الحدث العربي والدولي
يشير مصطلح "جيل Z" إلى الفئة المولودة بين عامي 1997 و2012 تقريبًا، وهو الجيل الذي تلا جيل الألفية. وقد وصفت مؤسسات بحثية مثل مركز بيو للأبحاث وموسوعة بريتانيكا هذا الجيل بأنه أول جيل "رقمي بالكامل"، نشأ في بيئة مشبعة بالإنترنت والهواتف الذكية منذ طفولته. اليوم، يدخل هؤلاء الشباب الجامعات وسوق العمل بأعداد كبيرة، ما جعلهم في قلب النقاشات حول مستقبل الاقتصاد والسياسة والإعلام.
ظهر اسم "جيل Z" أول مرة في أوائل التسعينيات داخل الإعلام الغربي، كتسمية مكملة لما سبقه من جيل X ثم جيل Y. كان الاسم في بدايته مجرد امتداد أبجدي، لكن سرعان ما تبنته الصحافة والأبحاث التسويقية لوصف الفئة الجديدة من الشباب. وقد وثقت قواميس مرجعية مثل أوكسفورد وميريام وبستر هذا الاستخدام المبكر، قبل أن يتحول المصطلح إلى إطار تحليلي واسع الانتشار في الدراسات الاجتماعية والاقتصادية.
الاهتمام الإعلامي بهذا الجيل تضاعف خلال السنوات الأخيرة لعدة أسباب. في مجال العمل، أظهرت تقارير صادرة عن مجموعة ماكينزي الاستشارية أن شباب جيل Z لا يبحثون فقط عن دخل مالي، بل يطالبون بوظائف تحقق لهم التوازن بين الحياة المهنية والشخصية، وتنسجم مع قيمهم الاجتماعية. في الثقافة الرقمية، أبرزت مجلة فاست كومباني الشرق الأوسط أن هذا الجيل يعتمد على منصات مثل تيك توك وإنستغرام للحصول على الأخبار، في وقت يتراجع فيه اعتماده على القنوات التقليدية. أما في السياسة، فقد أشارت صحف أوروبية إلى الدور البارز لشباب جيل Z في الاحتجاجات المناخية التي اجتاحت مدن العالم عامي 2018 و2019، ووصفتهم بأنهم القوة الدافعة وراء "سياسة المناخ الجديدة".
في العالم العربي، لم يكن هذا التصنيف حاضرًا حتى وقت قريب، حيث اعتاد الإعلام على استخدام مصطلح "جيل الشباب" بشكل عام. لكن مع ازدياد حضور الدراسات الغربية، تبنّت الصحافة العربية المصطلح بشكل متزايد، سواء عبر الترجمة المباشرة للمقالات الأجنبية أو من خلال الاستطلاعات الإقليمية. فالاستطلاع السنوي للشباب العربي، الذي تنشره مجموعة أصداء – بي سي دبليو، استخدم المصطلح بشكل واضح وربطه بقيم مثل العدالة الاجتماعية والبحث عن الاستقرار الاقتصادي. كما دخل المصطلح مجال الإعلانات والتسويق، حيث باتت الشركات في المنطقة تستهدف "جيل Z" كفئة استهلاكية جديدة.
لكن جيل Z العربي يتميز بسياق خاص مختلف عن نظرائه في الغرب. فقد تشكل وعيه في ظل أحداث كبرى مثل الربيع العربي، وما تلاه من تحولات سياسية واجتماعية. العديد من المحللين أشاروا إلى أن هذا الجيل أكثر تشككًا في المؤسسات التقليدية وأقل ثقة في النخب السياسية. وفي المغرب مثلًا، ظهرت حركة شبابية معروفة باسم GenZ 212 اعتمدت على تطبيق ديسكورد للتنظيم والتعبئة حول قضايا العدالة الاجتماعية، وهو ما اعتبرته الصحافة المحلية والدولية نموذجًا جديدًا للتنظيم الشبكي بعيدًا عن الهياكل الحزبية التقليدية. وفي قضايا إقليمية مثل فلسطين، برز شباب جيل Z كأصوات نشطة في الحملات الرقمية العابرة للحدود، حيث يُنظر إلى القضية من زاوية العدالة العالمية وحقوق الإنسان.
من المهم أيضًا الإشارة إلى أن المصطلح نفسه نتاج الإعلام الغربي. فقد صاغته الصحافة والأبحاث هناك، ثم صدّرته إلى العالم ليصبح إطارًا لفهم الأجيال حتى في مجتمعات مختلفة. هذا يعكس استمرار مركزية الإعلام الغربي في صناعة المفاهيم وتحديد القوالب التي تُستخدم عالميًا. ومع أن السياق العربي يضيف أبعادًا خاصة، إلا أن استخدام مصطلح "جيل Z" هنا هو جزء من تفاعل أوسع مع مفاهيم مستوردة تشكّل رؤيتنا لذواتنا.
في النهاية، لم يعد "جيل Z" مجرد توصيف عمري، بل أصبح عنوانًا لتحولات أوسع تشمل القيم والعمل والسياسة والإعلام. وبينما جاء المفهوم من الغرب، إلا أن الجيل العربي يعيش تجربته الخاصة: جيلٌ وُلد رقميًا، تفتّح وعيه في زمن الثورات والأزمات، ويبحث اليوم عن موقعه في عالم سريع التغير. التحدي يبقى في أن نقرأ هذا الجيل بعيوننا نحن، لا أن نكتفي بعكس صورته من خلال مرآة الإعلام الغربي.