الجمعة  19 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

التحرش والمعاكسة... جرائم مجتمعية بقلم: رائد الحلبي

2018-08-24 09:46:57 PM
التحرش والمعاكسة... جرائم مجتمعية
بقلم: رائد الحلبي
رائد حلبي

إن إلقاء الضوء على الظواهر التي تحيط مجتمعنا سواء كانت إيجابية أو سلبية، هو واجب كل من تلفت انتباهه ظاهرة معينة، فالمجتمع يتقدم أو يتأخر وفق عيون وتوجهات وقناعات وآمال وطموح أو يأس واحباط أفراده، لسنا بحاجة الى التعمق بالتفكير حين نصل الى نتيجة ان الظواهر الاجتماعية ترتبط بعضها ببعض سواء كانت ظواهر نريد تعزيزها او محاربتها والقضاء عليها، وهنا بين هذه السطور سألقي الضوء على ظاهرة مقيتة واعتبرها طعنة في خاصرة كل واحد منا سواء أراد تغييرها أو اعتبر نفسه محايدا منها  أو قام بتعزيزها ، ألا وهي ظاهرة التحرش ومعاكسة الصبايا في الشوارع والأزقة في كل مدننا، هذه الظاهرة الآخذة بالتزايد بل والتنوع حتى بلغت الجرأة بممارستها أقصى حالات الوقاحة حتى الآن سواء عن جهل او وعي، ولا أحد منا يدرك ما سينجبه المستقبل من وقاحة أعلي في ظل غياب أسس التماسك المجتمعي، وهنا أوجه رسالة الى كل من يسمح لنفسه بممارسة هذه الظاهرة وتعزيزها.

عزيزي المتحرش أو المعاكس أو المتسكع في الشارع، أو الباحث عن تجمعات الصبايا باب مدارسهم وجامعاتهم والمترصد لكل صبية تمشي في هذا الشارع أو ذاك، هل تعلم ما هي الأسباب التي تدفعك لممارسة هذه الظاهرة التي تجعل منك منبوذا في الشارع والمجتمع، فمهما بلغ عدد المتحرشين بأي شكل من الأشكال انما هذا يعني زيادة نسبة المنبوذين في المجتمع وسأعطيك مثلا على ذلك، ان ازدياد نسبة متعاطين المخدرات لا يجعل من المخدرات مبررا مجتمعيا أو يخلق لها فائدة، تبقى المخدرات مخدرات والمتعاطين مدمنين بحاجة الى علاج، وانت كذلك بحاجة الى علاج نفسي اجتماعي اخلاقي سواء كان رادعا او أو ارشادي، فأنت تجعل من صورة مجتمعنا صورة يمقتها كل عفيف، أنت مثال سيء ووضيع للشاب الفلسطيني الذي نحلم بقدراته ونراهن على انه سيجلب لنا مستقبلا أفضل، إن بقينا نرى أملا بمستقبل.

عزيزي المتحرش أو المعاكس، هل تعلم انه لا يوجد لك أي مبررا لممارسة هذا السلوك، ودعني اناقشك بشتى أسبابك ومبرراتك وحتى قناعاتك أنت، سأمنحك فرصة ان اجعل منك إنسانا مؤهل للنقاش، وكل رجائي ان تمنح نفسك فرصة ان تكون إنسان، ففعلتك  هي جريمة مهما حاول البعض تبسيطها والتقليل من شانها،  بداية دعني أبدأ معك من السبب الرئيسي الذي جعلك متفرغا بوجودك الكلي بالشارع دون عمل إذا كنت من هؤلاء الذين لا يملكون شيئا ليفعلوه فيصبوا جام غضبهم ورفضهم بل وقرفهم اليومي على بنات مجتمعه وشعبه وقضيته، عزيزي ان بنت بلدك ليست سبب بطالتك وضياع وقتك هباء لتصب جام وقاحتك وما تملك معدتك من قرف عليها، بل انه النظام القائم الذي جعل منك عابر سبيل لهذه الحياة  فإذا كنت حقا رافضا لواقعك وغاضبا يمكن لك ان تمارس غضبك وهذا حقك على النظام الذي يحرص على ان تبقى وجهتك ضائعة، فإذا أصريت على ممارسة وقاحتك على بنات مجتمعة فهذا يعني فقط شيء واحد وهو أنك تصر على وضع نفسك ضمن قائمة المنبوذين الذين لا نحب ان نراهم حين يبزغ فجر حريتنا، هذا يعني انك جبان ضعيف لا قيمة انسانية لك وهذا كله برعايتك، الأولى بك ان ترفض ان تكون ضحية لأحد بدل من الاستسلام لكونك ضحية، وان كنت من أولئك الذين يقولون ان لباس البنات هو ما يدفعنا للمعاكسة والتحرش فهذا أولا مبررا وضيعا آخر، إذ ان من يتعرضن للمعاكسة والتحرش في مجتمعك هن المحتشمات (وفق تعبيرك) قبل غير المحتشمات أيضا (وفق تعبيرك) هذه من ناحية بسيطة ولكن الأهم هنا والذي أود ان الفت انتباهك له هو انك هنا تؤكد على أنك حيوان بري لا يستطيع السيطرة على نفسه، بل ان الحيوان أرقى منك في الوقت الذي اختارتك فيه الطبيعة ان تكون الأرقى، اذ ان الحيوانات أنفسهم لهم معايير وأساليب ممارسة للشيء حتى في القتل والهجوم والافتراس، فلماذا تصر على وضع نفسك في مرتبة دنيا في سلم الطبيعة، فهناك ثقافات وقناعات غيرك تعيش في المجتمع من حقها ان تمارس نفسها سواء بلباسها أو رأيها وليس من حقك ان تفرض مبرراتك الفارغة على الناس، التفت الى نفسك واجعل لك كيانا ورأيا أفضل لك من العيش ككلاب الصيد على قارعة الطريق.

أما إذا كنت من أولئك الذين يعتقدون انهم يمارسون ذكوريتهم بهذه الطريقة ويحكمون على الشرف المجتمعي من خلال شكل بنطال البنات ولباسهم بالشارع، ويفترضون انهم رجال يقدرون على عمل أي شيء وان كافة اخطائهم الاجتماعية والاخلاقية مغتفرة، هنا أود ان ألفت انتباهك الى ان ثقافتك الذكورية المنبطحة تفرض عليك حماية المرأة لأنك ترى فيها (وفق ثقافتك) كائنا ضعيف، وأنت تختار حتى ان تضرب وتخالف ثقافتك الذي أثبت التاريخ المجتمعي زورها، وتختار ان تستقوي على من تفترض انه ضعيف لتكون أضعف منه، ومن ناحية اخرى صدقني ان هناك من ينتهك ذكوريتك بشكل يومي على الحواجز وفي أماكن العبادة وفي جعلك دمية لا قيمة لك في شارع هنا وهناك، ان هناك من ينتهك شرفك من وجهة نظرك انت فمن منا لم يفتش جندي أمه أو اخته او زوجته، من منا لم يتم احتجازه ولو لدقيقة من قبل جندي احتلالي، أنصحك ان تجعل من رجولتك مفخرة بدلا من جعلها (مسخرة)، وهنا أريد ان الفت انتباهك الى ان المرأة الفلسطينية قدمت نفسها بأفضل الأمثلة  وأثبتت انها مثلك قادرة على الصمود والعطاء والقيادة ولها عيوب فردية مثلك، راجع نفسك وارتقي، أما ان كنت من أولئك المرضى بهذه العادة هنا أوصيك ان تذهب وتتلقى علاجا فالعيب هو الابقاء على المرض الاجتماعي والتهرب من علاجه، ان أفضل انواع التربية وانجعها هي تربية الفرد لنفسه بدلا من تلقي هذه التربية على أيدي المحيط، وقدا تطول قائمة مبررات الفارغين ولكني أقول لك لا يوجد هناك مبررا لمن يصر على فقدان انسانيته.

في ختام هذه الأسطر أود ان الفت انتباهك  وانتباه كل من قد يؤيدون رسالة هذه الأسطر او ان يسخروا بها، انا لست من أولئك الذين ينادون بحقوق المرأة الذين كانت اهم انجازاتهم هي اتساع رقعة الفجوة بين أبناء المجتمع الواحد ذكورا واناث من خلال شعاراتهم وأدواتهم العبثية  وهم الآن ليسوا موضع الحديث، ولست مفكرا يطرح نفسه وكأنه مثقف، بل انا ابن الشارع واعتز بذلك وسأبقى كذلك، كل حلمي ان أرى مجتمعي مجتمعا انسانيا ينصف كافة أفراده رجالا ونساء دون تفرقة، دون تفضيل أحد على أحد او جعل أحد قوام على أحد، هذه هي الثقافة الإنسانية التي أراها بكل تواضع  ودون فذلكة مصطلحية تجعل من المنظرين ظاهرة مقرفة تساوي بقرفها ظاهرة المعاكسة والتحرش.