الخميس  21 آب 2025
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

نتنياهو من مدافع عن الصفقات الجزئية إلى التمترس وراء الشاملة.. ماذا يريد بالفعل؟

2025-08-21 11:12:12 AM
نتنياهو من مدافع عن الصفقات الجزئية إلى التمترس وراء الشاملة.. ماذا يريد بالفعل؟
رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو

الحدث الإسرائيلي

انتقد المحلل السياسي الإسرائيلي رونين برغمان طريقة إدارة حكومة الاحتلال ورئيسها بنيامين نتنياهو لمسار مفاوضات صفقة تبادل الأسرى، مبرزًا حجم التناقضات والضبابية والمماطلة المتعمدة التي تطبع قرارات المستوى السياسي. الشرح يبدأ من خلاصة حديث برغمان مع أربعة مسؤولين كبار في دوائر الحكومة والجيش وأجهزة الاستخبارات، والتي تكشف ما يُعرف بالفعل داخل منظومة الأمن والمفاوضات بشأن نوايا الرجلين اللذين يحملان السر حول كيفية رد إسرائيل على مقترح حماس: رئيس الحكومة نتنياهو والوزير للشؤون الاستراتيجية ورئيس فريق المفاوضات رون ديرمر. والنتيجة أن لا أحد يعرف ماذا قررا، إذ من جهة يجري الاستعداد بكل قوة لعملية برية في مدينة غزة، ومن جهة أخرى إسرائيل لم تعط جوابًا واضحًا، رغم أنها قد ترسل وفدًا إلى الدوحة في نهاية الأسبوع أو مطلع الأسبوع القادم. كل الأوساط المهنية تؤيد الصفقة، ولو كانت جزئية، وتقول إنه بمجرد صدور إشارة من نتنياهو يمكن إبرامها خلال أيام.

أحد المسؤولين في جهاز الاستخبارات وصف الوضع بأنه “معادلة ذات مجهولين”، مضيفًا أن حتى إذا تم التوصل إلى صفقة جزئية، فقد يكون بالإمكان حلها لاحقًا بشكل نهائي، أي استعادة الجميع وإنهاء الحرب، لكن ذلك يتطلب “مجهولًا ثالثًا” هو دونالد ترامب، الذي قد يجبر نتنياهو على إغلاق الملف. وفي مطلع الأسبوع توقع مسؤول كبير في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، المطلع على المفاوضات طوال العامين الأخيرين، أن الوسطاء سيطرحون قريبًا مقترحًا جديدًا لصفقة جزئية ضمن اتفاق شامل، وأن حماس ستوافق عليه بنسبة عالية. وبعد فترة وجيزة، حين تحقق توقعه وأعلنت حماس موافقتها على العرض الجديد، أكد أن الأمر كله الآن بيد نتنياهو وديرمر: “يبدو أن حماس أبدت مرونة كبيرة، فإذا كان نتنياهو يريد فعلًا صفقة فهناك أرضية للعمل، وإذا لم يرد سيقول إنها جزئية وهذا كل شيء”.

هذا التقدير جاء متسقًا مع ما وثّقه برغمان من خلال تقارير وتحقيقات منذ بداية الحرب، والتي كانت واقعية ودقيقة خلافًا للوعود الإعلامية المتكررة بأن “هذا الأسبوع سيكون الحاسم”. فقد كان يؤكد أن الأمر كله مجرد خلط أوراق، وأنه لو أراد نتنياهو إبرام صفقة ودفع ثمنها السياسي لفعل ذلك. والآن، يرى نفس المصدر الأمني الإسرائيلي أن الطرفين، إسرائيل وحماس، باتا أمام خيار واحد فقط مؤقتًا: صفقة جزئية. ولهذا كتب برغمان في 29 تموز أن “مسؤولين كبارًا في إسرائيل مطلعين على المفاوضات، ومسؤولًا كبيرًا من إحدى الدول الوسيطة، ما زالوا متفائلين حيال إمكانية التوصل إلى صفقة جزئية وفق مبادرة ويتكوف قريبًا، بينما مصر وقطر والولايات المتحدة، الغاضبة على حماس، تضغط على الأطراف لتقديم تنازلات إضافية”. لكن حكومة الاحتلال حاولت ترسيخ العكس: أن لا فرصة لنتنياهو أن يوافق على صفقة جزئية، وأنه من الآن فصاعدًا لن تُقبل إلا صفقة شاملة لإطلاق سراح جميع الأسرى دفعة واحدة.

برغمان يسخر من تناقضات نتنياهو: بعد أن قدّم نفسه كمدافع عن الصفقات الجزئية عاد ليقول إنها غير مجدية. لكن اتضح أن دعمه لها كان ما دامت لا تشمل إنهاء الحرب أو هدنة لشهرين يُجرى خلالها التفاوض على تسوية دائمة. أي مسار قد يفضي لحل سياسي. هذا الموقف الجديد كان في جوهره وسيلة ضغط على حماس لتقديم تنازلات أكبر على ما تم التوافق عليه بالفعل، بما يشمل حدود الانسحاب الإسرائيلي، صيغة ويتكوف للإفراج عن عشرة أسرى أحياء و15–20 جثة، وقف إطلاق نار ستين يومًا، إطلاق أسرى فلسطينيين بينهم محكومون بالمؤبد، ومساعدات إنسانية. بالمقابل، تطالب حماس بضمانات صارمة لمواصلة المفاوضات بعد انتهاء فترة الستين يومًا في حال عدم التوصل إلى اتفاق نهائي.

ورغم أن معظم القضايا جرى التوافق عليها، يوضح برغمان أن حماس لم تفجر المفاوضات كما جرى تصويره في الإعلام الإسرائيلي، بل رأت أن وضعها يتحسن بينما صورة إسرائيل الدولية تتدهور، فشدّدت شروطها. أما الفريق الإسرائيلي، العالق في فندق لأسابيع بلا نتيجة، فاستجاب لتوصية مغادرة الدوحة كرد رمزي على تكتيكات حماس. لم يقصد أحد نسف المفاوضات، لكن التغطية الإعلامية والأزمة الدولية الناجمة عن مجاعة غزة زادت تصلب الطرفين. ثم عادت إسرائيل لتعلن أن موقفها لم يتغير، لكنه في الحقيقة كان العكس.

برغمان يوضح أن نتنياهو هو من تمسّك بصيغ متدرجة ومعقدة للصفقة، هدفها الأساسي تمكينه من التنصل منها في وقت لاحق قبل الوصول للنهاية. حماس بقيت ثابتة بمطلب صفقة شاملة ونهائية. ثم، وبعد أن برّر نتنياهو الصفقات الجزئية باعتبارها وسيلة لعدم إسكات المعركة وعدم تقييد شركائه في الاستيطان، انقلب ليعتبرها خطأ. هذا “التغيير” لم يكن سوى دخان، فنتنياهو لا ينوي إنهاء الحرب، وإنما يقول ما يعتقد أن الجميع يريدون سماعه في اللحظة الراهنة. والدليل أنه مكتوب في قرار الكابينت، حيث نصّ البند الخامس على أن الحرب تنتهي فقط حين تحافظ إسرائيل على السيطرة الأمنية وتنقل السلطة المدنية لجهة دولية ليست حماس ولا السلطة الفلسطينية، وأن هذا الانتقال لن يتم إلا بعد القضاء التام على حماس. الجيش يقدّر أن هذا يتطلب بين ثلاث إلى خمس سنوات. أي أن قرار الكابينت هو استمرار الحرب لسنوات طويلة، بنتائج غير قابلة للتنبؤ.

إجابة حماس الأخيرة وضعت نتنياهو في مأزق، فقد حملت ما يكفي من المرونة ليصبح العبء على إسرائيل. لذلك يحافظ نتنياهو وديرمر على غموض متعمد. حتى لو جرى إعلان صفقة، فهي ستبقى جزئية. برغمان يستشهد بالقول التلمودي “كل من أنقذ نفسًا كأنما أنقذ العالم كله”، لكنه ينقل أيضًا تحذير العقيد احتياط دورون هدار، الذي قاد وحدة التفاوض في هيئة الأركان، بأن الاكتفاء بصفقة جزئية يعد “جريمة ضد الأسرى”، داعيًا الحكومة إلى الدخول فورًا في مفاوضات على صفقة شاملة.

وبرغمان يشدد أن حتى صفقة جزئية لن تضمن ألا يعود الطرفان مجددًا إلى نقطة الصفر والسؤال: حرب أم تسوية؟ ما يعني أن أي عملية عسكرية في غزة ستكون بمثابة سحق للأسرى المتواجدين في المناطق التي لم تُحتل بعد. ويذكّر الكاتب أن حماس هي المسؤولة عن أسر الأسرى، لكن ذلك لا يعفي إسرائيل من مسؤوليتها، فهي كان يمكنها إنقاذ بعض من بين 41 وصلوا غزة أحياء وماتوا خلال الأسر. سلسلة من تصلبات نتنياهو، سواء استجابة لضغوط اليمين أو بدافع رغبة في نصر مطلق غير واقعي، جعلته دائمًا يفضل استمرار الحرب على خيار إنهائها.

ويضيف أن في يناير، وباسم ترامب قبل توليه المنصب رسميًا، فرض المبعوث ويتكوف على نتنياهو سحب شروط تعجيزية أضافها إلى المسودة، لكن الحكومة الأميركية الجديدة، قليلة الخبرة بالملف، سمحت لنتنياهو وديرمر بتفادي مفاوضات حقيقية على إنهاء الحرب وتحرير الأسرى جميعًا. بل عرقل ديرمر مبادرة أميركية سرية لفتح قناة مباشرة مع حماس، وخُرقت الهدنة في مارس للخروج إلى عملية تحولت لاحقًا إلى “مركبات جدعون”. داخل الجيش أقرّوا بأنهم لا يستطيعون تحقيق الهدف الأول للمهمة وهو تحرير الأسرى، بل فقط “تهيئة الظروف” للقيادة السياسية لإبرام صفقة، كما أنهم لا يريدون تحقيق الهدف الثاني وهو احتلال غزة بالكامل، لأن ذلك سيدخل إسرائيل في حرب لثلاث إلى خمس سنوات على الأقل.

ولما فشلت “مركبات جدعون” في خلق الظروف المطلوبة، قرروا التوجه نحو احتلال مدينة غزة ذاتها، قلب البنية القيادية والعسكرية لحماس. لكن هذا القرار أعاد السؤال: كيف ادّعى نتنياهو والجيش مرارًا أن حماس انهارت، بينما كل مرة يعاودون الحديث عن ضرورة اقتحام خان يونس أو رفح أو غزة مجددًا؟ الحقيقة أن إسرائيل عالقة في حلقة مفرغة، إذ حين بدأت المناورة البرية، قُدّرت قوة حماس بـ24 ألف مقاتل والجهاد الإسلامي بـ6 آلاف. بعد شهور أعلنت إسرائيل أنها قتلت أكثر من 15 ألفًا، لكن عشية “مركبات جدعون” قدّرت الاستخبارات أن حماس ما زال لديها 24 ألف مقاتل، وإن كانوا أصغر سنًا وأقل تدريبًا وتسليحًا. أما الجهاد الإسلامي فاحتفظت بـ6 آلاف مقاتل على الأقل. بهذه المفارقة يختم برغمان نقده: إسرائيل تسير في دائرة لا تنتهي، بينما الأسرى يدفعون الثمن والقيادة السياسية تفضّل هدير الحرب على مواجهة مسؤولياتها.