النساء الفلسطينيات لم يكنّ يومًا على هامش الحكاية، بل في قلبها؛ حملن البنادق كما حملن الأطفال، ووقفن على المتاريس كما وقفن في طوابير الخبز. ومع ذلك، ما زال السؤال يتكرر بإلحاح: إذا كانت النساء شركاء في النضال، فلماذا لا يكنّ شركاء في القرار؟
منذ بدايات الحركة الوطنية، سطّرت النساء ملاحم الصمود في البيوت والحقول والسجون والمخيمات. لكن حين تحوّل النضال إلى مؤسسات وسلطات وهيئات، غابت أصوات كثيرة منهن عن طاولة القرار. كأن تضحيات النساء كانت مؤقتة، أو كأن النضال ساحة مؤقتة لهن لا منصة دائمة للمشاركة.
إن شعار "شركاء في النضال، شركاء في القرار" ليس شعارًا نسويًا فحسب، بل هو نداء وطني لإعادة تعريف مفهوم الشراكة. الشراكة لا تُقاس بعدد المقاعد أو المناصب، بل بمدى تأثير النساء في صياغة السياسات، وتوجيه الأولويات، واتخاذ القرارات التي تمس حياتهن وحياة المجتمع. العدالة ليست منّة، بل استحقاق وطني، لأنها تعني أن كل فئة ساهمت في بناء الوطن لها الحق في تقرير مصيره.
حين يُقصى نصف المجتمع عن مواقع التأثير، يفقد القرار توازنه. وحين تُقصى النساء عن المفاوضات أو عن صنع السياسات الاقتصادية والاجتماعية، يصبح النصف الآخر من الحقيقة غائبًا. التجارب العالمية والعربية أثبتت أن مشاركة النساء في صنع القرار تُنتج سياسات أكثر عدلاً واستدامة وإنصافًا.
لكن الشراكة لا تُمنح، بل تُنتزع بالوعي والتنظيم والإصرار. لذلك فإن الطريق إلى "شراكة القرار" يمر عبر تمكين النساء سياسيًا واقتصاديًا ومجتمعيًا، وتعزيز حضورهن في النقابات والأحزاب والبلديات والمؤسسات الرسمية، والأهم من ذلك، عبر تحرير الوعي الجمعي من فكرة أن القيادة شأنٌ ذكوري.
في النهاية، لا يمكن أن نطالب بتحرير وطنٍ ونحن لا نحرر داخله من أشكال الإقصاء كافة. فالوطن الذي تناضل النساء من أجله، يجب أن يُعيد لهن مكانتهن في قيادته. حين تكون النساء شريكات في النضال والقرار معًا، يصبح الوطن أكثر عدلاً، والمستقبل أكثر اكتمالاً.