الحدث العربي والدولي
كشفت تحقيقات صحيفة هآرتس العبرية أن الرحلات الجوية المثيرة للجدل التي تنقل الفلسطينيين من غزة إلى دول خارجية جرى تنسيقها من قبل منظمة غير مسجلة مرتبطة بوزارة الحرب في حكومة الاحتلال، والتي تخضع حاليا للتحقيق بشبهات الاحتيال والاتجار بالبشر.
وبحسب التحقيق الذي نشر يوم الأحد، فقد سهلت سلسلة من الرحلات الجوية المستأجرة نقل الفلسطينيين من غزة إلى دول ثالثة عبر منظمة صغيرة تُعرف باسم "المجد"، ما يثير تساؤلات جدية حول هيكلية المنظمة وقانونيتها وصلاتها المحتملة بجهاز تابع لوزارة الحرب في حكومة الاحتلال أُنشئ لتشجيع ما تصفه حكومة الاحتلال بـ"الهجرة الطوعية" من غزة.
ووفقا للصحيفة، فقد انطلقت خلال الأشهر الماضية عدة رحلات تقل عشرات الفلسطينيين في كل مرة من مطار رامون قرب "إيلات" في جنوب فلسطين المحتلة.
وكان أحدثها رحلة ضمت 153 راكبا، توجهوا أولا إلى نيروبي على متن طائرة مستأجرة من شركة Fly Yo، قبل أن يصعدوا على رحلة ثانية إلى جوهانسبرغ تشغّلها شركة الطيران الجنوب أفريقية Lift. وأوضح التحقيق أن العديد من الركاب لم يبلغوا بالوجهة النهائية قبل المغادرة.
وأشار التحقيق إلى أن السلطات الجنوب أفريقية منعت في البداية المجموعة من النزول بسبب نقص الوثائق، وغياب ختم الخروج من "إسرائيل"، وعدم وجود تذاكر عودة.
منظمة غير مسجلة وملفات وهمية
ورغم أن "المجد" تقدم نفسها عبر الإنترنت كمنظمة إنسانية تعمل منذ عام 2010، لم تجد هآرتس أي سجل رسمي لها في ألمانيا أو شرق القدس، حيث تدعي أنها مسجلة.
ويشير التحقيق إلى أن موقع المنظمة أنشئ فقط في شباط الماضي، ويضم صورا مخزنة وروابط غير فعالة لمواقع التواصل الاجتماعي، وادعاءات غير قابلة للتحقق حول أعمالها الإنسانية في سوريا وتركيا.
وكشفت نسخ أرشيفية سابقة أن الموقع استخدم شعار شركة Talent Globus المسجلة في إستونيا، والتي تدعي تقديم خدمات استشارية للهجرة والعمل، لكنها تستخدم رقما هاتفيا غير فعال وعناوين دولية لا يمكن التحقق منها.
وأدرج الموقع شخصين كـ"مديري مشروع": الأول يعرف باسم مؤيد من غزة، وقد نشر صورة له أثناء صعوده على رحلة إلى إندونيسيا مع تعليق يقول إنه "غادر غزة ولن يعود"، أما الثاني فهو عدنان من القدس، ولم يعثر على أي معلومات عنه عبر الإنترنت.
وأضاف تقرير لقناة الجزيرة الإنجليزية أن المنظمة تقبل المدفوعات فقط عبر العملات المشفرة، وأن بعض الصور المستخدمة للتعريف بالموظفين قد تم إنشاؤها باستخدام الذكاء الاصطناعي.
صلة إسرائيلية مباشرة
وأظهر التحقيق أن مكتب الهجرة الطوعية الإسرائيلي، الذي أنشئ ضمن وزارة الحرب في آذار من العام الماضي، أحال منظمة "المجد" إلى منسّق جيش الاحتلال لشؤون النشاطات الحكومية في الأراضي (COGAT) لتنسيق مغادرة الفلسطينيين من غزة.
وجاء تأسيس هذا المكتب عقب قرار حكومي يهدف لتسهيل إجراءات الموافقة على خروج الفلسطينيين الراغبين في مغادرة غزة نهائيا. ويترأس المكتب مسؤول وزارة الحرب يعقوب (كوبي) بليتشتاين.
ورغم أن منظمات أخرى حاولت عقد ترتيبات مشابهة عبر المكتب، وجدت هآرتس أن "المجد" هي الوحيدة التي نجحت في ذلك.
اتهامات بالاستغلال والاحتيال
ووصفت السفارة الفلسطينية في جنوب أفريقيا مغادرة الفلسطينيين بأنها جرت عبر "منظمة غير مسجلة ومضللة استغلت الظروف الإنسانية المأساوية لشعبنا في غزة". وأشارت السفارة إلى أن "المجد" جمعت الأموال بناء على مزاعم كاذبة، ثم حاولت التهرب من مسؤوليتها عند ظهور مشكلات.
وقال بعض الركاب إنهم دفعوا حوالي 5 آلاف دولار للشخص الواحد للانضمام إلى الرحلات.
وأصدرت وزارة الخارجية الفلسطينية تحذيرا لسكان غزة دعتهم فيه إلى تجنب "شبكات الاتجار بالبشر وتجار الدماء ووكلاء التهجير".
وصرح الرئيس الجنوب أفريقي سيريل رامافوزا بأن السلطات "فوجئت" بوصول الطائرة ولم تكن على علم بالجهة التي نظمت الرحلة، مضيفا: "لا يمكننا إعادة هؤلاء الأشخاص… لقد جاؤوا من بلد مزقته الحرب والصراع".
وذكرت الجزيرة أن الهيئات الرقابية في جنوب أفريقيا وعددا من الوكالات الدولية فتحت تحقيقات حول طبيعة العملية، وتمويل الرحلات، وما إذا كانت تعد تهريبا للبشر أو هجرة غير نظامية تحت غطاء الإجلاء الإنساني.
