الأحد  23 تشرين الثاني 2025
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

غزة: كارثة نفسية جماعية غير مسبوقة

2025-11-23 12:26:33 PM
غزة: كارثة نفسية جماعية غير مسبوقة
أرشيفية

الحدث الفلسطيني

على الرغم من انتهاء الحرب الإسرائيلية التي بدأت في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، وأسفرت عن استشهاد وإصابة أكثر من 238 ألف فلسطيني، معظمهم من الأطفال والنساء، إضافة إلى أكثر من 11 ألف مفقود، ومجاعة أودت بحياة كثيرين، فضلًا عن دمار شامل طال معظم مناطق القطاع، إلا أن قطاع غزة مازال يعاني من تداعيته، خاصةً مع استمرار خروقاته.

ولا شك أن الاحتلال وخلال الحرب المدمرة قتل الإنسان والحيوان ودمر الحجر والشجر، إلا أن الحالة النفسية والاضطرابات النفسية للسكان هي الأكثر خطورة، حيث أكد مختصون أن القطاع يمر بكارثة نفسية غير مسبوقة، حيث ترتفع معدلات الاضطرابات النفسية التي يعانيها الناجون من هذه الإبادة.

وقد كشف هشام المدلل، مدير دائرة الصحة النفسية بوزارة الصحة في غزة، اليوم الأحد 23 نوفمبر 2025، أن القطاع يمر بحالة كارثة نفسية جماعية غير مسبوقة يعيشها معظم السكان بعد حرب الإبادة الإسرائيلية.

وأوضح، أن الحرب أدت إلى فقدان الأمن والأمان والفقد الجماعي للأحبة والممتلكات، ما خلق موجة صادمة من المشاعر السلبية والعجز لدى المواطنين.

وأكد المدلل، أن الاحتلال دمّر المستشفى الوحيد للطب النفسي وسبعة مراكز للعلاج النفسي المجتمعي، ما تسبب في انهيار كامل للبنية التحتية الخاصة بالصحة النفسية.

ولفت إلى أنه نتج عن هذا التدمير نقص حاد في الأدوية النفسية الأساسية، الأمر الذي تسبب في انتكاسات خطيرة لحالات مرضية كانت مستقرة قبل الحرب.

كما تواجه الكوادر الطبية ضغطًا هائلًا في ظل محدودية الإمكانيات، فيما تتزايد حدة الاضطرابات النفسية مثل اضطراب ما بعد الصدمة، والقلق الحاد، والاكتئاب، واضطرابات النوم والسلوك لدى الأطفال. وفق المدلل

وأوضح المدلل، أن الأطفال والنساء والناجين من تحت الركام والطواقم الطبية وذوي الإعاقات هم الأكثر تأثرًا نفسيًا بالمأساة الجارية.

وشدد على أن مستقبل الصحة النفسية في غزة مهدد إن لم يتم الاستثمار في التعافي المجتمعي، داعيًا إلى إعادة بناء البنية النفسية، وتوفير الأدوية، وتوسيع الكوادر وتطوير برامج دعم طويلة الأمد.

ووفق منظمات دولية، فإن احتياجات الصحة النفسية في غزة تزايدت بشكل حاد جراء حرب الإبادة الإسرائيلية، حيث أكدت منظمة الصحة العالمية أن احتياجات الصحة النفسية في قطاع غزة تتزايد بشكل حاد جراء الآثار المدمرة لحرب الإبادة الإسرائيلية، وما خلفته من أوضاع إنسانية صعبة وتدمير للبنية التحتية وتراجع في خدمات الدعم النفسي.

من جهته، حذّر منسق فريق الطوارئ في دائرة الصحة النفسية بجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني في غزة، مصطفى الزعيم، من ارتفاعات غير مسبوقة في معدلات الاضطرابات النفسية التي يعانيها الناجون من الإبادة في قطاع غزة.

وقال الزعيم: إن "المجتمع الفلسطيني يعيش أسوأ أزمة نفسية واجتماعية في تاريخه الحديث"، مشددًا على أن الصدمات التي تعرّض لها الناس تجاوزت حدود القدرة البشرية على التحمّل.

وأضاف أن "ما مرّ به الأهالي من سلسلة متواصلة من الأحداث المروّعة، بدءًا من فقدان المنازل والتهجير القسري، وصولًا إلى انعدام الأمان ونقص الغذاء والدواء والمياه، لم يكن ليتحمله عقل بشري". وتابع: "ما يعيشه أهالي القطاع ليس حدثًا طارئًا، بل حالة يومية من الخوف والرعب، تترك آثارًا نفسية عميقة على جميع فئات المجتمع".

وأشار الزعيم إلى أن "الناجيات من الإبادة يتحملن العبء الأكبر من الحالة النفسية والمعيشية، إذ يجدن أنفسهن مسؤولات عن حماية أسرهن وإدارة شؤون الحياة في ظروف قاسية غير صالحة للعيش"، موضحًا أن "المرأة الغزية لم تعد فقط أمًا أو ربة منزل، بل أصبحت خط الدفاع الأول في مواجهة الضغط النفسي داخل الأسرة".

وأكد أن معظم النساء يعانين اليوم من مستويات مرتفعة من القلق والاكتئاب واضطراب ما بعد الصدمة، فيما اعتبر أن الفئة الأكثر تضررًا من الحرب هم الأطفال، حيث رصدت طواقم الهلال الأحمر ارتفاعًا حادًا في مؤشرات الخوف المزمن، واضطرابات النوم، والتبول اللاإرادي، ونوبات الغضب، وفقدان التركيز.

وبيّن أن مشاهدة القصف المستمر، وسماع أصوات الطائرات، وفقدان الأقارب، جميعها عوامل ترسّخ في الطفل إحساسًا دائمًا بالتهديد. وأضاف أن "طواقم الدعم النفسي في الهلال الأحمر تعمل وفق القدرات المتاحة، وتبذل جهودًا مستمرة لتنفيذ جلسات التفريغ النفسي وزيارات ميدانية للأسر، إضافة إلى تلقي الشكاوى من مراكز الإيواء وغيرها من المناطق".

ولفت الزعيم إلى أن التدخلات النفسية تواجه صعوبات كبيرة بسبب تدمير الاحتلال الإسرائيلي لمراكز الصحة النفسية المتخصصة ونقص الكوادر المدربة، داعيًا المؤسسات الدولية إلى إطلاق برامج طارئة وشاملة لدعم الصحة النفسية، معتبرًا أن إنقاذ المجتمع الفلسطيني من تبعات الحرب النفسية "لا يقل أهمية عن توفير الغذاء والمأوى".

وفي 9 تشرين الأول/أكتوبر الجاري، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب التوصل إلى اتفاق مرحلي بين الاحتلال الإسرائيلي وحركة "حماس"، إثر مفاوضات غير مباشرة في شرم الشيخ، بمشاركة تركيا ومصر وقطر، وبإشراف أميركي.

وبموجب الاتفاق، أطلقت "حماس" في 13 تشرين الأول/أكتوبر سراح 20 أسيرًا إسرائيليًا أحياء، فيما تشير تقديرات إسرائيلية إلى وجود جثامين 28 أسيرًا آخرين، تسلّمت منهم أربعة حتى الآن.

وتشمل المرحلة الثانية من الاتفاق، التي لم تستجب لها إسرائيل حتى الآن، تشكيل "لجنة الإسناد المجتمعي" لتسيير شؤون قطاع غزة ومتابعة تدفّق المساعدات ومشاريع إعادة الإعمار، وسط تحذيرات من أن أي إدارة لا تستند إلى وحدة وطنية وسيادة فلسطينية حقيقية ستبقى عرضة للتفكك والابتزاز السياسي.