في واحدة من أكبر الفضائح التي انفجرت على وسائل التواصل الاجتماعي خلال الأسابيع الماضية، برزت قضية وُصفت بأنها "أكبر سرقة تبرعات في تاريخ غزة"، بعد أن اختفى ما يقارب نصف مليار دولار من أموال جمعيات ومنظمات ودعاة كانوا يطلقون حملات واسعة تحت اسم "وقف الأمة". الحملة التي لمع اسمها خلال الحرب الأخيرة على غزة، اعتمدت إعلانات مكثفة، مؤتمرات إعلامية، وخطابًا دينيًا عاطفيًا قدّمه دعاة مقيمون في إسطنبول حثّوا الناس على التبرع بكافة الوسائل الممكنة، بينما كانت كل الطرق تؤدي إلى صندوق واحد فقط.
المؤسسة التي تقف خلف هذه الحملات تحمل اسم "وقف الأمة" ويديرها أحمد العمري، ويُقال إن معها شبكة من الأسماء المرتبطة بالتنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين. المفاجأة الكبرى التي صدمت الرأي العام هي وجود أكثر من ألفي حملة تبرع منذ عام 2013، دون توفر أي تقارير واضحة حول مصير الأموال أو الجهات التي استفادت منها.
لكن التطور الأكثر دراماتيكية وقع عندما اتهمت حركة حماس نفسها هذه الحملة بالسرقة، مؤكدة أن الأموال التي جُمعت باسم غزة لم تصل إلى أهلها، وهو تصريح رآه كثير من الخبراء بأنه "خلاف على المال" أكثر من كونه كشفًا للفساد.
الفضيحة لم تتوقف عند هذا الحد؛ فقد تبيّن لاحقًا أن الوجوه التي ظهرت في الترويج للحملة هي نفسها الشخصيات البارزة في ما يسمى الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين. اللافت أن الاتحاد حذف منشوراته الداعمة للحملة بصمت تام بعد إثارة القضية، وهو ما فتح أبوابًا واسعة للشكوك والاتهامات.
أما الباحثون والمختصون في شؤون الجماعات والتنظيمات الدينية، فأكدوا أن ما حدث ليس مفاجئًا، بل هو "فصل جديد من مشروع مالي طويل الأمد" يتحرك عبر واجهات خيرية وشعارات دينية، ويجمع ملايين الدولارات التي لا يرى منها أهل غزة شيئًا، ولا يستفيد منها المحتاجون كما يُروّج.
هذه الفضيحة سلطت الضوء مجددًا على ضرورة الرقابة الصارمة على حملات التبرع الرقمية، ووضعت علامات استفهام ضخمة حول الدور الذي تلعبه بعض المؤسسات الدينية والخيرية في استغلال المعاناة الإنسانية لتحقيق مكاسب مالية مشبوهة.
