الأحد  26 تشرين الأول 2025
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

استقالة وزير النقل والمواصلات: بين طيّ الملف وواجب المراجعة/ بقلم: ناديا قطب

2025-10-26 08:10:14 AM
استقالة وزير النقل والمواصلات: بين طيّ الملف وواجب المراجعة/ بقلم: ناديا قطب
تعبيرية

قبول رئيس الوزراء محمد مصطفى لاستقالة وزير النقل والمواصلات طارق زعرب، بعد أسابيع قليلة من قرار إيقافه والتقارير حول التحقيق معه في شبهات فساد مالي وإداري، لا يمكن النظر إليه كإجراء إداري روتيني، بل كحدث يستوجب وقفة حقيقية أمام أداء الحكومة وآليات الرقابة فيها. فالمسألة تتجاوز حدود الشخص المعني بالاستقالة إلى عمق الجهاز التنفيذي الذي سمح بتمرير قرارات وسياسات قد تكون محاطة بتجاوزات قانونية أو مالية.

ومع أن البيان الحكومي جاء مقتضبًا ولم يتطرّق إلى الأسباب المباشرة للاستقالة، إلا أن ما نُشر في وسائل الإعلام يوضح أن هيئة مكافحة الفساد الفلسطينية فتحت تحقيقًا رسميًا مع الوزير المستقيل على خلفية شبهات تتعلق بتلقي رشاوى واستغلال المنصب لتحقيق منافع شخصية، تشمل ملفات إصدار تراخيص وموافقات بصورة مخالفة للإجراءات الرسمية. في ضوء ذلك، يصبح من المشروع أن نتساءل: أليس من واجب الحكومة مراجعة كل قرارات الوزير عن كامل الفترة السابقة؟.

إن الفساد – إذا ثبت – لا يقع في فراغ زمني، بل يتسلل عادة إلى صميم عملية صنع القرار. وإذا كان الوزير قد تورط في مخالفات أو استغل موقعه، فمن المرجح أن تلك الممارسات لم تكن معزولة عن قرارات وزارية صدرت في فترات سابقة، سواء على صعيد التراخيص، أو التعيينات، أو العقود. ولهذا فإن المراجعة الشاملة لتلك القرارات تندرج ضمن واجب الحكومة في حماية نزاهة المؤسسات ومنع استمرار آثار الفساد داخل جهاز الدولة.

ويتعزّز هذا الواجب من زاوية ثانية، تتعلق بحماية المال العام واسترداده عند الضرورة. فالتحقيقات الدائرة تتحدث عن شبهات “اختلاس” و”منفعة شخصية”، وهي جرائم تمس جوهر الثقة بين المواطن ومؤسسات الحكم. وفي حال ثبوت تلك الشبهات، يصبح من غير المنطقي الاكتفاء بقبول الاستقالة، لأن كثيرًا من العقود والمناقصات والتراخيص التي أُقرت خلال فترة تولّي الوزير منصبه قد تكون نُفذت بالفعل وتسببت في خسائر مالية أو امتيازات غير مشروعة. المراجعة هنا ليست خيارًا، بل التزام قانوني وأخلاقي باسترداد المال العام وضمان المساءلة الكاملة لكل من تورّط في التلاعب به.

ثمّة بعدٌ ثالث لا يقل أهمية: القرارات السابقة للوزير المستقيل ما زالت تُنتج آثارًا حالية وملزمة. فالتراخيص التي مُنحت، والموافقات الإدارية التي وُقّعت، ما زالت قائمة وتؤثر على حياة المواطنين وعلى مصالح المؤسسات. وإذا تبيّن أن تلك القرارات صدرت بناءً على اعتبارات شخصية أو مالية، فإن استمرارها دون مراجعة يعني ببساطة استمرار الخطأ في قلب الجهاز الإداري. إن أي إصلاح حقيقي يبدأ من تصحيح القرارات الخاطئة، لا من التغاضي عنها تحت ذريعة “فتح صفحة جديدة”.

وفي السياق ذاته، فإن الشفافية تفرض على الحكومة أن لا تبدو وكأنها تحاول طيّ الملف بسرعة. فقبول الاستقالة دون مراجعة القرارات السابقة يعطي انطباعًا بأن الهدف هو احتواء الأزمة إعلاميًا لا معالجتها مؤسسيًا. بينما الطريق إلى استعادة ثقة الجمهور يبدأ من إعلان مراجعة دقيقة وعلنية لملفات الوزارة خلال فترة الوزير، ونشر نتائجها للرأي العام، لتأكيد أن الدولة جادة في محاربة الفساد أياً كان موقعه.

وإذا كانت الحكومة جادة فعلًا في بناء نظام إداري نظيف، فإن عليها النظر إلى هذه القضية باعتبارها فرصة لإصلاح منظومة الرقابة ذاتها. فالقضية الحالية تكشف عن خلل واضح في آليات المتابعة داخل الوزارات، وعن ضعف في نظام التدقيق المسبق على القرارات التي يمكن أن تترتب عليها التزامات مالية أو إدارية. المراجعة الشاملة هنا ليست فقط لمحاسبة وزير، بل لتشخيص ثقافة إدارية سمحت بتجاوز الإجراءات وتراكم التجاوزات دون تدخل مبكر.

في النهاية، إن قبول الاستقالة ليس سوى خطوة أولى في مسار طويل يجب أن ينتهي إلى مراجعة شاملة لجميع قرارات الوزير المستقيل، سواء تلك التي تتعلق بالعقود أو التعيينات أو التصاريح أو الاتفاقيات. فالإصلاح الحقيقي لا يقف عند استبدال الأشخاص، بل عند تصحيح السياسات. وإذا أرادت الحكومة أن تثبت جديتها أمام الرأي العام، فعليها أن تجيب بالفعل عن السؤال الذي بات مطروحًا في الشارع الفلسطيني: أليس من واجبها مراجعة قرارات الوزير عن كل الفترة السابقة؟!.