الحدث 48
كشفت دراسة حديثة، اعتمدت على مئات الاستبيانات والمقابلات الميدانية، عن صورة غير مسبوقة لواقع الطلبة الفلسطينيين في الجامعات الإسرائيلية خلال الحرب، إذ أظهرت أن الحرم الأكاديمي تحوّل بالنسبة لكثيرين منهم إلى فضاء مراقَب يغلّفه الخوف وتضييق التعبير.
الدراسة، التي أعلنت نتائجها جمعية “بلدنا”، ترسم ملامح مرحلة جديدة تتقاطع فيها التجربة التعليمية مع الملاحقة السياسية، وتكشف حجم التوترات التي يعيشها الطلبة في محاولة موازنة انتمائهم الأكاديمي مع الحفاظ على هويتهم وحقهم في المشاركة المدنية.
وبحسب النتائج التي عرضها الباحث الرئيسي د. خالد عنبتاوي، فإن التجربة الجامعية للطلبة الفلسطينيين دخلت مرحلة غير مسبوقة من التوتر خلال العام الأخير، مع اتساع الرقابة الإدارية والأمنية وشعور متزايد بعدم الأمان داخل الحرم الجامعي. وتشير الدراسة إلى أن 68% من الطلبة وصفوا الجامعة بأنها حيز غير آمن للتعبير عن الهوية السياسية، بينما قال 83% إنهم يشعرون بالفخر الأكاديمي بالمؤسسة دون أي انتماء سياسي لها، ما يعكس علاقة مركّبة تجمع بين الطموح التعليمي من جهة، وإحساس دائم بالضغط والملاحقة من جهة أخرى.
وتكشف البيانات أن 45% من الطلبة عاشوا شعورًا مباشرًا بالخوف خلال الأشهر الأخيرة، وهو خوف تجسّد في شهادات متعددة داخل المقابلات الميدانية. أحد الطلبة قال: “كنت أحس إن السؤال الأكاديمي بريء… بس جوابي عليه ممكن يورطني”، في إشارة إلى الخشية من أن تُفسَّر الإجابات أو التعليقات داخل القاعات على أنها مواقف سياسية. فيما وصف طالب آخر تجربته بعبارة تختزل حالة واسعة الانتشار: “تعلمت أمشي بين الكلمات… أحكي بس اللي لازم، وأكتم الباقي”. وترصد الدراسة ظاهرة متزايدة أطلق عليها الباحثون “الصمت بوصفه استراتيجية بقاء”، حيث يلجأ كثير من الطلبة إلى تقليص حضورهم في النقاشات الصفّية وفي الفضاء الرقمي خشية التأويل الأمني أو المثول أمام لجان الطاعة الجامعية. وتوضح المعطيات أن هذه اللجان وسّعت في بعض الحالات تعريف “التحريض” خارج سياقه القانوني، ما جعل الطلبة يشعرون بأن أي تعبير علني قد يتحوّل إلى مادة للمساءلة.
ولا تتوقف الدراسة عند قياس مستويات الخوف، بل ترصد كيف تغيّرت ديناميات الحياة الجامعية اليومية، إذ بات على الطلبة إدارة مشاعر القلق وتجنّب الاحتكاك داخل فضاء سياسي مشحون. وتشير المقابلات إلى أن العلاقة بالمؤسسة الأكاديمية باتت قائمة على معادلة معقدة: التفوق الأكاديمي من جهة، والحذر المستمر من كل ما قد يُقرأ كتعاطف أو انتماء سياسي من جهة أخرى، في ظل قرارات وإجراءات جامعية خلقت بيئة يشعر فيها الطلبة بأنهم مراقبون داخل قاعات الدراسة والأنشطة الجامعية.
وفي نهاية الدراسة، قدّم الباحث توصيات تتضمن العودة بالحرم الجامعي إلى دوره الطبيعي كمساحة آمنة للتعبير والحوار، وإنشاء وحدات دعم نفسي–هوياتي للطلبة، وتوفير مرافقة قانونية دائمة خلال الأزمات، بالإضافة إلى تطوير منصات لرصد الانتهاكات التي يتعرض لها الطلبة العرب. كما تدعو التوصيات إلى تعزيز التنظيم الطلابي العربي المستقل وإعادة الاعتبار للدور المدني للمجتمع في حماية الطلبة وتوثيق تجربتهم، بما يضمن لهم القدرة على الفعل والتنظيم داخل الجامعة دون خوف أو تقييد.
