إسرائيل" في موقف محرج أمام الرأي العام الدولي، وأفقدها تقريبًا كامل شرعيتها التي تمتعت بها مع بداية الحرب في أوروبا والولايات المتحدة.

وتتابع "يديعوت أحرونوت" أن التوافق الداخلي الإسرائيلي تراجع أيضًا منذ 7 أكتوبر، وساهم في ذلك قرار الجيش والمستوى السياسي فرض رقابة شبه تامة على التغطية الإعلامية للمعارك من قبل الصحفيين الإسرائيليين. كما يزداد الضغط الإنساني مع مضاعفة عدد الشاحنات المحملة بالغذاء والغاز والدواء الداخلة إلى غزة، حيث ارتفعت من نحو 100 إلى قرابة 200 شاحنة يوميًا، نصفها يتجه إلى مراكز التوزيع الأمريكية الخاصة التي بدأت العمل أمس بصعوبة، والنصف الآخر لمخازن الغذاء في القطاع، خاصة شماله، كما كان الحال سابقًا.

وفي هذا الصدد، أضافت "يديعوت أحرونوت" أن داخل الجيش هناك من لم يُفاجأ بمحاولة خصخصة المهام الأمنية من جديد عبر متعهدين أجانب، في إشارة إلى تجربة فاشلة سابقة في نقاط التفتيش على محور "نتساريم". ورغم الشكوك، يعتبر البعض أن من الضروري إعطاء التجربة فرصة، مع التأكيد على أن الخطأ ليس في الشركة الأمريكية، بل في الجهة التي تحدد مهمتها وتُبرم العقود معها. وتبقى الغاية، وفق تصريحات علنية لمسؤولين مثل وزير المالية في حكومة الاحتلال بتسلئيل سموتريتش، هي إعادة احتلال قطاع غزة بعد عشرين عامًا من الانسحاب الإسرائيلي منه.

لبنان: صمت ناري

وبحسب "يديعوت أحرونوت"، فإن الوضع في لبنان يشهد ما يشبه وقف إطلاق النار من طرف واحد، حيث يواصل جيش الاحتلال تنفيذ ضربات شبه يومية ضد أهداف تابعة لـ"حزب الله"، دون أن يرد الحزب أو يبادر بهجمات. وتشير التقديرات إلى أن أي رد متوقع سيستهدف أحد المواقع الخمسة التي أقامها الجيش الإسرائيلي داخل الأراضي اللبنانية، ضمن ما يُعرف بـ"الشريط الأمني المصغّر".

وتضيف "يديعوت أحرونوت" أن "حزب الله"، كحال "حماس"، يسعى لاستعادة توازنه عسكريًا ومعنويًا من خلال تهريب الأموال وتعيين قادة جدد بدلًا من أولئك الذين تمت تصفيتهم، في ظل محاولات جزئية من جيش الاحتلال الإسرائيلي لإحباط هذه الأنشطة. في الوقت ذاته، عاد الهدوء إلى الجليل المحتل مع تدفق الزوار، رغم أن آلاف المستوطنين الذين أُجلوا منذ أكتوبر 2023 لم يعودوا بعد إلى منازلهم.

وترى "يديعوت أحرونوت" أن أكثر ما يعزز تفاؤل جيش الاحتلال الإسرائيلي في الساحة اللبنانية هو الآلية الأميركية-اللبنانية المشتركة التي تتيح له إرسال إحداثيات لمخازن أسلحة أو بنى تحتية تابعة لـ"حزب الله"، ليقوم الجيش اللبناني، تحت رقابة أميركية، بتدميرها سريعًا. ومنذ وقف إطلاق النار، قتل جيش الاحتلال أكثر من 400 عنصر من "حزب الله"، بعضهم في الأيام الأخيرة، مستغلًا ضعف التنظيم حتى في الساحة السياسية اللبنانية الداخلية. ومع ذلك، يبقى "حزب الله" حاضرًا جنوب نهر الليطاني.

سوريا: هدوء خادع

وفيما يتعلق بالجبهة السورية، ذكرت "يديعوت أحرونوت" أن جنودًا إسرائيليين نشروا مؤخرًا صورًا على مواقع التواصل الاجتماعي وهم يسبحون في بركة مياه داخل الأراضي السورية، ما أثار حرجًا سياسيًا وأمنياً لدى الاحتلال، لكنه في الوقت نفسه كشف عن الهدوء النسبي الذي يسود المناطق الوسطى والشمالية من الجولان السوري، بعد انهيار حكم الأسد هناك قبل نحو ثمانية أشهر دون معركة.

وأضافت "يديعوت أحرونوت" أن جيش الاحتلال الإسرائيلي يُشغّل حاليًا تسعة مواقع عسكرية داخل سوريا، من قمة جبل الشيخ حتى المناطق الساخنة مثل وادي الرقاد وملتقى نهر اليرموك قرب حمة الجدار والمثلث الحدودي مع الأردن. ورغم السيطرة العسكرية، لا تزال بعض القرى المحسوبة على "داعش" تحوي مئات قطع السلاح، وقد تعرضت قوات جيش الاحتلال لإطلاق نار خلال عمليات جمع السلاح مؤخرًا، دون وقوع إصابات.

وتشير "يديعوت أحرونوت" إلى تصاعد التقارير عن محادثات مباشرة بين مسؤولين إسرائيليين وآخرين من "جبهة تحرير الشام" في إطار مساعٍ للتوصل إلى تهدئة طويلة الأمد في تلك الساحة، بل وربما انضمام "سوريا الجديدة" إلى اتفاقيات "أبراهام" التطبيعية كما صرّح الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب.

اليمن: طريق مسدود

أما على صعيد المواجهة مع الحوثيين، فقد بيّنت "يديعوت أحرونوت" أن "إسرائيل" تجد نفسها أمام طريق مسدود، إذ إن الجماعة اليمنية تطلق صواريخ باليستية وطائرات مسيّرة بشكل شبه منتظم منذ استئناف الحرب في غزة قبل نحو شهرين، بمعدل مرة كل يومين تقريبًا. ورغم أن معظم هذه الهجمات تُصد خارج الأراضي الفلسطينية المحتلة، فإن فشلًا واحدًا كافيًا لإصابة مطار بن غوريون قد يُحدث ضررًا اقتصاديًا واسعًا في أسعار السفر قبيل موسم العطل.

وتوضح "يديعوت أحرونوت" أن العملية الأميركية-البريطانية ضد الحوثيين انتهت بتصريح مفاجئ من ترامب حول التوصل لاتفاق يسمح بفتح خطوط الملاحة التجارية مع اليمن، ما اضطر "إسرائيل" لوقف ضرباتها هناك، قبل أن تُستأنف قبل ثلاثة أسابيع فقط بعد استهداف مطار بن غوريون. ومع ذلك، تبقى النتائج محدودة، إذ إن مطار صنعاء عاد للعمل مؤخرًا، واستمرت الهجمات التي تُبقي ملايين الإسرائيليين يقظين كل ليلة.

الضفة الغربية: سيطرة ثابتة

وختامًا، أفادت "يديعوت أحرونوت" أن حادثة إطلاق جنود الاحتلال النار قرب دبلوماسيين أجانب في مخيم جنين قبل أسبوع ونصف، تمثل مظهرًا من ملامح الاستراتيجية الجديدة-القديمة لجيش الاحتلال الإسرائيلي، والمتمثلة بالتمركز في الأراضي الفلسطينية من خلال مواقع ثابتة.

ويُسيطر الجيش منذ أكثر من أربعة أشهر على مخيمي جنين وطولكرم، بعد نزوح سكانهما إلى مناطق مجاورة، فيما تستمر عمليات التدمير والاعتقال.