الحدث - ورود أبو عليا
رغم ما نصت عليه المادة 16 من اتفاقية "القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة"، ومساواة الرجل والمرأة في الأمور المتعلقة بالزواج؛ إلا أن الفتاة في مجتمعنا تظل هي الحلقة الأضعف، وتصبح عرضة للزواج المبكر بحجة "الحماية"؛ وبناءً على هذه الاتفاقية، فإنه "لا يكون لخطوبة الطفل أو زواج الطفل أي أثر قانوني"، وتحث على اتخاذ "جميع الإجراءات الضرورية، بما فيها التشريع، لتحديد سن أدنى للزواج ولجعل تسجيل الزواج في سجل رسمي من الأمور الإلزامية".
وفي ظل انتشار وتفاقم المشاكل المترتبة على الزواج المبكر من ظلم للفتاة وحالات طلاقٍ ومشاكلَ صحيّة؛ تطالب العديد من المؤسسات الأهلية والنسوية، الحكومةَ الفلسطينية، بالنظر لهذه القضية بتحديد سن الزواج لثمانية عشر عاماً، للتقليل من الآثار المترتبة على الزواج المبكر، حيث لاقت هذه المطالب ردوداً إيجابية من رئيس الوزراء محمد اشتية بأنه سيعمل على إقرار وتشريع هذا القانون في الفترة القادمة.
ووفقاً لمركز الإحصاء الفلسطيني، فقد بلغت نسبة الزواج المبكر 20.3% للإناث مقابل 1.1% للذكور، وذلك من المجموع الكلي للأفراد المتزوجين في فلسطين، حيث بلغت هذه النسبة في الضفة الغربية 19.7% من إجمالي الأفراد المتزوجين في الضفة الغربية، وفي قطاع غزة 23.7% من إجمالي الأفراد المتزوجين في قطاع غزة خلال عام 2015.
وعلى مستوى محافظات الضفة الغربية بلغت أعلى نسبة للزواج المبكر للإناث في محافظة الخليل بنسبة 36.2%، وأقلها في محافظة أريحا والأغوار بنسبة 1.3% وذلك من مجموع الإناث المتزوجات (في عمر أقل من 18 سنة) في الضفة الغربية، وعلى مستوى محافظات قطاع غزة فقد بلغت أعلى نسبة للزواج المبكر للإناث في محافظة غزة بنسبة 40.8%، وأقلها في دير البلح بنسبة 6.9% من مجموع الإناث المتزوجات (في عمر أقل من 18 سنة) في قطاع غزة.
أثر تحديد سن الزواج على الاقتصاد الفلسطيني
وعن تأثير الزواج المبكر على الوضع الاقتصادي قال دكتور الاقتصاد في جامعة بيرزيت ياسر أبو حجلة: "هذه النسبة العالية للزواج دون سن الثامنة عشر لها تأثير اقتصادي كبير من ناحية الطلب الكبير على كل الأنشطة المتعلقة بالزواج من شراء للملابس والأثاث المنزلي والشقق والقاعات وغيرها، ومن ناحية أخرى زيادة في معدلات الإنجاب التي يترتب عليها الفقر والحرمان من التعليم.
ويضيف أبو حجلة أن الزواج المبكر يشير إلى فجوة بين الرجال والنساء، حيث إن الفتاة التي تتزوج في سن أقل من ثمانية عشر عاماً لم تعطَ الفرصة الكافية للنضوج العقلي والجسدي وتطوير وتنمية مهاراتها وبالتالي لا يمكنها تكوين أسرة ناضجة وتحمل المسؤوليات العامة وهذا سينعكس على الوضع الاقتصادي.
وتابع أبو حجلة القول بأن تحديد سن الزواج لثمانية عشر عاماً سيكون تأثيره بشكل مباشر على عدد السكان، حيث إنه كلما زاد عدد السكان سيزيد الطلب على الخدمات الصحية والغذائية، وإذا قل عدد السكان يقل الطلب، وبالتالي حجم التأثير مرتبط بنسبة الزواج بعد تشريع هذا القانون مقارنة مع فترة ما قبل إقرار مثل هكذا قانون.
ويقول الدكتور أبو حجلة إن توجه الحكومة للتفكير بتشريع هكذا قانون سيقلل من الآثار الاقتصادية المترتبة على الزواج المبكر وسيضمن حقوق الأزواج ويتيح للفتاة فرصة تنمية مهاراتها العقلية والاجتماعية لتتمكن من بناء جيل قادر على تحمل المسؤوليات.
سن الزواج في الأراضي الفلسطينية
يرتبط سن الزواج في فلسطين بمدى استقرار الأحوال السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وتوضع قوانين الزواج ليتم تنظيم هذه الأحوال عموماً، ويندرج هذا ضمن اختصاص الجهات التشريعية، حيث تستند هذه القوانين على الدين الإسلامي في معظم البلدان العربية.
ونص قانون حقوق العائلة في المادة (6) في أهلية الزواج أن يكون سن الخاطب ثماني عشرة سنة فأكثر وسن المخطوبة سبع عشرة سنة فأكثر، ولكن القانون أورد استثناءً خطيرا على هذه القاعدة وهو السماح للقاضي بتزويج الفتاة التي تتجاوز سن التاسعة من عمرها والفتى الذي تجاوز سن الثانية عشر من عمره وهو الأمر الذي تنص عليه المواد 6،7،8 من قانون حقوق العائلة، فالمادة (6) تنص على "إذا ادعى المراهق الذي لم يتم الثامنة عشرة من عمره البلوغ فللقاضي أن يأذن له بالزواج إذا كانت هيئته محتملة"، أما المادة (7) فتنص على "إذا ادعت المراهقة التي لم تتم السابعة عشرة من عمرها البلوغ فللقاضي أن يأذن لها بالزواج إذا كانت هيئتها محتملة"، أما المادة (8) فتنص على أنه "لا يجوز لأحد أن يزوج الصغير الذي لم يتم الثانية عشرة من عمره ولا الصغيرة التي لم تتم التاسعة من عمرها".
وبالنظر إلى تحديد سن الزواج فمسؤولية الجهات التشريعية والمختصة، تشريع هذا القانون للحفاظ على المجتمع الفلسطيني من المشاكل المترتبة على الزواج المبكر والحفاظ على الاستقرار العائلي لضمان النهوض بتنمية شاملة للمجتمع.
