قبل أقل من ثلاثة أسابيع على أحداث السابع من أكتوبر، وفي سبتمبر 2023، قدّم ولي العهد السعودي محمد بن سلمان تصريحا وُصف حينها بالتاريخي. ففي مقابلة نادرة مع شبكة “فوكس نيوز” قال إن “كل يوم يقرّبنا أكثر من اتفاق مع إسرائيل”. لكن الحرب قلبت المشهد رأسا على عقب، وبينما لا تبدو أي مؤشرات على اقتراب التطبيع بين الرياض وتل أبيب، حقق ابن سلمان ليلة أمس في البيت الأبيض إنجازا كبيرا كان يُعتقد سابقا أنه مرهون بالاتفاق مع إسرائيل.
فقد أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أنه سيوافق على بيع مقاتلات F-35 للسعودية، حتى قبل وصول ابن سلمان إلى البيت الأبيض. غير أن من كان ينتظر إشارة مرتبطة بالمسار الإسرائيلي لم يسمعها. ترامب قال: “..سنقوم بذلك. سنبيع طائرات F-35”، واصفا السعودية بأنها “حليف كبير”. في إسرائيل، كانت المؤشرات قبل الزيارة تميل إلى عدم معارضة الصفقة ما دامت الرياض تربطها بالتطبيع، لكن المسؤولين السعوديين احتفلوا بما وصفوه بـ”الفصل بين الملفات”.
واعتبر مراقبون إسرائيليون أنه بدلا من الضغط على السعودية للذهاب نحو اتفاق مع إسرائيل، اختار ترامب التقدم في الملفات التي يستطيع تحريكها. فبعد ساعات من اللقاء، أعلن البيت الأبيض التوصل إلى اتفاق للتعاون في المجال النووي المدني مع السعودية، إلى جانب صفقة بيع مقاتلات F-35. كما أُعلن أن الرياض ستشتري نحو 300 دبابة أميركية. وجاء في بيان البيت الأبيض: “.. ترامب صادق على الحزمة الأمنية التي تشمل تسليمات مستقبلية من طائرات F-35”.
وبعد ذلك، أعلن ترامب اعترافه بالسعودية كـ”حليف رئيسي من خارج الناتو”، وهو وضع يمنح المملكة مكانة استراتيجية خاصة وتسهيلات عسكرية واقتصادية. ومن شأن هذه الحزمة أن تغيّر موازين القوى في المنطقة، وأن تعزز موقع السعودية كقوة إقليمية وكأول دولة عربية تحصل على المقاتلة الأميركية الأكثر تقدما.
ورغم أن الصفقة ما تزال بحاجة إلى موافقة الكونغرس والرقابة عليها، فإن إدارة ترامب يمكنها الدفع بها خلال السنوات الثلاث المقبلة، وهو أمر قد يعيد رسم ميزان القوى، خصوصا في ظل التحفظات الإسرائيلية المتوقعة. مسؤولون سعوديون قالوا لـ”سي إن إن” إن “الإنجاز الحقيقي هو فصل الصفقة عن ملف التطبيع”، مضيفين “..ترامب لم يربط بيع F-35 بالتطبيع مع إسرائيل”. ومع ذلك، أكد ترامب أن التوصل إلى اتفاق بين الرياض وإسرائيل لا يزال هدفا مركزيا بالنسبة له.
في المقابل، عبّر مسؤول أمني إسرائيلي للشبكة الأميركية بعد اللقاء عن “قلق بالغ” من حصول الرياض على هذه المقاتلات من دون تقدم سياسي مع إسرائيل. وقال: “..لسنوات طويلة عملنا بدقة لضمان ألا يمتلك أي طرف في الشرق الأوسط القدرات نفسها التي نمتلكها. الأمر ليس تفصيلا صغيرا، وليس في صالح إسرائيل”. وفي اليوم السابق للقاء، كشفت صحيفة “يديعوت أحرونوت” أن هيئة الأركان في جيش الاحتلال الإسرائيلي رفعت للحكومة مذكرة مهنية من سلاح الجو تعترض بوضوح على بيع F-35 للسعودية.
المذكرة شددت على أن الحفاظ على التفوق الجوي الإسرائيلي في المنطقة قد يتآكل إذا حصلت دول أخرى على المقاتلة الشبحية المتقدمة أو على طائرات الجيل الخامس، خاصة بالنظر إلى قدرات الاستشعار، والمعالجة، والربط الشبكي التي تمنح إسرائيل أفضلية واضحة. كما حذرت المذكرة من أن المهام التي ينفذها سلاح الجو في “الدائرة الثالثة” تعتمد أساسا على التفرد الإسرائيلي بهذه المنصة، ما يمكّن من تنفيذ عمليات سرية وبعيدة المدى. فقدان هذه الحصرية سيغير قواعد اللعبة إذا امتلكت جيوش أخرى — بينها السعودية — الطائرة ذاتها.
ابن سلمان حظي باستقبال يليق بالملوك في واشنطن. وُضع بساط أحمر أمام مدخل البيت الأبيض، وصافح الرئيس الأميركي، ثم نظر الاثنان إلى السماء بينما حلّقت مقاتلات — يُرجح أنها من طراز F-35 — في عرض جوي احتفالا بوصول ولي العهد. وبعد جولة في البيت الأبيض، توجّه الزعيمان إلى المكتب البيضاوي للحديث مع الصحفيين.
وأكد ترامب أن السعودية ستحصل على مقاتلات F-35، وأنها ستكون “بالطراز ذاته الذي حصلت عليه إسرائيل”، وأضاف أن السعودية “حليف رائع، تماما مثل إسرائيل”. وبرغم التحفظات داخل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، قال ترامب إن إسرائيل ستكون “سعيدة جدا” بالصفقة.
