الخميس  06 تشرين الثاني 2025
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

ذكرى اغتيال رابين ... الصهيونية تأكل أبناءها/بقلم: معتصم حمادة

2025-11-06 11:58:12 AM
ذكرى اغتيال رابين ... الصهيونية تأكل أبناءها/بقلم: معتصم حمادة
رابين

 

أحيت إسرائيل ذكرى اغتيال رئيس حكومتها الأسبق إسحق رابين (5/11/1995) على يد إيغال عمير، طالب في جامعة بار إيلان، واعتبر اغتياله آنذاك، عقاباً له على توقيعه اتفاق أوسلو، وخيانته لإسرائيل في تخليه عن الضفة الغربية للفلسطينيين.

بعض العرب والفلسطينيين بكوا رابين، ورأوا في غيابه ضياع فرصة تاريخية للوصول إلى سلام مع إسرائيل، من مدخل إنهاء الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، فقد نجح الإعلام، خاصة بعض العرب، وبعض الفلسطينيين، في رسم صورة لرابين، باعتباره الجنرال الذي خاض حروبه ضد العرب والفلسطينيين، بما في ذلك حربه ضد الإنتفاضة الأولى، حين لقب بـ«كاسر عظام الفلسطينيين»، يوم أصدر أوامره إلى جيشه بتحطيم أذرع الفلسطينيين عقاباً لهم على مشاركتهم بالإنتفاضة، ولمنعهم من رمي الحجارة، وأنه رجل الحرب الذي توصل إلى قناعة أن الحل الوحيد الممكن مع الفلسطينيين هو الحل السياسي، وأن لا إمكانية لإجهاض الإنتفاضة، التي كلما ودعت شهيداً زادت نيرانها اشتعالاً.

ولم يكن خافياً أن الإعلام الغربي، ومعه بعض العربي والفلسطيني، نجح في إقناع شرائح مهمة، بأن الحل السياسي بين إسرائيل والفلسطينيين قادم على يد رابين، وأنه المؤهل تاريخياً لمثل هذا الدور. ولعل مشاركته في جائزة نوبل للسلام، إلى جانب الشهيد عرفات، وشمعون بيريس (نائب رابين)، أسهمت في تلميع هذ الرجل، الذي خلع سترة الجندي وما عليها من رتب وأوسمة، وارتدى سترة السياسي وما في جيوبها من مشاريع وخطط، تقوم كلها على المناورة والخداع.

ويبدو أن رابين، الذي كان يؤمن أن الحرب خدعة، كان يؤمن في الوقت نفسه، مع شريكه بيريس، أن السياسة تقوم أيضاً على الخداع.

وقع في 13/9/1993 إتفاق أوسلو مع شريكه الفلسطيني، في الحديقة الخلفية للبيت الأبيض، بعد أن نال مقدماً وثيقة فلسطينية تعترف بـ«حق إسرائيل في الوجود»، جائزة كبرى، في بداية السباق، لم تكن إسرائيل تحلم يوماً أنها ستفوز بها. «حقها في الوجود» دولة صهيونية على أرض فلسطين، أي إعلاء السردية الصهيونية، والطعن في مصداقية السردية الفلسطينية.

الذين بكوا رابين، أغفلوا (متعمدين أم على جهل؟) الوقائع التالية:

• كان يفترض بعد 3 أشهر من توقيع اتفاق أوسلو، الشروع في مفاوضات إقامة السلطة الفلسطينية. رابين عطل الموعد، ورفع شعاره المعروف «المواعيد مع الفلسطينيين ليست بقرة مقدسة» وشعاره «كما أن نصوص اتفاق أوسلو ليست هي الأخرى بقرة مقدسة»، وأن التزام إسرائيل بأي نص أو اتفاق رهن بألا يلحق بها أي ضرر، ثم أضاف ما معناه: «إن إسرائيل حين تكتشف أن في بعض بنود اتفاق أوسلو ما يلحق بها الضرر، فإنها ستعمل على تعطيله، بحيث لا تضطر إلى عقدها حوار ومفاوضات لتعديله، إسرائيل سوف تعدل الاتفاق بالتطبيق العملي.

كان ذلك هو الاختبار الأول لمدى صدقية رابين، واحترامه لتوقيعه على اتفاق أوسلو، وبنظرة مدققة على تصريحه ومعناه، يمكن لنا أن نقول أن إسرائيل لن تلتزم إلا بما يخدم مصالحها، أي أن الاتفاق بات مجرد ورقة غير ملزمة لإسرائيل.

• الخطوة الثانية التي خطاها رابين، في السياق نفسه، كشف فيها حقيقة موقفه من الاتفاق، حين ألقى قبل أيام قليلة من اغتياله خطاباً «تاريخياً» في الكنيست، أكد فيه لنواب إسرائيل أن اتفاق أوسلو لا يتضمن إقامة دولة فلسطينية، وأن حكومته لن توافق على إقامة مثل هذه الدولة. هي رسالة إلى خصومه السياسيين ليؤكد لهم أنهم ليسوا أكثر حرصاً منه على بقاء الاحتلال في الضفة الغربية، في ردٍ على كل الذين اتهموه بالخيانة والتخلي عن «أرض إسرائيل ويهودا والسامرة».

وهكذا؛ وقبل قتله بأيام، كشف رابين أوراقه كاملة، ونزل إلى ساحة الملوك في تل أبيب، ليحتفل بالنصر، وليتوج ملكاً لإسرائيل، إلا أن رصاصات عمير وضعت حداً لهذا المسار الذي انتقل إلى نائبه بيريس، الذي خاض معركة ضارية في انتخابات العام 1996، خسر فيها الأغلبية لصالح الليكود بزعامة نتنياهو.

ما قام به نتيناهو، لم يغادر مسار رابين، رغم اختلاف الأساليب بين الرجلين.

نتنياهو أسقط علناً اتفاق أوسلو، ورفض، كما رفض رابين، قيام دولة فلسطينية، ودفع باتفاق أوسلو إلى مساره الصهيوني الأيديولوجي، ليحول الاستيطان إلى ضم للأراضي (ولماذا كل هذا الاستيطان؟!)، بل اتسعت شهوة نتنياهو لتطال قطاع غزة، محاولاً أن «يصحح» رؤية شارون للحل، حين أعاد انتشار قواته في خريف 2005، وأخلى مواقعه العسكرية ومستوطنات داخل القطاع.

 نقف الآن على أعتاب مرحلة فائقة الأهمية والحساسية والخطورة، لم يعد فيها لاتفاق أوسلو ذكر، إلا من خلال ما تسميه القيادة السياسية للسلطة الفلسطينية «التزامات دولية»، وهي تحاول تغليف الالتزامات نحو إسرائيل تحاول تغليفها بعبارات منمقة لتبرر دوام رهانها على أوسلو، أي دوام الإعتراف بحق دولة إسرائيل في الوجود، ودوام الإلتزام في الحفاظ على أمنها ضد كل أشكال المقاومة الوطنية الفلسطينية