الأحد  14 كانون الأول 2025
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

"المجلس الاستعماري" لإدارة غزة

2025-12-14 11:03:45 AM

 

يحتاج الفلسطينيون إلى أن يسموا الأشياء بأسمائها، فالتسمية تحدد ماهية الأشياء، هكذا فعل الصهاينة دوما في فلسطين، فلم يكتفوا بسرقة الأرض، بل كانت التسمية جزءا أساسيا في تكييف فلسطين استعماريا، ولفرض طبقة من التعمية تحجب الرؤية/الرؤيا، وتعدل المخيلة السياسة عن المكان وناسه. واليوم يقف الفلسطينيون أمام شكل جديد من التسميات التي تؤطر شكل استعمار فلسطين، والذي يُجرَّب نموذجه في غزة، وعلى الرغم من الترحيب الفلسطيني الرسمي بما يُسمى بـ "مجلس السلام"، إلا أن على المراقبين، والمحلليين السياسيين، والأكاديميين، والصحفيين، وناشطي المجتمع المدني، وضع خطابهم على الطاولة أيضا، بما يُوضح أن الفلسطينيين يُدركون على مستوى الخطاب السياسي التحرري، شكل الطبيعة الاستعمارية لفلسطين التي تُجدد نفسها على الدوام في ظل الخطط التي تُرسم لفلسطين وللمنطقة، والتي لن تبدأ بـ "المجلس الاستعماري" ولن تنته هناك.

واليوم تُفرض على الفلسطينيين مقترحات جديدة، تبدأ من مجلس يُحقق مبدأ الانقسام الجغرافي ما بين الضفة الغربية وقطاع غزة، بينما تخضع غزة نفسها إلى تقسيمات تحول جزءا منها إلى ثكنة عسكرية، وجزءا تحت سيادة دولة الاحتلال الإسرائيلي، بينما يزج الغزييون في جزء مضغوط على شكل تجمعات سكنية أشبه بنظام "البانتستون" الذي كان قائما في عهد الفصل العنصري في جنوب أفريقيا. وفي الوقت نفسه، يعمل "المجلس الاستعماري"، على تفكيك أواصر المجتمع في غزة، عبر فرض جهة إدارية بلا سيادة، وبلا مرجعية وطنية، تدير وضعا إنسانيا لمجموعة بشرية بينما تجردهم من أدواتهم السياسية والوطنية بحيث تصبح غزة، شركة يديرها مجلس إدارة، ضمن حدود "البانتستان"، بعيدا عن أفق الدولة والسيادة.  

وبينما يُقال إن الوضع الحالي لقطاع غزة سيكون مؤقتا، وغير دائم، ولا تتجاوز مدته العامين، فإن التجارب السابقة أكدت أن الوضع المؤقت عادة ما يتحول إلى دائم في عُرف الإسرائيلي، إذ دائما ما يتم ترسيخ وقائع جغرافية وديمغرافية استعمارية لا رجعة فيها، وتُقدم صيغا تشرعن إدامة السيطرة الإسرائيلية على الفلسطينيين، وسد أي أفق أمام استعادة حقوقهم الوطنية. ويتم قولبة الواقع وإعادة تعريفه وتغطيته بغطاء قانوني جديد مقبول دوليا ومعترف به يُحتجز الفلسطيني داخله، وعند محاولته الخروج منه، يُوصم بأنه لا ينصاع للقانون الدولي، أو يُهدد الاستقرار، وتبدأ عندها حلقة جديدة من التصفية.

لقد أطاحت الإبادة التي استمرت على مدار عامين كاملين بأية حلول مقبولة أو معقولة لما يُريده الفلسطينيون من مطلق ما تعنيه لهم الحرية والعدالة والكرامة، ولا يعني القبول اليوم بمجلس تركيبته في الأساس استعمارية، تخلي الفلسطينيين عن أفقهم التحرري. بل إن إدراكهم عميق، بأن جل ما يمكنهم القيام به، في ظل ضعف الرسمية السياسية الفلسطينية، هو محاولة التصدي للخطاب التضليلي المحمول على ألسنة القيادات العالمية، وأن الأمل ما زال معقودا على صمود الفلسطيني الذي لا يفت في عضده كل محاولات الإخضاع والسيطرة، وأن إرادة التحرر أقوى من كل الأغلفة القانونية، والمجالس الاستعمارية.