الحدث - أحمد بعلوشة
مؤخراً تستطيع ملاحظة الصديقات والأصدقاء يتحدثون عن قروضهم، وصراعهم المستمر من أجل توفير مكان للسكن أو مركبة للحركة، مشروع صغير، أو غير ذلك من الأشياء التي لا يتوفر منها شيئاً دون الذهاب إلى الدين والاقتراض.
أحدهم يقول للآخر: "البنك اشترى قرضي، وأخدت قرض أكبر"، وأخرى أخذت قرضاً عقارياً لتستريح من أزمة الإيجار الشهري، وبعضهم يسحب سيارة حديثة ليستثمر جزءً من وقته الذي يضيع في السيرفيس ومواقف الأجرة، والجميع يتكئ على البنك، أما البنك.. فهو الجاهز دوماً لإعطائك القرض المناسب.
القرض يتضخم، والاحتياجات لدى الناس تزداد مع ارتفاع الأسعار وصعوبة تلبية مطالب العولمة والمتغيرات المتعلقة بالتكنولوجيا وطبيعة الحياة، ما يجعل من القرض وسيلةً سهلة يذهب إليها الناس كلما شعروا بأزمة مالية، ولكن: هل القرض هو حل حقيقي لهذه الأزمة؟
فداء البرغوثي، ناشطة نسوية قالت لـ الحدث أنها سحبت قرضاً بقيمة 60 ألف دولار، منذ ثلاث سنوات ولا زلت تسدد الدفعات المالية المطلوبة منها، والتي ستستمر لثلاث سنوات أخرى، موضحة: "رغم أنها المرة الاولى في حياتي التي ألجأ فيها للقروض... ولكنها كانت مغامرة لشراء قطعة أرض في منطقة سُردا للاستثمار فيها مستقبلا، بمعنى ان لا حاجة فعليا كانت لهذا القرض ولكنه كان من باب الاستثمار. وبالرغم من تأثيره على مستوى رفاهية الأسرة، ولكني فكرت بأنها ستوفر عائداً ماديا بعد فترة من الزمن لي ولافراد أسرتي. وعن شعورها بعد حصولها على القرض، تابعت البرغوثي: "هو شعور المقيد في عنق زجاجة. ولكن على المدى البعيد تبعاتها بالنسبة لي إيجابية إذا بات المستثمرون والمقاولون يقدموا لنا خيارات استثمارية لبناء عمارة على الأرض بمقابل جيد".
ووصفت البرغوثي أسباب الضيق الاقتصادي: "طبعا هناك سوء توزيع لمصادر البلد، وتحكم لفئة متنفذة فيها وارتفاع أسعار الأراضي نتيجة لهذا التحكم والاحتكار، وهذا ما يدفع المواطن العادي إلى الاقتراض".
أحمد سكر محاضر جامعي، يقول لـ الحدث: "لم أتقدم لقرض مسبقاً، ولكني أفكر جديًّا بذلك، بما أنه الحل الأمثل في ظل الظروف الصعبة وارتفاع اسعار المعيشة وأسعار العقارات، حيث أسعى لشراء وحدة سكنية وأتمنى أن أنجح في ذلك". ويؤكد سكر: "ليس هناك بديل وإلا فعليك أن تنتظر وتنتظر وتعتمد على نفسك بموضوع الادخار وهذا يتطلب سنوات طويلة". موضحاً: "لست مجبراً لأخذ قرض إلا في إطار البحث عن حلول أفضل، ولكن تأثير القرض خصوصاً أنَّ رواتبنا كموظفين محدودة، وفي أحيان أخرى تكون هذه القروض سيفاً مسلطاٌ على رقابهم، حيث يضطرون إلى الاقتراض من مؤسسات غير البنوك، وهناك مسألة سلبية فيما يتعلق بالاقتراض وهي الأرباح والفوائد العالية التي تطلبها البنوك مقابل إقراضها لك مبلغاً ماليًّا.
قروض الاستنزاف
وحول أثر هذه القروض عليه، يستأنف سكر: "نعم هي تشكل استنزافاً نفسيًّا وماديًّا للموظف، لكن هذا هو الحل الأقل ضرراً أمام الموظفين الذين يجدون أنفسهم في واقع اقتصادي ومعيشي سيء، عوضاً عن ضيق الأفق مع تزايد أعداد الناس وارتفاع الأسعار والنفقات. مقابل عدم وجود بدائل أو زيادة في الدخل".
ويتابع سكر: "على المستوى النفسي، الاقتراض يشكل نوع من الاستلاب، يشعر الموظف ان امواله تذهب سدى ولا يعرف كيف يمكن أن يستفيد منها، هذا احتراق وظيفي وجزء من هذا الاحتراق ان الموظف يشعر بانه يعمل بلا مقابل او ان المرتب قليل قياسا بجهده، خصوصا إذا كان الأمر يتعلق بالمؤسسات الحكومية".
وفي ذات الجانب، يعقب د. نصر عبد الكريم المحلل الاقتصادي لـ الحدث: "بدأت فكرة التوجه للقروض بالتعاظم بعد منتصف 2007، خاصة عقب الانقسام الفلسطيني الذي خلق حالة حصار وتشاؤم، وتزايد بعد تشكيل حكومة الدكتور سلام فياض 2008، حيث أصبح هناك اطمئنان أكثر للمستقبل الاقتصادي الفلسطيني، مع وجود أفق سياسي وجو من التفائل نسبياً بشكل افضل مما كان".
وأكمل عبد الكريم: "هذا الجو العام والجو الذي أشيع عن استقرار دفع الرواتب؛ حمَّس المواطنين للتوجه إلى القروض وشجَّع البنوك ايضا لان مصلحتها تكمن في تحقيق الفوائد والأرباح. خاصة أنه نسبة التسهيلات كانت متدنية بمقدار حوالي 2 مليار،
فتلاقت مصالح البنوك مع مصالح الناس".
وحول ما يدفع المواطنين إلى الاقتراض، أوضح عبد الكريم: "الذي يدفع المواطن هو أن دخل معظم المواطنين خصوصا القطاع العام غير كاف ولا يلبي الحاجات الاساسية، وحتى يلبي هذه الحاجات.. لا بد أن يقترض، وهذه القروض -تحديداً الشخصية منها - تدر أرباحاً على البنوك وهي مرهونة بالراتب وهناك تلاقي للمصالح وطرق جديدة لضمان الحقوق".
وأشار عبد الكريم إلى ضرورة العمل على توفير قروض انتاجية من شأنها تحسين الاقتصاد الفلسطيني بعيداً عن القروض الاستهلاكية التي تزيد أحياناً من العبء الواقع على المواطن، مضيفاً: "نحتاج جهات مصرفية قادرة على خلق قروض انتاجية تفيد الناس وتخلق وظائف وتحسن من الحالة الاقتصادية والناتج المحلي. ربما يكون هناك توجه لقروض انتاجية طويلة الاجل وربما ترحب البنوك بهذا الامر لأن المخاطر فيه محسوبة وهذا يرفع عنها -البنوك- الضغط، ويحرك الأموال".
توسع الائتمان من قبل البنوك في السنوات الأخيرة خلق حالةً من التشبع في السوق؛ فأصبحت البنوك تجد صعوبة في إيجاد مقترض جيد بمخاطر قليلة وربما صعوبة في توفير السيولة، خاصة في ظل ندرة فرص العمل اقل ووجود عقبات في الاقتصاد الفلسطيني اجمالاً، ما يعني صعوبة عودة دائرة القروض إلى البنوك ثانية، وتحت هذا الضغط، يصبح متطلباً ان تبحث البنوك اكثر عن القروض الانتاجية لانها توظف الاموال وليس العكس.
يُشار إلى أن البنوك الفسلطينية تبحث بشكل دائم عن طرق لجلب مقترضين جيدين قادرين على تسديد هذه القروض، وتحاول وضع تسهيلات تشجع العملاء على الاقتراض.