#الحدث- وكالات
"في عام 2014، خلال قمة مجموعة العشرين بمدينة بريسبان الأسترالية تعرض الرئيس الروسي لعملية تخويف من زعماء الغرب. لكنهم الآن يدركون أنهم في حاجة إليه" .
هكذا استهلت صحيفة الجارديان تقريرا لها حول صعود أسهم بوتين على الساحة الدولية مقارنة بعام مضى.
وأضافت: “يا له من فارق تفعله الحروب. فمنذ 12 شهرا فحسب، خلال قمة مجموعة العشرين في بريسبان، اصطف زعماء الغرب بنهم لنهش جسد الرئيس الروسي في أعقاب تدخله المسلح في أوكرانيا وضمه غير المشروع للقرم".
وخلال القمة المذكورة، حذره أوباما من أنه بات معزولا دوليا، كما أخبره كاميرون أنه ليس محل ثقة بالنسبة له.
بل أن رئيس وزراء كندا آنذاك ستيفن هاربر قال له بشكل فظ: “اخرج من أوكرانيا".
وفي رد فعل غاضب على فرض عقوبات على روسيا، قال بوتين وقتها إن زعماء الغرب أغلقوا عقولهم، ويجعلون الأمر يتزايد سوءا بمعاقبة موسكو.
لكن استمرت الانتقادات دون هوادة خلال القمة التي غادرها بوتين مبكرا، في حالة تبرم.
بيد أن الوضع تغير خلال قمة مجموعة العشرين بتركيا، حيث ظهر بوتين في اجتماعات ودودة، ودخل في محادثات حميمية مع أوباما، ومستشارة الأمن القومي الأمريكية سوزان رايس.
كما ذكرت تقارير أنه عقد محادثات بناءة مع كاميرون وزعماء آخرين.
لم يعد بوتين منبوذا أو معرضا للتخويف، بل بات الشخص الذي يرغب الكل في مقابلته.
السر وراء ذلك ليس لغزا. فتحت وطأة هجوم بلا رحمة من داعش، وأزمة اللاجئين، وتطلعات إنهاء الحرب في سوريا، خلص قادة أوروبا إلى استنتاج غير مريح، مفاده أنهم يحتاجون روسيا.
متحدثا في أعقاب هجمات داعش في باريس، دعا الرئيس الفرنسي السابق نيكولاس ساركوزي إلى تحالف دولي يشمل الجميع لمحاربة داعش.
ومضى يقول: “نحتاج الجميع من أجل محو داعش، بما في ذلك الروس. لا ينبغي أن يكون في روسيا ائتلافان".
فرانسوا أولاند ردد نفس دعوة سلفه ساركوزي المتعلقة بتحالف عسكري دولي بالتنسيق مع روسيا، حينما خاطب البرلمان الفرنسي أمس الإثنين.
وكذلك اتخذ رئيس الوزراء البريطاني خطا مشابها، عندما حث بوتين على تركيز النيران الروسية على داعش بدلا من الجيش السوري الحر الذي يدعمه الغرب.
وأشار كاميرون إلى أن بريطانيا مستعدة لحلول وسطية حول مرحلة انتقالية في سوريا.
البيت الأبيض ذكر أن أوباما وبوتين اتفقا على الحاجة لـ "عملية سياسية انتقالية في سوريا، تسبقها مفاوضات بوساطة أممية بين المعارضة السورية والنظام، ووقف إطلاق نار".
وتابع التقرير المطول: "أولا اكتسب بوتين الاعتراف الغربي بأن قوات الجيش الروسي تمتلك دورا مشروعا في سوريا، مقابل وعود مبهمة بالتعاون مع التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة، وعدم إطلاق النار على "الأشخاص الطيبين".
ويمثل ذلك ارتدادا كاملا عن الموقف الأمريكي المبدئي، الذي كان غير مرحب بالتدخل الروسي، ويحكم عليه بالفشل.
مثل هذا الفهم الجديد يمنح بوتين الغطاء السياسي الذي يحتاجه داخل بلده، بعد اعتراف موسكو المتأخر بأن قنبلة أسقطت طائرة الإيرباص في سيناء، وهو التفجير الذي قتل تقريبا ضعف ما أسفر عنه هجمات باريس.
وذكر بوتين الثلاثاء أن بلاده سيكثف عمليات القتال، وسرعان ما نفذ كلمته، فأطلق الجيش الروسي صواريخ كروز وشن عمليات قصف بعيدة المدى.
بوتين الآن مطلق اليد، ومن المؤكد أنه سيستغل ذلك، حيث عبر عن ذلك بقوله: " سنبحث عنهم في كل مكان يختبئون فيه( يقصد داعش) وسنعثر عليهم في أي جزء في العالم، ونعاقبهم"
وبالرغم من ذلك فإن هناك مخاوف من إخفاق عملية الانتقام الروسية في التمييز بين الجهاديين والمدنيين.
الأمر الثاني، هو أن أوباما وكاميرون أجبرا على قبول بقاء الرئيس بشار الأسد في منصبه، ربما لفترة 18 شهرا وفقا لما أصر بوتين.
وحتى وقت قريب، كان زعماء الغرب والعرب يطالبون بالرحيل الفوري للأسد.
لكن كاميرون قدم تأكيدات مباشرة بأن أي تسوية سيصاحبها الاعتراف الكامل وحماية المصالح الإستراتيجية الروسية في سوريا، والتي تتضمن قواعد جوية وبحرية بالبحر المتوسط.
ثالثا، يبدو بوتين وقد نجح في كسب قبول ضمني بالوضع الراهن في أوكرانيا.
عمليات القتال في شرق أوكرانيا هدأت في أعقاب اتفاقية مينسك.
لكن روسيا تظل مسيطرة بثبات على القرم، وتحول ضمها غير المشروع لها إلى حقيقة واقعية راسخة.
وذكر مسؤولون أن أوباما أثار قضية أوكرانيا في قمة العشرين بتركيا، لكنه لم يناقش معه إعادة القرم إلى أوكرانيا.
الخلاصة من ذلك هو أن رهان بوتين على الخرق الصارخ للقانون الدولي أثبت جدواه، وخسرت كييف القرم للأبد.
لكن بالرغم من كل هذا، سيكون من الخطأ أن نفسر الأمر باعتباره فقط إعادة اعتبار لفلادمير بوتين، فروسيا لا تزال تحت طائلة العقوبات، وتواجه مشكلات اقتصادية متزامنة، لأسباب بينها سعر النفط المنخفض.
ويظل بوتين كذلك بشكل عميق مشتبها فيه في عيون الزعماء الغرب، الذين يخشون من صحوته.
لكن التفسير الأمريكي المتعجرف بأن بوتين إستراتيجي فقير يبدو خاطئا تماما، فالتدخل الروسي في سوريا، بدلا من أن يضعفها، أعادها إلى مكانتها في صدر المائدة.