الخميس  18 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

عاموس عوز بين حزن الرئيس وحنان عشراوي

2019-01-02 06:30:35 AM
عاموس عوز بين حزن الرئيس وحنان عشراوي
عاموس عوز

الحدث- وليد الفارس

يتعاملون في "إسرائيل" مع عاموس عوز، الكاتب الإسرائيلي الذي توفي قبل أيام، ليس كشخصية عامة فقط، بل أيضاً كشخصية تستطيع أن تُقدم الوجه الحضاري والأخلاقي لدولة الاحتلال للعالم، كدولة تقدمية، ديمقراطية، ليبرالية، لا ينفي وجود معسكر يميني فيها حقها في الوجود. هؤلاء الكتاب والمفكرون هم جسر "إسرائيل" للعبور إلى العالم بعد هذا الكم المتراكم المتكرر من الجريمة، محاولين تأطير الصراع بأطر نظرية ومصطلحات لم يعد لها مكان للحياة مع المتغيرات التي تفرضها "إسرائيل". إنهم لا يملون من الدفاع عن النظرية "المثالية" لتخدير العالم والعرب.

ولعل ذلك، هو مربط فرس الرسالة المنسوبة للرئيس محمود عباس، الموجهة لعائلة الكاتب الإسرائيلي، للتعزية بوفاته. الرسالة، التي تظل، موضع تداول على صفحات التواصل الاجتماعي، دون تأكيد أو نفي، من أية جهة رسمية، بشأن صدقيتها من عدمه، حملت "أسمى مشاعر التعاطف والمواساة الأخوية".

كذلك تأسفت عضو اللجنة التنفيذية، حنان عشراوي، قائلة عبر صفحتها الشخصية على تويتر إن وفاة عوز قد "حرمت إسرائيل ومعسكر السلام الآخذ في التقلص من (شخص) آخر نادر".

لطالما تمسك الساسة الفلسطينيون بطرح حل الدولتين كخيار واحد قائم، قابل للتحقق، ولا بديل عنه ولا يمكن استبداله حتى. وهو الخيار الذي اختفى بسببه اسم فلسطين عن الخارطة ليظهر بدلاً عنه اسم إسرائيل. فمنذ تلك اللحظة المصيرية في تاريخ القضية الفلسطينية التي وافقت فيها "القيادة الفلسطينية" على تقسيم الحق والتاريخ والجغرافيا، وحتى اتفاقات أوسلو،  دخلت القضية الفلسطينية في نفق المرحلية حتى وصلت إلى مرحلة لا حدود لها ولا لون.

"عاموس عوز" الذي ارتبط اسمه بأوائل نشأة دولة الاحتلال، وإيمانه بالفكر الصهيوني، إلى جانب الفكر اليساري-العلماني، كان أيضا من أوائل "اليهود الجدد" الذين حاولت الحركة الصهيونية خلقهم وتجذيرهم في "أرض الميعاد"، ليكون صهيونياً مؤسسا، من الذين عاشوا في "الكيبوتس"، وليكون من بين من خدم في وحدة عسكرية قتالية في جيش الاحتلال حين تحولت فلسطين نهائيا إلى إٍسرائيل باكتمال احتلال أرض عام 1967، وليكون من المؤمنين قبلها بعدالة نكبة 1948، مدافعاً عنها، ومنسجماً بذلك مع طرحه لرفضية فكرة "حق عودة اللاجئين الفلسطينيين". ذلك لأنه لا يرى تناقضاً بين منح الفلسطينيين حق تقرير المصير وعدم عودة اللاجئين، بل يرفض أيضاً فكرة الدولة الواحدة التي يمكن للفلسطينيين والإسرائيليين العيش فيها معا، منطلقاً من أن تاريخ الصراع الممتد 100 عام إلى الوراء لا يؤسس لشهر عسل بل لطلاقٍ عادل، على حد تعبيره.

يؤمن عوز بحق إسرائيل في الوجود، وبأن استمرارية المشروع الإسرائيلي، وديمومته، تنطلق من التعايش الفوقي مع المحيط الفلسطيني والعربي، المفروض حكماً على الصهاينة. ومن منطلق الحرص على تلك الديمومة، كان يُنظِّر لحل الدولتين، لأن عدم التوصل إلى ذلك الحل، يعني أن الأمر في المحصلة سيفضي إلى وجود دولة واحدة، لكنها ليست دولة مشتركة (اسرائيلية-عربية) بل دولة عربية فقط.

لذلك، فقد حاول في إحدى مقالاته المنشورة في صحيفة هآرتس عام  2013 شرح الأمر تفصيلا وتوضيحاً، معللاً إمكانية إحداث خرق سلمي مع الدول العربية من باب ضعف تلك الدول ومواجهتها عدوا آخر ليس إسرائيل في هذه المرحلة.

كما أنه في أكثر من مقابلة صحفية، برر الأمر من منطق أن "الاحتلال لا يدوم"، لكن المساحة الذهنية للاحتلال التي يتحدث عنها عوز، دائما ما كانت تلك المحتلة ما بعد عام 1967، لتختفي من ذاكرته فلسطين التاريخية التي يُطهرها من مركزيتها الوجودية لتكون على هامش الفعل حدثاً مقبولاً كتبرير لما لحق باليهود في أوروبا إثر المحرقة.

وعن الأمر ذاته، كتب الروائي الإسرائيلي أبراهام يشوع عن عاموس عوز يقول إنه يكتب بقلمين، أحدهما كرسه للأدب، والآخر للسياسة والأيديولوجيا. فكان ناشطا للترويج لفكره وآرائه، عبر إرسال مقالات رأي للنشر في الصحف، والمشاركة في اللقاءات والندوات التي كان يدلي فيها بخطابات، تروج لمقولته الأشهر: "إن كنت تريدُ هزيمة فكرة فعليك أن تُروج لفكرة أخرى أكثر جاذبية وقبولاً." فكان من أوائل الذين ساندوا جيش الاحتلال في عدوانه على غزة عام 2008، ونظر بضرورة استبدال حماس ليس بالهزيمة العسكرية وحدها بل أيضاً، بفرض أيديولوجيات جديدة تحل محلها وتستبدلها.

عاموس عوز لم يكن أبداً كبطل روايته الأخيرة "إنجيل يهوذا"، الذي يقرر فجأة أن يستقل الباص ويرحل عن القدس، لكنه كان ومنذ وقت قريب جدا قبل رحيله من أبرز الأصوات الداعمة لقرار نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، فهل يستحق حرارة التعزية والمواساة فيه؟