الإثنين  29 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

التكتك الفلسطيني/ بقلم: أحمد زكارنة

2016-10-25 10:00:07 AM
التكتك الفلسطيني/ بقلم: أحمد زكارنة
أحمد زكارنة

 

أن يتحرك نصفك الأيمن، عكس حركة نصفك الأيسر، يعني أنك تسمي -بلا تردد، ولا غبش، ولا شك، ولا تأويل- الأب الشرعي لتناقضك مع ذاتك بشروطٍ أنت من حدد أولوياتها ووضع خطها العام والمفصل في آن.

 

نعم لم يصل اختراع التكتك "المصري الشهير، الهندي المنشأ" إلى كافة المدن والمحافظات الفلسطينية كما الحال في مصر وبعض مناطق القطاع، وأظنه لن يصل إليها في المنظور القريب على أقل تقدير، لكنَّ ما فجره سائق التكتك المصري مؤخراً من صرخة مدوية هزت أركان أم الدنيا، نتيجة التعقيدات الاقتصادية والاجتماعية الناجمة عن تخبط الحالة السياسية في مصر منذ العام 2011 تحديداً، هذه الصرخة ودون مبالغة تذكر، تكاد تُسمع في كل صدر فلسطيني في الداخل والخارج على حد سواء.

 

فقدان الأمل المؤدي حتماً إلى الشعور بالعجز، كان بمثابة الوصفة الجاهزة لدخول شريحة واسعة من المجتمع في حالة من اليأس والإحباط وصولاً إلى الإحساس بالعدمية، ما جعل آخر الإحصائيات تشير بشكل واضح وصريح إلى نتيجة مفادها: "أن خمسة شباب من أصل ستة يفكرون جدياً في خيار الهجرة بعيداً عن هذه البلاد".

 

العناد ما بين الهوية والذات بناء على هذه النتيجة الإحصائية، إن صح الإسقاط على تفسير إدوارد سعيد في كتاب الاستشراق، وهو الذي لم يطرحه باعتباره عناد بين طرفين، وإنما عناد طرف واحد في مواجهة الآخر النقيض، وبعيداً عن تصنيف البشر بين مؤيد ومعارض، مؤمن وكافر، سيودي بنا إلى كارثة محققة، كنتاج طبيعي إما لحالة انفجار بات وشيكاً، وإما لحالة استسلام تمثلت وما زالت في فكرة الهروب، لشعب لم يعرف عنه إلا الصمود والعناد، والخيار الأخير هذا لا يقل خطورة عن الخيار الأول بأيّ حال من الأحوال، خاصة ونحن نتحدث عن شعب ما زال يبحث عن حريته المنشودة بالمعنى الدقيق لمفهوم الحرية.

 

حرية الوطن من المحتل، حرية الحركة، حرية الرأي والتعبير، حرية تقرير المصير بأمن وأمان في وطن نتشارك فيه جميعاً، ليس لأنه أجمل الأوطان حسب التعبير العاطفي لأي مواطن في هذا الوطن أو ذاك، ولكن لأنه البيت الكبير، والأسرة الصغيرة، لأنه يوم الآباء بكل تفاصيله وغد الأبناء بكل تطلعاته، لأنه باختصار شديد وبساطة أشد، الوطن الذي لا وطن لنا غيره.

 

هذا المعنى النظري، يوازي تماماً المعنى العملي في علم القياس، إنْ فكَّرنا في نظرية تآمر الصياد على الفريسة، لا تواطؤ الفريسة مع الصياد في التآمر على نفسها، من هنا علينا أن ننظر للأمر باعتباره أمر حياة أو موت، فما بين النصر والهزيمة بالمعنى المجازي، سوى دقيقة، وبالمعنى الواقعي، موقف، ذلك لأنَّ الطريق نحو الهدف طريق القوة لا الضعف، طريقة المواجهة لا الهروب، طريق الكرامة لا المهانة، كلمة الحق لا النفاق والمهادنة.

 

إنَّ كلَّ قدراتنا وبراعتنا وذكائنا ودهائنا الذي لم نستخدمه أو نوظفه يوماً إلا ضد أنفسنا، دفع أحد القادة الأصدقاء، ليكتب بالخط العريض على صفحته الشخصية قائلا: " ثمة حزن غليظ يتعربش شبابيك البلد"، فيما ذهب قيادي آخر وهو سفير سابق للتعبير عن الحالة تحت عنوان توهان: "وأنا أيضا تائه، طرحت سؤالاً، من يقرع الجرس؟ حصلت على عدة ردود، لا تحمل أي إجابة، بحثت لعل وعسى، فوجدت أحدهم يطلب منى دعاء، وآخر رحمة وثالث أنشرها، شحدة ديجيتال"، بينما لخص أحد سدنة الثقافة المشهد قائلاً: "أكثر الأماكن عديمة الفائدة هي أماكن الانتظار".

 

نعم نحن في قاعة الانتظار الكبرى، لا يوجد لدينا تكتك، ولم يدعي أحد منا أنه "خريج تكتك" على حد صرخة المصري الشهير، ولكن كل ما ذُكر أعلاه، وعبرت عنه هذه الشريحة المذكورة من النخب، إنما يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أنَّ هذه الأصوات وغيرها، هي أصوات التكتك الفلسطيني وناسه الصامتين حتى اللحظة، فلا تدفعوهم للصراخ، نحن خريجي التكتك الفلسطيني وناسه.