الثلاثاء  05 آب 2025
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

طحين غزة والقمح المر في حقول الآخرين| بقلم: حمزة البشتاوي

2025-08-05 01:19:19 PM
طحين غزة والقمح المر في حقول الآخرين| بقلم: حمزة البشتاوي
حمزة البشتاوي

تحول القمح في غزة إلى موت والطحين إلى دم والخبز إلى حلم صعب المنال، بعد أن وصل سعر كيس الطحين في ذروة حرب التجويع إلى أكثر من 200 دولار، وتتفاقم المعاناة في غزة جرّاء فقدان الطحين وكل أنواع الغذاء والدواء، رغم أن للقمح العربي حضوره على الخريطة الدولية، حيث تبلغ مساحة الأراضي العربية المزروعة بالقمح نحو 73 مليون هكتار، ويتركز إنتاج القمح العربي في خمسة دول وهي: مصر والمغرب والجزائر والعراق وسوريا، والمنطقة العربية كلها لديها تربة مناسبة لزراعة القمح وتحقيق الإكتفاء الذاتي والتصدير، ورغم أن القمح في الدول العربية يستهلك بشكل كبير، فإن كميات منه يتم تلفها سنوياً بسبب سوء التخزين.

وفي قطاع غزة المحاصر بالحرب والجوع أصبحت مهمة الحصول على الطحين محفوفة بخطر الموت، واصبح الطحين في غزة بمثابة الذهب الأبيض الذي يموت الناس من أجل الحصول عليه، ويحمل أهالي المجوعين غزة كيس الطحين على أكتافهم كما يحملون الشهيد، ولا يخافون من أجل الوصول إليه على حياتهم، لأن الجوع أقوى من الخوف الساكن في عيون المحتشدين في طوابير الحصول على كيس من الطحين الذي لم يعد رمزاً للجوع فقط، بل شاهداً صارخاً على إنهيار القيم الإنسانية والأخلاقية، بعد أن تحولت الأجساد في غزة إلى خياكل من جلد وعظام، ومناطق توزيع المساعدات إلى مناطق موت وجرائم ضد الإنسانية.

ولما كان (القمح مر في حقول الآخرين) الذين لم يتحركوا لإدخال الطحين إلى غزة، فإن قمح غزة ليس رغيفاً فقط بل شاهداً على العجز والتخاذل والخذلان.

وفي غزة رغم ما يحكى عن إسقاط وإدخال مساعدات، ينام الأطفال على صوت بطونهم الخاوية، حيث لم يعد (كيلو الطحين) مجرد مادة غذائية، بل تحول إلى أمنية وحلم يراود الأباء والأمهات والأطفال، كما بات عنوان صبر وألم في معركة البقاء على قيد الحياة، ويقول طفل مجوع من غزة بأن والدته قبل استشهادها قد وعدته بحال الحصول على الطحين أن تصنع له رغيف، ويقول (بس أنا ما كنت رح أكله لحالي)، وفي غزة الكثير من القصص والحكايات التي دفنت مع أصحابها وهم يحاولون الحصول على كيس طحين يخفف من وطأة الجوع الذي لم تحد منه التصريحات والبيانات والإدانات والإجتماعات العربية، فهي ضجيج بلا طحين، وسط الفرجة على المجوعين في قطاع غزة وهم يحاولون فصل الطحين عن الرمل حيث ينثره رصاص الإحتلال، لكي يضيفوا إليه بعض الماء ويعجنوه كي يصير خبزاً ينتصرون فيه على حرب الإبادة والموت والتجويع.