ترجمة الحدث
اعتبر الخبير العسكري الإسرائيلي يوسي يهوشع أن الصفقة الأميركية لبيع مقاتلات F-35 للسعودية لا يمكن التعامل معها كـ”صفقة سلاح إضافية” في المنطقة، بل كإحدى أكثر القرارات الاستراتيجية حساسية منذ إطلاق مشروع المقاتلة الشبحية.
فهذه الطائرة، كما يقول، لم تعد مجرّد منصة هجوم جوي، بل منظومة استخبارية وقيادية وشبكية تربط الجو والبر والبحر في بنية واحدة، ما يجعل امتلاكها بمثابة امتلاك قوة استراتيجية خارقة في الشرق الأوسط.
ويشرح يهوشع أن ما منح إسرائيل تفوقًا نوعيًا خلال السنوات الماضية هو احتكارها الإقليمي لهذه الطائرة، بل وامتلاكها نسخة مُحدَّثة تفوق حتى النسخة الأميركية القياسية، بفضل أنظمة إلكترونية وتقنيات معالجة بيانات وحساسات وحرب إلكترونية طوّرها الجيش الإسرائيلي ودمجها في المنظومة. هذا الاحتكار، وفق تقديراته، شكّل أحد أعمدة الأمن القومي الإسرائيلي.
لكنّ قرار إدارة ترامب دفع هذا العمود إلى الاهتزاز. فالتوجّه إلى بيع مقاتلات F-35 للسعودية، من دون التزام واضح من الرياض بالتطبيع أو ضمانات تعويضية كاملة لإسرائيل، لا يُعدّ ثغرة تقنية بل “مخاطرة استراتيجية صريحة”، خاصة أن السعودية ليست على علاقة رسمية مع تل أبيب.
دخول دولة عربية جديدة – وبهذه المكانة – إلى نادي مشغّلي الطائرة الشبحية يعني تراجع التفوّق الحصري لسلاح الجو الإسرائيلي، ليس فقط عسكريًا وتكنولوجيًا، بل أيضًا على المستوى المعنوي والإقليمي. ويرى يهوشع أن هذا التراجع لا يعود إلى التكنولوجيا فحسب، إذ لن تحصل السعودية على النسخة الإسرائيلية، وإنما إلى البعد الإدراكي في ميزان القوى.
فاختفاء الشعور بالتفوق المطلق في المنطقة يُعدّ بحد ذاته خسارة استراتيجية، ما يستدعي – برأيه – حزمة تعويضات أميركية واضحة ومحددة، تطبّق عمليًا وليس عبر وعود أو رسائل سياسية.
ويحدّد الخبير الإسرائيلي ملامح هذه الحزمة: أوّلها التطبيع الكامل بين إسرائيل والسعودية، من دون غموض أو انتظار.
وثانيها إطار دفاعي ملزم تجاه إيران، سواء عبر اتفاق دفاع مشترك أو آلية أميركية تضمن تدخّلًا واضحًا في أي مواجهة، بما يشمل الدفاع ضد الصواريخ والطائرات المسيّرة.
أما ثالثها فهو تعزيز سلاح الجو الإسرائيلي عبر سرب رابع من مقاتلات F-35 على الأقل، وربما سرب خامس، إلى جانب توسيع مخازن الذخائر الهجومية وزيادة عدد صواريخ الاعتراض. ويضيف إلى ذلك ضرورة زيادة المساعدات العسكرية الأميركية على المدى الطويل، وتثبيت التعاون الإقليمي ضد إيران عبر اتفاق متعدد الأطراف.
وبرغم أن الصفقة تمضي قدمًا في واشنطن، يشدّد يهوشع على أن إسرائيل لم تحصل بعد على أي من هذه الضمانات. ولهذا، فهي مطالبة – كما يقول – بأن تطالب بـ”الحدّ الأقصى” قبل إتمام البيع: لا مجاملات، ولا وعود شفهية، ولا تفاهمات مؤجّلة، بل اتفاقات مكتوبة ومُلزمة تضمن ألا تخرج إسرائيل خاسرة من هذه المعادلة المتغيرة. وفي خلاصة موقفه، يرى يهوشع أن المفارقة قد تجعل من “أسوأ صفقة سلاح بالنسبة لإسرائيل” فرصة استراتيجية استثنائية، شرط أن تُرفق بتسويات سياسية وأمنية عميقة مع السعودية والولايات المتحدة. لكنّه يقرّ بأن المشهد الحالي ما زال بعيدًا عن ذلك، وأن الخطر لا يزال قائمًا ما دامت واشنطن تتقدّم في مسار البيع من دون حزمة تعويضات مغلقة وكاملة
