وثقت صحيفة الحدث الفلسطيني، شهادة أسير من قطاع غزة، أفرج عنه مؤخرا ضمن صفقة تبادل الأسرى الأخيرة بين الاحتلال الإسرائيلي وحركة حماس، عن اغتصابه من قبل الكلاب البوليسية التي تستخدمها قوات القمع التابعة لمصلحة سجون الاحتلال، كجزء من السياسات الإسرائيلية الممنهجة في تعذيب الأسرى الفلسطينيين خاصة من تم اعتقالهم بعد السابع من أكتوبر من داخل قطاع غزة خلال العمليات العسكرية البرية التي شنها جيش الاحتلال الإسرائيلي.
يقول الأسير الذي رفض الكشف عن اسمه، إنه تعرض للاغتصاب بالكلاب التابعة لقوات القمع في مصلحة سجون الاحتلال في معسكر "سديه تمان" الذي وصفه بالجحيم، بهدف كسر الأسير وإهانته وممارسة كل أشكال التعذيب والإجرام بحقه، مشيرا إلى أن الأمر "غاية في الخطورة"، كما أن هناك العديد من الاعتداءات التي تعجز اللغة عن وصفها.
وأضاف أنه تعرض للاعتداء من قبل الكلاب البوليسية عدة مرات، في معسكر "سديه تمان"، حيث تبولت الكلاب عليه وهو عار ومجرد من ملابسه. ويوضح، أنه تم اعتقاله لمدة 97 يوما في معسكر سديه تمان، قضاها مكبل الأيدي والأرجل ومعصوب العينين ومشبوحا طوال الوقت ورأسه في الأرض.
وأوضح أنه اعتقل لمدة 20 شهرا، منها 97 يوما سديه تمان، وفي عوفر 30 يوما، وفي سجن النقب سنة و3 أشهر.
وعن التعذيب يقول الأسير، إن قوات الاحتلال كانت تنفذ قمعات ليلية شبه يومية، يستمر فيها الضرب والتعذيب لساعات متواصلة، خلالها يتم استخدام قنابل الغاز والصوت وغاز الفلفل والكلاب البوليسية التي تعتدي على الأسرى وتشارك في عمليات الاغتصاب، وفق قوله، حيث أدى ذلك لمضاعفات صحية جعلته يتبول دما لمدة شهرين متواصلين.
ووفق الأسير، فإن الشاباك ومخابرات الاحتلال، يستخدمون ما يسمى "الديسكو"، حيث يضعون الأسير في غرفة مغلقة ويتم تشغيل أصوات موسيقى صاخبة للغاية مؤذية للأذن لأيام متواصلة. ويوضح، أن "كل جولة من التحقيق تستمر من الثامنة صباحا وحتى العاشرة مساء، على كرسي حديدي وهو مقيد وممنوع من النوم.
ويوضح كذلك، أنه نتيجة للتعذيب وسياسات مصلحة سجون الاحتلال التنكيلية الممنهجة والتعذيب الشديد؛ انخفض وزنه إلى 39 كيلو غرام. كما أشار إلى أنه أصيب في كسر في الجمجمة وكسور في أضلاع الصدر وجروح بليغة وصعق بالكهرباء وحرق بالماء الساخن.
كما تعرض وفق ما أكد لـ صحيفة الحدث، لإطفاء أعقاب السجائر بجسده وتبول الجنود على وجهه، بالإضافة إلى الإهانة عبر التفتيش العاري والإذلال عند الحصول على الطعام حيث يتم الدوس على الطعام قبل تقديمه للأسرى بنوعيته الرديئة وكميته الشحيحة.
وعن واحدة من القمعات الليلية، يروي الأسير، أن الجنود وضعوهم مقيدي الأيدي على بطونهم، ومعصوبي الأعين، وتم اختيار 7 أسرى أخذوا إلى مكان قريب، يقول الأسير إنه خال من الكاميرات، حيث تم تعرية الأسرى السبعة وجعلوا الكلاب تصعد على أجسادهم العارية، تحت القوة والضرب والتعذيب.
وأضاف: من شدة الصراخ وأنا أقاوم الكلب، ضربوني على رأسي وأصبت حينها بكسر في الجمجمة وجرح كبير تم تغريزي على إثره ميدانيا دون بنج من خلف السياج بنحو 7 غرز.
وفي مشهد آخر، يروي الأسير: تم ربط خصيتيّ بمربط بلاستيك لمدة ما يقارب 3 ساعات مع الضرب الشديد عليهنّ وبقيت أتبول دما لمدة شهرين تقريبا.
وأوضح، أن كل جولة يجريها وزير الأمن الداخلي لدى الاحتلال إيتمار بن غفير داخل السجون يعقبها تشديد مزيد من ظروف الاعتقال وسن عقوبات جديدة وتضييقات تشمل الطعام والشراب واستخدام المياه والملابس والخروج للفورة والتوجه لعيادة السجن واللقاء بالمحامين واستخدام الأدوات الشخصية واستخدام دورات المياه وأداء العبادات وغيرها.
ووفق الأسير، فإن الاكتظاظ في غرف الأسرى بات سياسة يلجأ لها الاحتلال حيث يضع في الغرفة الواحدة ضعف العدد الذي يمكن أن تستوعبه، ونصف الأسرى في كثير من الغرف يضطرون للنوم على البلاط دون توفر أي فرشات أو أغطية رغم أن الفرشات والأغطية الموجودة إن توفرت، لا تصلح للاستخدام الحيواني.
وأكد، أن التضييق يشمل التحكم في خصوصية وحياة الأسير داخل الغرفة ذاتها حيث وصل عدد كاميرات المراقبة التي يتم وضعها داخل الغرفة نفسها إلى 4 كاميرات تنقل الصورة والصوت وكل ما يجري من حديث داخل الغرف بين الأسرى، وتتم مراجعتهم به أولا بأول عبر استخبارات السجن.
كما تم تقليص مدة الفورة لتصل أحيانا إلى 15 دقيقة في كل يومين، ما يعني 7 دقائق في اليوم الواحد، وفي كثير من الأحيان يتم حرمان الأسرى منها.
وأشار إلى أنه يتم قطع المياه عن الغرف والأقسام لساعات طويلة وحرمان الأسرى منها، وخاصة في السجون الصحراوية، حيث يحرم الأسرى من استخدام الماء سواء ماء الشرب أو الحمام، وفي بعض الأحيان يتم السماح بالمياه مدة ساعة أسبوعيا ولا تستطيع الأعداد الكبيرة من الأسرى استخدام الماء للاستحمام.
ويشير إلى أن "الغرف مكتظة فقد يصل في بعض الأحيان في الغرفة البالغة مساحتها 50 مترا 50 شخصا، بما يوازي مترا مربعا واحدا لكل أسير.
وذكر، أن إدارة سجون الاحتلال الإسرائيلية منعت الأسرى في مختلف السجون من استخدام المصحف وحظرت قراءته في الغرف والأقسام ومن يضبط بحوزته مصحف يتم التحقيق معه وتعذيبه ويوضع بالعزل الانفرادي لأيام طويلة بسبب ذلك.
أما على صعيد الطعام فهو قليل جدا ويتم تقديمه بنظام عينات، يضطر الأسرى لتجميع ما يتم الحصول عليه خلال اليوم والإفطار عليه بعد أذان المغرب في محاولة منهم للشعور بالشبع، وذلك كله بالتزامن مع البرد الذي يتحول إلى أداة تعذيبٍ صامتة تنخر الأجساد وتكسر العظام، خاصة في ظل عدم وجود أغطية، ولا ملابس إضافية، ولا ماء دافئ منذ عامين، حيث يواجه الأسرى الصقيع بملابس مهترئة لا تقيهم البرد، و"قضينا الشتاء باربعنيته في صحراء النقب بلباس الصيف الذي هو عبارة عن بلوزة نصف كم مهترئة وكنا ننام على الأرض".
وأوضح أن إدارة مصلحة سجون الاحتلال دائما ما تستخدم الماء البارد والساخن في حملات القمع، والاستحمام به عقوبة دائمة، بالإضافة إلى أن غياب النظافة القسري الذي زاد من تفشي الأمراض الجلدية والآلام المزمنة والأمراض المعدية.
ووفق الأسير، فإن الاحتلال ينتهج سياسة تغييب الأسرى عن العالم الخارجي، حيث إن بعض الأسرى نساؤهم تزوجت بآخرين لأنه لا يوجد معلومة أنه على قيد الحياة ومعتقل، ظنا أنهم استشهدوا في حرب الإبادة، كما أفرج عن عدد من الأسرى ولم يجدوا أحدا من عائلاتهم، لأن الاحتلال أبادها بالكامل.
يروي الأسير، تفاصيل حول ممارسة وانتهاج سلطات الاحتلال الإسرائيلي لسياسة القتل والإعدام البطيء بحق آلاف الأسرى عبر التعذيب، التجويع، والعزل والإهمال الطبي، ما أدى إلى استشهاد عشرات الأسرى داخل السجون.
ويقول إن الإعدام البطيء ليس بداية الجريمة بل محاولة شرعنة ما يُمارس في سجون الاحتلال منذ عقود من سياسة القتل خارج القانون بغطاء قانوني رسمي، "وحين يصبح القتل قانونًا يصبح الصمت جريمة".
ومن أخطر الأمراض في سجن النقب الذي يصفه الأسرى لشدة التعذيب فيه بأنه "غوانتنامو"؛ مرض السكايبوس المعروف بالجرب الذي يستمر لفترات طويلة دون علاج ما يشكل خطرا كبيرا على حياة الأسرى وصحتهم، يجعلهم يتمنون الموت بعد أن تنتشر الدمامل في كافة أنحاء الجسم بما في ذلك المناطق الحساسة وما يحدثه من تهتك في طبقات الجلد وتفتت في اللحم ورائحة لحم متحلل.
ومؤخرا، ووثق المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان إفادات من عدد من الأسرى والأسيرات، المفرج عنهم من سجون ومعسكرات الاحتجاز الإسرائيلية، كشفت عن ممارسة ممنهجة ومنظمة للتعذيب الجنسي. ووثّق المركز واحدة من أبشع الجرائم التي يمكن أن تُرتكب بحق الإنسان وكرامته، بما في ذلك الاغتصاب، والتعرية، والتصوير القسري، والاعتداء الجنسي بالأدوات والكلاب، إضافةً إلى الإذلال النفسي المتعمد الذي يهدف إلى سحق الكرامة الإنسانية ومحو الهوية الفردية بالكامل.
وأكد المركز أن هذه الشهادات لا تمثل حوادث فردية معزولة، بل تندرج ضمن سياسة منهجية تُمارس في سياق جريمة الإبادة الجماعية المستمرة بحق سكان قطاع غزة، الذين يزيد عددهم عن مليوني إنسان، ومن بينهم آلاف المعتقلين المحتجزين في سجون ومعسكرات إسرائيلية مغلقة أمام الرقابة الدولية، بما في ذلك اللجنة الدولية للصليب الأحمر.
وتكشف الإفادات الموثقة لدى المركز عن شهادات مروعة عن اغتصاب ارتكبته قوات الاحتلال الإسرائيلية بحق مدنيين ومدنيات من بينهم نساء، جرى اعتقالهن من مناطق متفرقة في غزة خلال العامين الماضيين. وتشير الشهادات إلى أن عمليات الاعتقال تمت دون أي مبرر قانوني سوى كون الضحايا من سكان قطاع غزة، ضمن سياسة عقاب جماعي تهدف إلى إذلال الفلسطينيين وإلحاق أقصى درجات الأذى النفسي والجسدي بهم، وتشكل ممارسات ممنهجة تُعدّ أحد أشكال جريمة الإبادة الجماعية المستمرة.
من بين الحالات، امرأة وأم فلسطينية تبلغ 42 عامًا، اعتُقلت عند مرورها من أحد الحواجز الإسرائيلية شمال غزة في نوفمبر 2024، تعرضت لأنماط متعددة من التعذيب والعنف الجنسي، بما في ذلك اغتصابها أربع مرات على يد جنود إسرائيليين، الشتم بألفاظ نابية، التعرية والتصوير القسري، الصعق بالكهرباء، والضرب على جميع أنحاء جسدها. وأوضحت أنّها تعرضت أيضًا للضرب من قبل جندي ملثم روسي بعد محاولة المقاومة، واستمرت الانتهاكات مع تهديدات بنشر صورها على وسائل التواصل الاجتماعي.
كما نشر شهادة رجل فلسطيني يبلغ 41 عامًا، والذي تم اعتقاله في ديسمبر 2023 أثناء نزوحه، وتعرض لتعذيب جنسي لمدة 22 شهرًا، شمل التهديد بإحضار زوجته واغتصابها، والشتم، والضرب، والاغتصاب بواسطة عصا خشبية. ويقول: قام الجنود بوضع عصا خشبية في فتحة الشرج، وكرروا العملية بقوة أكبر، وأجبروني على وضعها في فمي، فقدت وعيي لدقائق، ونزفت كثيرًا من فتحة الشرج، قبل أن تتدخل ضابطة لإيقاف التعذيب.
كما تعرض شاب فلسطيني يبلغ 18 عامًا، للاعتداء الجنسي عند اعتقاله هذا العام قرب أحد مراكز توزيع المساعدات في غزة. وقال: أمرنا الجنود بالجلوس على ركبنا، واغتصبونا باستخدام زجاجة داخل فتحة الشرج، تكررت العملية أربع مرات، وكنت أرى ما يحدث للآخرين كما حدث لي. وقعنا تحت تهديد مستمر لكلب يشارك في الانتهاكات، وانتهكت كرامتنا بشكل كامل.
وأصدر المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان في مايو 2025 تقريرًا يستند إلى 100 إفادة لمعتقلين ومعتقلات أفرج عنهم، موثقًا أساليب التعذيب الوحشية، المعاملة المهينة، وظروف الاحتجاز اللاإنسانية داخل سجون ومعسكرات الاحتلال. وخلص التقرير إلى أن هذه الانتهاكات لا تندرج فقط ضمن التعذيب وفق القانون الدولي، بل تُرتقي إلى جريمة إبادة جماعية من خلال: التسبب بأذى جسدي أو نفسي خطير لأعضاء المجموعة، فرض ظروف معيشية متعمدة لتدمير المجموعة ماديًا أو جزئيًا.
