الإثنين  24 تشرين الثاني 2025
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

قمة العشرين: جنوب أفريقيا تدفع أولويات المهمَّشين إلى الطاولة| بقلم: لما عوّاد

2025-11-24 05:52:23 AM
قمة العشرين: جنوب أفريقيا تدفع أولويات المهمَّشين إلى الطاولة| بقلم: لما عوّاد
لما عوّاد

تبدو قمة العشرين هذا العام أكثر من مجرد اجتماع اقتصادي دولي؛ إنها لحظة سياسية فارقة تكشف حجم التحول الجاري في موازين القوة، خاصة مع انعقاد القمة لأول مرة على أرض أفريقية. جنوب أفريقيا لم تكن مجرد دولة مضيفة، بل كانت صوتًا سياسيًا يجرّب دفع أولويات الجنوب العالمي إلى المقدمة- العدالة المناخية، التنمية العادلة، وتخفيف ديون الدول المثقلة بالأزمات.

الرمزية الأفريقية… العالم يعيد رسم خرائط النفوذ

وجود القمة في جنوب أفريقيا يرسل إشارة واضحة أن القارة لم تعد مجرد هامش لقرارات القوى الكبرى، بل موقعًا قادرًا على المبادرة، هذه الرمزية ليست شكلية؛ فهي تمثل تغير تدريجيًا نحو الاعتراف بأن مشاكل الجنوب الفقر، الديون، عدم المساواة، تغيّر المناخ لا يمكن تجاهلها بعد الآن.

الأهم أن جنوب أفريقيا وظفت موقعها للدفع نحو أجندة تنموية مختلفة، لا تتمحور حول شروط المؤسسات المالية التقليدية، بل حول احتياجات الدول الضعيفة.

المناخ والموارد… اختبار العدالة وليس فقط التنمية

ركز الإعلان الختامي على قضايا المناخ بشكل غير مسبوق. وهذه نقطة جوهرية، لأنها تكشف تحولًا في فهم العالم لأزمة المناخ، لم يعد الحديث عن تخفيض انبعاثات وحسب، بل عن تعويض الدول التي تتحمل آثارًا أكبر رغم كونها الأقل مساهمة في التلوث العالمي.

كما برز موضوع المعادن الحيوية، تلك التي تعتبر أساس الاقتصاد الأخضر كقضية استراتيجية. الطرح الأفريقي هنا هو انتقاله من مجرد تصدير مواد خام إلى المطالبة بـ سلاسل قيمة محلية، أي تصنيع ومعالجة داخل القارة لضمان أن الموارد لا تبقى لعنة، بل أساسًا لنهضة اقتصادية. هذا التحول بحد ذاته يشكل انقلابًا هادئًا على منطق الاستغلال التاريخي الذي عاشته أفريقيا طوال عقود.

الصراعات العالمية… عندما يتحول الاقتصاد إلى سياسة

اللافت أن الإعلان تطرق مباشرة إلى النزاعات في فلسطين، السودان، الكونغو وأوكرانيا، في إشارة مهمة مجموعة العشرين لم تعد تتحدث اقتصادًا فقط، بل تعترف أن التنمية لا تنفصل عن السلام والعدالة السياسية. إدراج القضية الفلسطينية تحديدًا بنبرة واضحة حول "سلام عادل وشامل ودائم" يمثل نجاحًا دبلوماسيًا.

جنوب أفريقيًا؛ ليس مجرد تضامن، بل إعادة القضية إلى طاولة الكبار بعد محاولات لعزلها سياسيًا.  لكن في المقابل، الانقسامات حول النص مثل مقاطعة الولايات المتحدة، وانسحاب الأرجنتين من التفاوض تكشف هشاشة التوافق الدولي، وأن الصراع على النفوذ ما يزال حاضرًا بقوة. هذه الانقسامات لا تُضعف قيمة الإعلان بقدر ما تفضح من يعارض المبادئ التي يدّعي الدفاع عنها.

قمة العشرين في جنوب أفريقيا نجحت في كسر مركزية الشمال العالمي وفتح الباب أمام خطاب جديد في الاقتصاد والمناخ والتنمية.

 لكن النجاح الرمزي يحتاج متابعة سياسية واقتصادية جادة، وإلا ستظل القرارات في خانة الأمنيات.  إنها لحظة اختبار، هل يستطيع الجنوب العالمي تحويل التوافقات إلى قوة فعلية؟ وهل يمكن للعالم أن يتعامل مع المناخ والتنمية والصراعات بمنطق العدالة وليس الهيمنة؟ جنوب أفريقيا وضعت النقاط على الحروف، لكن الطريق ما يزال طويلًا… وما حدث في القمة هو مجرد بداية لمعركة أكبر على شكل العالم القادم.