الحدث – ريم أبو لبن
قد تحتاج بعض النساء في بلادي للتسلق خلسة والنهوض من النوم على رائحة قهوة "نادرة" تتصاعد من مقهى "أبو شكري للنساء"، حيث لا مكان للرجال في ذاك المقهى المطل لأول مرة على حكايات تسردها نساء قرية عين يبرود الواقعة شمال شرق مدينة البيرة.
تلك القهوة التي تترصدها النساء في القرية، وهي من صنع رجل قد تجاوز عمره (74) عاماً ويدعى زياد شكري (أبو شكري)، حيث وجد في هذا المحل "الأنثوي" مرتعاً لنساء القرية وما يحيطها من قرى مجاورة كـ (دير دبوان، وسلواد والمزرعة الشرقية)، لاسيما وأن صنع القهوة الأمريكية الخاصة بـ "أبو شكري" كانت تعد فقط في مقهى أعد خصيصا للرجال، دون رائحة الورد التي مصدرها "الإناث".
"والدي هو من عمد على إنشاء مقهى للنساء في القرية، لا سيما وأنه يملك مقهى يحضر إليه الرجال فقط ويقع في وسط القرية، وبالتالي تترد النساء من شراء القهوة وقوفاً من ذاك المقهى وعليه ارتأى والدي بعمل مقهى خاص بهن حتى يتمكن بكل راحة من شرائها". هذا ما قالته لـ"الحدث" لبنى زياد شكري (20) عاماً وهي الابنة الأصغر، حيث تتربع على حكايا النساء وتسمع لقصصهن الكثيرة واليومية في ذاك المقهى "الأنثوي".
30 عاماً مضت من عمر مقهى الرجال، واليوم يمر أسبوع واحد من عمر مقهى "أبو شكري للنساء"، ورغم تلك السنوات الطويلة ما زال "أبو شكري" يحتفظ بلمسته الخاصة في عمل القهوة الأمريكية وبخلطة لا يتقنها سوى أبناءه الذكور، فهي مختلفة في طريقة خلطها لا سيما وأن "أبو شكري" يجلب البن الأصلي من جمهورية كولومبيا وهي ثالث أكبر اقتصاد في أمريكا الجنوبية، ويعتبر البن من أهم صناعاتها.
قالت لبنى مبتسمة: "النساء لا يحصلن على القهوة فقط وإنما على الكعك المحلى (الدوناتس)".
وعند سؤالها عن خلطة القهوة "الفريدة" و التي يعدها والدها قالت: "لم أتعلم تلك الخلطة فهي مميزة ولا أحد يتقنها غير والدي وقد علمها لأخوتي، فهو يعمل على صنع الخلطة وأنا أتعلم وضع المقادير، صنعها يحتاج إلى دقة ومعرفة درجة تحميصها.. هذه الأمور لا أعلم بها فقط أبو شكري".
أضافت بشغف: "ساتعلمها ذات يوم...".
قهوة "أبو شكري" تذوب في ماء نقي 100%، حيث يتم استخدام مياه بئر (أبو خشبة) في إعداد تلك القهوة بحسب ما ذكرت لبنى.
وقالت: "القهوة لدى عين يبرود نقية.. ووالدي لا يعلن عن خلطته لأحد".
وعن ردات فعل النساء في القرية، قالت لبنى: "لقد سعدت نساء القرية وما يحيطها بفكرة إنشاء مقهى للنساء فقط، حيث أنه ولأول مرة تطرح هذه الفكرة في قرية وعادة ما نجدها في المدن".
أضافت: "لم نواجه أي انتقادات، ولكن قد يستغرب البعض من إنشاء مقهى متكامل تجلس فيه النساء، لا أن تأخذ القليل من القهوة وترحل".
واستكملت حديثها: "قد شعرت بالغرابة عندما طالبت النساء بوضع الكراسي داخل المقهى للجلوس وأن لا يقتصر الأمر فقط على بيع القهوة".
فيما أوضحت لبنى بأن النساء يحصلن على القهوة وقوفاً دون الجلوس في المقهى، ويحتسينها في الهواء الطلق دون الجلوس بداخله، غير أن أبو شكري سيعمل على تجهيز المقهى بما يمكنهن من الجلوس لساعات طويلة، حيث قد تنشأ الصداقات وقد تذوب الحكايات "النسائية" في بعضها البعض.
"طالبنا بذلك، ولكن نساء ورجال القرية سينتقدون جلوس الفتيات داخل المقهى، وسيقولون (صار للنسوان مقهى)". هذا ما قالته جنة ذياب (21) عاماً من قرية عين يبرود وهي زبون دائم للمقهى.
أضافت لـ"الحدث": "نحن كنساء نقطن القرية لم نحصل على حقوقنا وأصغر تلك الحقوق هو أن نختلي بقصصنا داخل المقهى.. طالبنا بذلك".
وعن فكرة إنشاء مقهى للنساء فقط، قالت جنة وبها فرح قد تشعر به النساء الأخريات: "هي فكرة جيدة، لاسيما وأننا كنا نشعر بالحرج عندما نقوم بشراء القهوة من مقهى أبو شكري للرجال حيث لا يمكننا الوقوف أمام بوابة الجامع".
وعن لهفة اللقاء الموعود كل صباح، قالت ذياب: "قهوة أبو شكري نكهة كل صباح، ولا أستطيع أن أكمل يومي الجامعي دون أن احتسيها، بها مذاق مميز، حتى لا يستطيع المارون أن يفروا من رائحتها الجميلة، فهي تجذب كل وافد للقرية".
إذا، في ذاك المقهى "الأنثوي" لا تشرب القهوة على عجل، حيث لا ملاذ من الهروب من ذاك المذاق المتميز، هي قهوة أمريكية بخلطة فلسطينية.. فكيف هو المذاق إذا؟