الأربعاء  02 تموز 2025
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

متابعة الحدث | الطريق إلى تل أبيب.. فكرة محفوفة بالسم

2017-10-31 05:16:16 AM
متابعة الحدث | الطريق إلى تل أبيب.. فكرة محفوفة بالسم
تعبيرية

 

الحدث- علاء صبيحات

 

نصف الموت موزّع على عدد لا بأس به من أكواب السم ..والعجيب في مثل هذه الأكواب أنك في النظرتين سواء ..أنظرت للنصف الفارغ فهو موت أو الملآن فهو موت أيضا، كلاهما قاتل ..الانتظار والسم.

 

قد لا يمكن وصف المشاعر مهما نسجتَ حروفا وابتدعتَ كلاما ..لكنك على الأقل قد تتمكن من وصف تلاطم أمواج الأحاسيس في قلب خافق بالموت والحنان والألم والاشتياق وجهل المصير ..فذلك الشعور الأقرب للخواء الذي يصيب الفاقدين أملا ..أو حياة ..أو روحا أو شخصا ما ..الذي يتشكّل فوق الحجاب الحاجز وتحت القلب ملاصقا لطرف الرئتين ...نازعا البركة من كل فكرة محفوفة بخطر الفرح ...لا يصيب كل الناس ولا يعرفه كل الناس.. يعيشه المظلوم البعيد المجبر على عيش مرحلة لا يدري ما الأسوأ فيها.

 

ففكرة أن تستفيق داخل غرفة نتنة يقضم فيها رجلك جرذ أحمق.. ورائحة البول تخترق نخاعك المستطيل، عارفا (لا تدري كيف) أن هناك أربعة جدران لكنّك لا تراها.. تعلم ذلك فقط لأنها تكبس على أنفاسك.. تخنقك وتزيد على صدرك ضغطا في كل لحظة تمر إلى الأمام.. تحتاج في الثواني الثلاث الأولى لجرعة لا بأس بها من الأدريناليين لتفهم الكابوس الذي استفقت عليه، فهناك فقط تستفيق متنقلا بين الكوابيس بأحجامها وألوانها وتفصيلاتها.. أو أقول الخوازيق علّها تصف أكثر.

 

استرجع كفاح آخر ما يذكره تحت كلام البنادق ..وقصة كأس القهوة الملعون الذي جرح الجندي في وجهه.. ثم الصمت العميق بعد أن عُرض عليه شريط حياته بتراتبية غريبة ...وصولا إلى الاستفاقة من غيبوبة داخل زنزانة التحقيق في جهاز الشاباك..

 

 

الثواني الثلاثة التالية ..سُحل إلى مكاتب التحقيق ..ثيابه ممزقة ووجه دامٍ وريح صرص عاتية في الخارج ..أُجلس على كرسيّ بذاته خازوق ..جلس قرب نافذة مُشرّعة من جهة ظهره ومكيّف الهواء أشعل على أقل درجة حرارة ..تركوه نصف عارٍ 18 ساعة ..سقط عن الكرسي خلالها مرات عدّة وأعيد رفعه إليها من قبل أشياء تشبه البشر.. لكنها نسخة أضخم أو تطور دارويني أخفي عن أعين البشر حتى يبقى حكرا في مكاتب الشاباك.

 

تُرك جالسا كل هذه المدة ولم يُسأل سؤالا واحدا... ولا حتى عن سبب تواجده في منطقة يُمنع دخوله إليها..وتكرر ذات السيناريو لثلاثة أيام على التوالي... يجلس يسقط يُرفع يجلس يسقط يُرفع، تدخل جسده خوازيق من الهواء والبرد..ازرقّ جسده وجفّ جلده وخاب ظنّه.. أصبح مهيأٌ للإجابة عن أي سؤال.. فما فيه من ألم لا يمكن أن يوصف... جسدي نفسي تراكمي، ولا أفكار محفوفة بالفرح هناك.

 

لا يملك من أمره شيئا حتى التبول ..لا بل أنفاسه يأخذها بالإذن ..يخرج من مأزق الكرسي ليُعاد إلى داخل الكهف المعتم ذو الرائحة النتنة، الذي كثيرا ما استفاق فيه إما على حركة الجرذان فوق جسده المُنهك.. او بسبب "سطل" من المياه الباردة أو المبرّدة جيدا .."ينعفه" الداروينيين خلال ساعات استراحة ما بين الموتين..كل هذا وأكثر.

 

لقراءة الحلقة السابقة من الطريق إلى تل أبيب إضغط هنا

 

يتبع....