الأربعاء  05 تشرين الثاني 2025
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

فرانشيسكا ألبانيزي: العدالة بصوت إمرأة من الجنوب/ بقلم: لما عواد

2025-11-05 05:43:26 PM
فرانشيسكا ألبانيزي: العدالة بصوت إمرأة من الجنوب/ بقلم: لما عواد

 

منعت واشنطن فرانشيسكا ألبانيزي، المقرّرة الأممية الخاصة بحالة فلسطين، من دخول أراضيها، لكنها نجحت في إيصال صوتها إلى العالم بأسره. من كيب تاون، المدينة التي شهدت سقوط نظام الأبارتهايد، أطلقت ألبانيزي تقريرًا أمميًا هزّ صمت المجتمع الدولي، وثيقة رسمت خريطة مسؤولية واسعة تضم 63 دولة وشركات كبرى لعبت أدوارًا مباشرة أو غير مباشرة فيما وصفته بـ "جرائم الإبادة في غزة" .

لم يكن التقرير مجرد سرد للانتهاكات، بل إعادة تعريف للمساءلة الدولية.  فهو يكشف عن شبكة معقدة من تواطؤ الدول، الشركات، والمؤسسات الدولية التي ساهمت، بطرق مباشرة وغير مباشرة، في استمرار الأزمة الإنسانية في فلسطين، تحت غطاء "السيادة" و"التحالفات القيمية" .

ما كشفته الأرقام والحقائق، تقرير ألبانيزي يقدّم أدلة مفصلة عن:

الدعم العسكري المباشر وغير المباشر،  الدول التي زوّدت إسرائيل بأسلحة، تقنيات مراقبة، وبرمجيات قتالية، ما مكّنها من استهداف المدنيين بشكل ممنهج.
الشركات متعددة الجنسيات:   من شركات التكنولوجيا والبرمجيات إلى الشركات اللوجستية، جميعها ساهمت في تمكين الهجمات أو مراقبة المدنيين، وتحويل العمليات العسكرية إلى نظام رقمي متقدم، ما يعمّق الضرر ويزيد عدد الضحايا.
الصمت الدولي والفيتو:  التقرير يوضح أن صمت 63 دولة، أو دعمها السياسي، يشكّل مشاركة فعلية في الجرائم. في هذا السياق، يصبح حق الفيتو في مجلس الأمن ليس مجرد أداة سياسية، بل أداة قتل في بعض الحالات.

التقرير لا يكتفي بتوثيق الانتهاكات، بل يضع معايير واضحة للمساءلة،  المسؤولية ليست فردية فقط، بل جماعية، وتشمل كل من ساهم في تمكين الاحتلال، سواء بالمال، السلاح، أو التغطية السياسية.

كيب تاون رمز العدالة

اختارت ألبانيزي كيب تاون كمنصة لإطلاق التقرير ليس عبثًا. المدينة التي شهدت كفاح نيلسون مانديلا ضد الأبارتهايد أصبحت رمزًا عالميًا لنضال الجنوب ضد الظلم والاستعمار. من روبن آيلاند إلى غزة، يمتد خيط المقاومة، صمود الشعوب أمام آلة القوة، ومواجهة المنظومات الدولية التي تمنح الحصانة للقتلة وتترك الضحايا بلا حماية.  الجنوب العالمي هنا يقدم نموذجًا للقدرة على المراقبة والمساءلة، حتى حين تغيب الإرادة السياسية في الشمال.

63  دولة وضمير غائب

التقرير يقدّم قائمة الدول المشاركة أو المتواطئة، من الولايات المتحدة وأوروبا الغربية، التي توفر غطاءً سياسيًا واستراتيجيًا، إلى دول أخرى تمارس الضغط الاقتصادي والتكنولوجي لدعم الاحتلال. كما يسلط الضوء على دور الشركات الكبرى، التي لم تعد أدوات تجارية بحتة، بل شريكًا في العنف: تقنيات الذكاء الاصطناعي، أنظمة المراقبة، والخوارزميات العسكرية، كلّها تجعل من العدالة شيئًا يمكن شراؤه، بينما يُحرم المدنيون الفلسطينيون من أبسط حقوقهم.

العدالة الدولية: اختبار أخلاقي

تقرير ألبانيزي ليس مجرد وثيقة أممية؛ إنه اختبار صارخ للنظام الدولي. إما أن تتحول التوصيات إلى مسار حقيقي للمساءلة، أو يُضاف التقرير إلى أرشيف طويل من الوثائق التي تُقرأ في المؤتمرات وتُنسى في الأدراج. لكن الأكيد أن صوتها وصل من الجنوب العالمي، من مكان يعرف جيدًا أن العدالة لا تُمنح، بل تُنتزع عبر الشجاعة، الوثائق الدقيقة، والمساءلة المستمرة.