الأحد  05 أيار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

في زمن الحرب.. غرفة صفية أم حمّام عام؟

2014-12-23 01:33:42 AM
 في زمن الحرب.. غرفة صفية أم حمّام عام؟
صورة ارشيفية

ثائر ثابت

كلاهما يتساقطان بإيقاع خاص، لكنْ بفارق زمني بسيط، قذائف حربية إسرائيلية تهشم جدران المنازل المتراصة، وقطرات ماء تغسل جسد طفل صغير داخل مدرسة يعلوها علم وكالة الغوث الدولية.
هذا المشهد استطاع أن يوثقه المصور الصحفي مجدي فتحي (34 عاماً) من قطاع غزة، بصورة فوتوغرافية حازت على المركز الأول في مسابقة مهرجان الشارقة للصورة العربية ضمن محور الصورة الصحفية، والتي تم الإعلان عن نتائجها في السادس والعشرين من شهر تشرين الثاني الفائت.
في الغرفة الصفية التي لا يتذكر المصور رقمها، تظهر السبورة كاملة وفوقها بعض "الخربشات" ربما رسمها النازحون الأطفال، وهم يلهون داخل المدرسة التي حولها العدوان الاسرائيلي لمركز إيواء، وعندما ينهي الصغار خربشاتهم، يأتي دور الاستحمام المتواضع، وكأن أصوات القطرات المتسربلة مع رغوة الصابون تسعى لإقناعهم أن حياتهم طبيعية وعليهم الاستحمام؛ كوسيلة لمقاومة الجراثيم والأمراض المعدية أيضاً!. لكن هذا الحمام" البدائي" يتم ضبط موعده على وقع دوي قذائف المدفعية الاسرائيلية والقصف الصاروخي الذي استهدف العديد من القطاعات في غزة وعلى رأسها المؤسسات التعليمية على مدار 50 يوماً.
ويسرد المصور فتحي قصة هذه الصورة للحدث قائلاً: "بينما كنت في جولة لتغطية أحداث العدوان الإسرائيلي على غزة وتحديداً داخل مدرسة النصر الابتدائية التابعة لوكالة "الأونروا" استوقفتني سيدة تحمل وعاء من الماء وتدخل به إحدى الغرف الصفية تبعتها واذ بطفليها العاريين يستعدان لحمام متواضع.. بينما صعد الأول فوق طاولة خشبية وأخذت والدته تفرك فروة رأسة بقطعة من الصابون كان الآخر ينتظر دوره عارياً...".
 هذه الغرفة الصفية، لم تكن حماماً خاصاً للسيدة وطفليها، بل كانت بمثابة حجرة متعددة الاستخدامات لما يزيد عن 500 نازح، أجبروا على ترك منازلهم نتيجة العدوان الاسرائيلي الأخير الذي استهدف قطاع غزة، مستخدمين هذه الغرفة طوال فترة العدوان كمطبخ وحمام ومكان للنوم والصلاة أيضاً.! يقول فتحي.
في السابع من تموز الماضي شنت قوات الاحتلال الاسرائيلي هجوماً على قطاع غزة، استشهد خلاله2147 فلسطينياً، تبعاً لتقرير أصدره المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، حيث جاء هذا الهجوم بعد سلسلة من الأحداث كان أبرزها حرق وقتل الطالب المقدسي محمد أبو خضير (16 عاماً) على أيدي مجموعة من المستوطنين وأعقبها احتجاجات واسعة في عدة مناطق من الضفة الغربية والقدس ومدن الـــ 48.
ومع بداية عمليات القصف نزحت العديد من العائلات الغّزية إلى منازل أقرباء لها في مناطق أكثر أمناً بعيداً عن إطلاق النار، وأكثر هذه العائلات كانت وجهتها صوب مدارس وكالة الغوث، نظراً لمكانة هذه المدارس وحمايتها دولياً، وعلى الرغم من ذلك فقد تعرض بعضها لأعمال قصف وتدمير.
وتبعاً لإحصائية صدرت عن المركز الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، بلغ عدد النازحين في قطاع غزة، خلال فترة العدوان، الذي استمر 50 يوماً، حوالي 475 ألف نازح.
وفي تقرير نشرته الأونروا بتاريخ 25/ نوفمبرمن العام الحالي قالت فيه: "واصلت 18 مدرسة للأونروا العمل كمراكز جماعية تستضيف حوالي 27,163 شخصاً من النازحين".
وفي سياق متصل، بين تقرير آخر أعدته وكالة الغوث بتاريخ 19 /تشرين أول من العام الحالي أوضحت فيه: " أن هنالك ما يقارب من 241,000 طالب وطالبة يداومون حالياً في 252 مدرسة تابعة للأونروا، ولا تزال مدرستان تعملان بنظام الفترات الثلاث".
واستطاعت هذه الصورة الصحفية وإلى جانب هذه التقارير التي كشفتها وكالة الغوث حول واقع مدارسها في غزة أن تسلط الضوء على مدى تأثير العدوان الأخير على القطاع التعليمي خاصة وأن هذه المؤسسات التربوية مخصصة لغايات تعليمية وليس كملاجئ للنازحين، وهذا يتنافى مع الحق في التعليم والوصول إلى بيئة تعليمية آمنة وصحية.
20 تربوياً، ونحو 550 طفلاً استشهدوا خلال هذا العدوان، فيما أصيب 3,300 منهم، وتعرضت نحو 141 مدرسة حكومية للقصف والتدمير، و91 مدرسة تابعة لوكالة الغوث، و12 مؤسسة للتعليم العالي. كما تؤكد التقارير الصادرة عن وزارة التربية والتعليم العالي.
وحول مشاركته في هذه المسابقة أردف فتحي: "ارسلت هذه الصورة وحدها للتنافس في مهرجان الشارقة لهذا العام وبصراحة كنت أتوقع أن أحصل على إحدى المراتب لكن المفاجأة كانت بحصولي على المركز الأول".
وفي تعليقه على الصورة الفائزة وقوتها قال مراسل الوكالة الأوروبية المصور علاء بدارنة: "إن من أهم مميزات قوة الصورة الصحفية هو عنصر قوة التأثير والجهد المبذول والجانب التقني، واعتقد أن هذه الصورة جمعت بين هذه العناصر كونها ركزت على جانب غير تقليدي في الصورة الحربية وهو التأثير الإنساني وأثر الحروب على المدنيين؛ فوجود السيدة في مركز لجوء واستخدامها غرفة الصف لتغسيل أطفالها هو جانب لا يقل أهمية عن باقي تفاصيل الحرب الأخرى إضافة إلى اتقانه للجانب التقني في اختيار التكوين المناسب للصورة...".
وأردف بدارنة قائلاً :" لا بد من الإشارة إلى أن ما يميز أي صورة صحفية في حالات الحروب هو أن تعطي العنوان للجانب الآخر الذي لا يراه المشاهد لتفاصيل ما يجري على الأرض، وهنا برع المصور بإظهار هذا الجانب واستحق الفوز...".
وفي قراءة سيكولوجية، أوجز أستاذ علم النفس في جامعة النجاح الوطنية د. فاخر الخليلي المضامين النفسية لهذه الصورة بقوله: "إن أبرز الجوانب التي تعكسها صورة كهذه هي حجم الصلابة النفسية الضرورية لمقدرة الإنسان على التكيف في الظروف الصعبة التي يمر بها، وهذا ما يمكن أن أطلق عليه المرونة التّكيفية" .
ويؤكد فتحي الذي يعمل صحفياً حراً ( freelancer) في قطاع غزة مع وكالة أنباء إيطالية وعدد من المواقع الإخبارية، أنه عاصر الحروب الثلاثة التي شهدها القطاع في الأعوام 2008 و 2012 و2014 واستطاع خلال هذه الحروب أن يوثق الانتهاكات والجرائم التي خلفتها حروب الاحتلال الشرسة خاصة وأنه يركز في قصصه المصورة على الضحايا المدنيين لا سيما الأطفال منهم.
وعلى الرغم من حصوله على شهادة الثانوية العامة في الفرع العلمي وعدم دراسته للإعلام والتصوير الفوتوغرافي، إلا أنه يعتبر التصوير هواية ومهنة يعتاش من خلالها.
وتابع فتحي حديثه عن مشاركاته في مسابقات مماثلة: "في الحقيقة ليست هذه المرة الوحيدة التي أحصل فيها على جائزة في مجال التصوير فقد فزت في العام 2012 بأعلى نسبه تصويت أجرته وكالة الاناضول عبر موقعها الالكتروني وبأكثر من لغة عن مشاركتي بصورة صحفية لطفلين شهيدين يشيعان في جنازة مشتركة بالإضافة إلى حصولي على المرتبة الثانية في مسابقة حول الحياة اليومية في غزة نظمها مركز في الأردن وغيرها من الجوائز والمشاركات المحلية..".
وفي سؤال للمصور عن سر اختياره هذه الصورة بالذات للمنافسة في مسابقة الشارقة أجاب: "أعتقد أن الصورة بحد ذاتها تتكلم ومغزاها واضح ومفاده من حق أطفالنا أن ينعموا في أجواء هادئة وبحياة حرة بعيداً عن دوي القذائف والقصف والدمار والدماء والأشلاء..".
ويتساءل فتحي: " ما الذنب الذي اقترفه أطفال لم تتجاوز أعمارهم سن الخامسة كي يهانوا بهذا الشكل؟!".
هذا التساؤل تحاول الصورة ذاتها أن تجد له جواباً، وللكثير من التساؤلات الصعبة، ولكنها تبقى وثيقة صادقة وصادمة تكشف عن أسنان المحتل البشعة التي لا يهمها صراخ الصغار نتيجة قصف همجي وحشي، ولا ارتجافهم من حمام بارد داخل صف مدرسي ..!