الإثنين  04 آب 2025
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

خاص الحدث| دور شركات الاتصالات الإسرائيلية في حرب الإبادة

2025-08-04 08:21:09 AM
خاص الحدث| دور شركات الاتصالات الإسرائيلية في حرب الإبادة
أرشيفية

تقديم خطوط وحزم مجانية للجنود

⁠إطلاق حملات دعائية داعمة للجيش

دعم تقني ولوجستي في الميدان

⁠تبني لواء كامل في الاحتياط

خاص الحدث

يعتبر القطاع الخاص الإسرائيلي، لا سيما شركات الاتصالات الخلوية الكبرى، من أهم القطاعات التي وقفت إلى جانب جيش الاحتلال في حرب الإبادة على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر .2023 لعبت شركات الاتصالات الإسرائيلية دورًا حيويًا في الحرب، وساهمت فيها من خلال تقديم الاتصالات للجنود في غزة والترفيه عنهم خلال ارتكابهم أبشع المجازر، وقد ظهر جليًا كجزء من توسيع مسؤوليتها الاجتماعية.

خلال الأشهر التي تلت 7 أكتوبر، اتخذت شركات مثل "سيلكوم"، "بارتنر"، "بيليفون"، "هوت موبايل"، و"جولان تيليكوم" سلسلة من الخطوات الاستثنائية لدعم جنود جيش الاحتلال النظاميين والاحتياط، من بين المبادرات البارزة كان أهمها التبرع بمعدات تكنولوجية للجنود في الميدان، وتوجيه الموارد لمعالجة مشاكل الاتصال في مناطق القتال. إلى جانب إطلاق حملات إعلانية تحمل دلالات عسكرية. في هذه المقالة، ترصد صحيفة الحدث الفلسطيني مبادرات الدعم والمزايا التي قدمتها الشركات لجنود جيش الاحتلال، وتحلل الحملات الإعلانية التي أطلقتها في تلك الفترة.

سيلكوم: المزود الرئيسي لاتصالات الإبادة

تُعتبر "سيلكوم"، المزود الرئيسي لخدمات الاتصال في جيش الاحتلال منذ 2012، فقد أعلن الجيش في نهاية 2023 عن تمديد العقد مع سيلكوم كمشغّل خلوي لجنود الخدمة الدائمة لسنتين إضافيتين في إطار صفقة بقيمة نحو 50 مليون شيكل. وقد وضعت نفسها في طليعة الجهد المدني لصالح جنود جيش الاحتلال. خلال الحرب، أعلنت الشركة أن جنود الجيش يحق لهم الحصول على خطوط خلوية دون مقابل في إطار حملة تقوم بتحفيز جنود جيش الاحتلال للقتال في غزة، وهي مخصصة للجنود النظاميين والاحتياط.

بالتوازي، قدمت الشركة دعمًا أيضًا للمستوطنين خاصة في غلاف غزة، كما قامت بتشغيل مركز مساعدة هاتفي خاص الجنود والأسرى الإسرائيليين والمستوطنين المتضررين من الحرب. وقد حظيت هذه الخطوات بإشادة من المستوطنين باعتبارها تعبيرًا عن مسؤولية اجتماعية.

بيليفون: تبرع بمعدات وخدمة ميدانية

شركة "بيليفون"، وهي الأقدم في مجال الاتصالات (من مجموعة بيزك)، اتخذت سلسلة من الإجراءات المتنوعة لصالح جنود جيش الاحتلال. منذ الأيام الأولى، أعلنت عن خدمات مجانية لزبائنها خاصة الجنود. في الوقت نفسه، ركزت الشركة على المساعدة التقنية واللوجستية للجنود في الميدان: فقد تبرعت بآلاف شواحن الهواتف المحمولة (بطاريات شحن) لجنود الجيش لاستخدامهم في المناطق التي تعاني من انقطاع الكهرباء في قطاع غزة. كما تم التبرع بمئات الهواتف الخلوية وبطاقات SIM للجنود.

مبادرة بارزة كانت تشغيل مركبات خدمة وإصلاح مجانية للجنود: شاحنات تصل يوميًا إلى القواعد العسكرية ومناطق تجمع الجنود حيث يقوم طاقم تقني بإصلاح الأجهزة وشحن هواتف الجنود. وقد ساعدت هذه المركبات بالفعل عشرات آلاف الجنود. بالإضافة لذلك، أطلقت "بيليفون" حملة عامة لجمع شواحن مستعملة لصالح الجنود، بحيث يمكن للجمهور إحضارها إلى أي مركز خدمة، والشركة تعهدت بنقلها إلى الخطوط الأمامية للقتال. على مستوى البنية التحتية، عمل مهندسو بيليفون في لإقامة هوائيات خلوية مؤقتة وتعزيز قدرة الشبكة في مواقع الطوارئ مثل غرف العمليات، ومناطق القتال. حول هذه المبادرة قالت "كيرين زيلبرمان"، مديرة غرفة الطوارئ في بيليفون: "التعبئة السريعة... تتيح لنا تقديم قيمة حقيقية واستجابة دقيقة للاحتياجات من الميدان للجنود."

بارتنر: ترقية الشبكة وبطاقات من الجبهة

برزت مجموعة "بارتنر" (سابقًا (Orange بسلسلة من الخطوات لدعم جنود جيش الاحتلال. أولًا، أعلنت عن ترقية شاملة لجميع الجنود إلى شبكة الجيل الخامس 5G دون مقابل طوال فترة الطوارئ. الهدف كان ضمان اتصال أسرع وأكثر استقرارًا بين الجنود في الميدان وعائلاتهم، ومواجهة الضغط على شبكات الجيل الرابع آنذاك. وتم تنفيذ الترقية تلقائيًا دون حاجة للاتصال بالشركة. خطوة أخرى قامت بها الشركة مثل "تبّني لواء احتياط" في الجيش. وقد اعتبر المدير العام لبارتنر، أفي غباي، أن "الخطوة نابعة من التزام أخلاقي وقيمي بالوقوف إلى جانب قوات الاحتياط"، ودعا شركات أخرى للانضمام إلى تبّني ألوية احتياط.

كذلك، وزعت "بارتنر" على الجنود في قطاع غزة شواحن محمولة وبطاقات SIM مجانًا، وفتحت قنوات محتوى مميزة لزبائن TV" "Partner مجانًا لتوفير متنفس ترفيهي لهم خلال ارتكابهم للإبادة. إلى جانب ذلك، قامت الشركة بالتعاون مع جيش الاحتلال بالعمل على مشروع "بطاقات من الجبهة"، حيث قامت الشركة بطباعة وتوزيع عشرات آلاف البطاقات الورقية على الجنود في غزة. وتمت دعوة الجنود لكتابة تحيات لعائلاتهم، وتم تصوير محتوى البطاقات وإرساله عبر "واتساب" إلى أهاليهم. أوضحت الشركة أن الهدف هو إتاحة الفرصة للجنود لإرسال تحية مفاجئة من الميدان. بالتزامن، استمرت مركبات الخدمة في التنقل بين المواقع لإصلاح أجهزة الجنود مجانًا. ووسعت "بارتنر" تبرعاتها من معدات تقنية (كالأجهزة اللوحية والحواسيب) للكتائب الميدانية في الجيش، وسعت إلى جمع تبرعات إضافية لهم.

هوت موبايل: تصفح غير محدود وتبرع بأجهزة لوحية وشواحن

انضمت "هوت موبايل" – شركة الاتصالات التابعة لمجموعة HOT – أيضًا إلى خطوات دعم جيش الاحتلال، مستفيدة من قدرات المجموعة التي تشمل الخلوي، التلفاز، والإنترنت. خلال القتال، أعلنت "هوت موبايل" عن فتح التصفح الخلوي دون قيود ودون مقابل للجنود. بالإضافة لذلك، تبرعت الشركة بحزم لوجستية للكتائب الميدانية في جيش الاحتلال، شملت أكثر من 10,000 شاحن وبطارية محمولة، إضافة إلى حزم غذاء ومنتجات نظافة أساسية. كما وعززت الشركة فرق التقنيين والفنيين في الجنوب لإصلاح البنى التحتية المتضررة في أقرب وقت.

مبادرة خاصة للمجموعة كانت التبرع بمئات الأجهزة اللوحية: في يناير 2024 وزعت الشركة مئات الأجهزة الجديدة على جنود جرحى في مراحل الشفاء. تم التوزيع بالتعاون مع جمعيات ومستشفيات، وشارك موظفو HOT في التوزيع تطوعًا. وأكدت "ديكلا جلعادي لوين"، نائبة المدير العام للموارد البشرية في HOT بمواصلة الالتزام تجاه هذه الفئة. ورغم كون "هوت موبايل" لاعبًا صغيرًا نسبيًا في السوق، فقد شاركت في مجهود جماعي واسع للمجموعة، وقدمت مساهمة ملموسة في الميدان لصالح جنود جيش الاحتلال.

الحملات الإعلانية: رسائل دعم للجنود في الحيّز العام

بعد بدء حرب الإبادة على قطاع غزة، بدأت شركات الاتصالات – مثل معظم الشركات الكبرى في السوق – بالعودة إلى الإعلان، لكن بصورة ملائمة لروح الفترة. في الأسابيع الأولى للحرب أوقفت القنوات التجارية تقريبًا تمامًا بث الإعلانات العادية، وسيطر خبر عاجل مستمر على الشاشة. وعندما اتضح أن الحرب طويلة، أوجدت الشركات طريقة للعودة إلى روتين دعائي من دون الانفصال عن المزاج العام. هكذا وُلدت ما يمكن تسميته "إعلانات الحرب" لدى شركات الاتصال الإسرائيلية والتي تمزج بين روح الحرب والترويج. وقد تكررت نفس النماذج في مختلف القطاعات: أعلام "إسرائيل"، صور جنود في الميدان، مشاهد من غلاف غزة، وشعارات مثل "سننتصر معًا" و"شعب إسرائيل واحد." كذلك تبّنت شركات الاتصالات هذا الخط في حملاتها الدعائية.

فمثلا، ظهر إعلان لشركة سيلكوم تحت العنوان: "فقط في سيلكوم، الجنود لا يدفعون"، ويعرض لجنود جيش الاحتلال خط خلوية من الجيل الخامس مجانيًا لسنة كاملة. رافقت الحملة رسالة تُبرز التزام الشركة تجاه جنود الجيش. وكما ذُكر، أطلقت سيلكوم حملة "الجنود لا يدفعون" وأبرزتها في كثير من المنصات الإعلامية. في إعلانات التلفزيون ومنشورات الشركة على شبكات التواصل ظهرت صور لجنود على الجبهة إلى جانب نص يُعلن الميزة الاستثنائية: خط خلوية مجاني لسنة لجنود جيش الاحتلال على شبكة 5G وقالت الشركة: "سيلكوم فخورة بأن تكون شركة الاتصالات للجيش وتحيي جنوده"، وهي رسالة مباشرة تربط العلامة التجارية بدعم الجيش.

كذلك خرجت بيليفون وYes  (كلتاهما من مجموعة بيزك) بحملة مشتركة بعنوان "إسرائيل تتجنّد"، جمعت بين تحديثات حول تبرعات الشركة) أجهزة استقبال، أجهزة لوحية، شواحن، إلخ (ورسائل لدعم الجنود. شملت الحملة مقاطع فيديو تُوثّق مركبات الإصلاح التابعة لبيليفون وهي تصل إلى مناطق تجمع الجنود، وفرق الشركة تساعد الجنود. بالتوازي، استخدمت بيليفون المتحدثين الإعلانيين المعروفين لها، ولكن بنبرة مختلفة عن المعتاد: بدل الفكاهة – نبرة جادة. على سبيل المثال، ظهر الممثل "يوفال سمو" الذي برز في حملات ساخرة في مقطع يتحدث بجدية للمشاهدين، يشكر جنود الاحتياط ويدعو الجمهور للتبرع بالمعدات في مراكز بيليفون.

شهدت "بارتنر" اتجاهًا مشابهًا. فالشركة، التي تبرز في أيام الروتين بلهجة الابتكار والمتعة، غيّرت لغة الإعلان خلال الحرب. حملت منشورات بارتنر على وسائل التواصل الاجتماعي نبرة قومية – أعلام "إسرائيل" ورسائل تقدير للجنود – إلى جانب إبراز الخدمات المقدَّمة لهم مثل إصلاح الأجهزة مجانًا في الميدان، والترقية إلى شبكة 5G لصالح "اتصال متواصل مع الأحبة.شاركت بارتنر أيضًا مع الناطق باسم الجيش وفيلق التربية في التوعية حول مشروع البطاقات (إرسال بطاقات من الجنود في الميدان لأهاليهم.(

شركات الاتصالات كأذرع دعائية ولوجستية في منظومة الحرب تُظهر مساهمة شركات الاتصالات "الإسرائيلية" خلال حرب الإبادة على قطاع غزة مدى اندماج القطاع الخاص في المشروع الأمني والعسكري في "إسرائيل"، وتحوّله إلى شريك فاعل في إدارة الحرب نفسيًا وتقنيًا ولوجستيًا. لقد تجاوزت الشركات دورها التجاري التقليدي، لتتبّنى سياسة تعبئة تعكس انسجامًا شبه كامل مع رواية المؤسسة العسكرية. من خلال تقديم خدمات مجانية، توزيع معدات على الجنود، وتحسين البنية التحتية في مناطق القتال، عزّزت هذه الشركات ارتباطها بالجيش، ورسّخت صورتها كمكوّن حيوي في "الجبهة الداخلية." وهكذا، بات الخط الفاصل بين الاقتصاد والدعاية الحربية شبه معدوم، في ظل استمرار الحرب ومظاهر التعبئة الشاملة التي تضع "الوطنية" في خدمة الشركات، وتضع الشركات في خدمة آلة الحرب.

الحملات الإعلانية التي أطلقتها شركات الاتصالات خلال الحرب، لم تكن مجرد وسيلة لتسويق الخدمات، بل تحوّلت إلى أدوات دعائية تعبوية تروّج لشرعية الحرب وتعزز من تماسك الجبهة الداخلية. عبر صور الجنود، شعارات الوحدة، والمشاركة العاطفية في التضحية، أعادت هذه الحملات إنتاج السردية "الإسرائيلية" حول الحرب كضرورة وجودية، محجوبة تمامًا عن مشاهد الدمار والمجازر في غزة.

وبدلًا من تقديم خدمات مدنية في أوقات الأزمات، تبّنت الشركات دورًا رمزيًا يمزج بين السوق والدولة والجيش، يعيد تشكيل الهوية الجماعية حول مفاهيم "الولاء"، و"الاحتشاد خلف الجيش." هذا التداخل بين رأس المال والدولة الأمنية في "إسرائيل" يعكس اتساع منظومة الاستعمار الاستيطاني لتشمل القطاع الاقتصادي كفاعل مباشر في إعادة إنتاج العنف. وعليه، فإن قراءة دور شركات الاتصالات خلال الحرب تُظهر كيف تُستثمر التكنولوجيا والبنية التحتية والاتصال الجماهيري في دعم مشروع الإبادة، لا بوصفها أدوات تواصل، بل أدوات تحشيد وتحريض وتواطؤ.