الحدث- جهاد الدين البدوي
نشرت صحيفة " نيويورك تايمز" الأمريكية مقالاً للباحثة والأكاديمية جاسيكا ستيرن وتحدثت به أن مقتل البغدادي مهم للغاية، كونه صاحب شخصية ملهمة لأتباعه وأنصاره أكثر من أسامة بن لادن، ولكن المنظمات "الجهادية العالمية" ستستمر دونه.
الدكتور ستيرن مؤلف مشارك في كتاب "الدولة الإسلامية: دولة الإرهاب"، تحدثت بمقالتها أن البغدادي كان عالماً إسلامياً زعم أنه من نسل النبي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وقد بنى لى أيديولوجية تدميرية ووحشية غير عادية ورثها من معلمه أبي مصعب الزرقاوي، زعيم تنظيم القاعدة في العراق.
وتشير الأكاديمية إلى أنه من المهم أن البغدادي تمكن من تجنيد أفراد سابقين في الجيش والمخابرات العراقية، مما عزز قدرته بشكل كبير على التمرد. وقد استغل الحرب الأهلية في سوريا لإنشاء أول دولة في تاريخ الإرهاب الحديث: نموذج دولة قادرة على الاستيلاء على الأراضي والسيطرة عليها، وربما جمع مليارات الدولارات وتنظيم قوة عسكرية كبرى.
وتضيف أنه تحت قيادة السيد البغدادي، أصبحت "الدولة الإسلامية" أغنى وأقوى مجموعة إرهابية في التاريخ المعاصر.
وتلفت الأكاديمية إلى أن البغدادي وعد أتباعه من كل العالم بجهاد "من خمس نجوم" يشمل الإسكان المجاني والسيارات وحتى الزوجات. وتوافد أنصاره على "الخلافة" من جميع أنحاء العالم، وهي أكثر حملة تجنيد فعالة لمنظمة جهادية لم يشهدها العالم من قبل.
وترى الأكاديمية أن البغدادي تخصص في وحشية غير عادية بما في ذلك قطع الرؤوس لأعداءه "معظمهم من المسلمين" وتدريب الأطفال الصغار على القتل من مسافة قريبة، (وهو أمر يصعب على معظم البشر القيام به).
وتؤكد ستيرن: "ان مقتل السيد البغدادي أظهر لبقية المؤيدين أنه حتى "الخليفة" ضعيف. لكنه أكثر أهمية من الناحية السياسية والرمزية مما هو عليه عسكرياً. فالقيادات الجهادية وحتى المجموعات الجهادية يأتون ويذهبون، وينقسمون إلى فصائل، ويتحدون مع خصوم سابقين، ويكتسبون أسماء جديدة وولاءات جديدة".
وترى ستيرن: قد تكون " داعش" " أفضل مثال على هذا الاتجاه، فكان هناك زعيمان يتنافسان من أجل السيطرة على ما تبقى من تنظيم القاعدة في العراق، وهي المجموعة التي يُفترض أنها هزمتها "حملة" الرئيس جورج بوش. وبقي أحد القادة - أبو محمد الجولاني - داخل حضن تنظيم القاعدة. أما الآخر - السيد البغدادي - فقد انفصل عن القاعدة وأعلن في النهاية عن إنشاء الخلافة، واستقطب في النهاية عشرات الآلاف من أتباعه.
تتساءل ستيرن: هل وضع البغدادي خطة للخلافة؟ تجيب الباحثة أن هناك شائعات موثوقة جداً تقول بأنه فعل ذلك.
توضح ستيرن حتى لو لم تكن هناك خطة ملموسة للخلافة، فقد عاد تنظيم الدولة الإسلامية بالفعل إلى جذوره الإرهابية، مع القدرة على إلهام الهجمات في جميع أنحاء العالم. حتى بعد فقدانها أراضيها، واصل تنظيم الدولة بجذب المؤيدين.
لكن الأهم من ذلك، علينا أن نتذكر أن العالم لا يحارب رجلًا واحدًا، ولا حتى منظمة واحدة، بل حركة. ولسوء الحظ، لا يزال هناك الكثير من عوامل الخطر لظهور تنظيم الدولة. من بين هذه الدول الضعيفة ذات الحكم الرديء والشباب العاطل عن العمل، أو التوترات الطائفية أو الحرب الأهلية.
لقد استغل تنظيم داعش العديد من هذه العوامل لتوسيع "محافظاته" في دول أخرى مزقتها النزاعات، من بينها أفغانستان وليبيا ونيجيريا واليمن. العديد من ولاياتها لا تزال في مكانها. على الرغم من فقدان ما تبقى من الخلافة في مارس، ما زال تنظيم الدولة ينجح في تنفيذ العديد من الهجمات الإرهابية الرئيسية، بما في ذلك في سريلانكا وأفغانستان والعراق.
وتضيف ستيرن: بالنسبة لنا في الغرب، فقد استغل تنظيم الدولة وسائل التواصل الاجتماعي لجذب وإلهام أتباع من كل العالم، فيما أصبح يعرف باسم "الجهاد مفتوح المصدر". ولسوء الحظ، فإن هذا هو واحد من عدد من الدروس التي ستتعلمها الجماعات الإرهابية الأخرى: وإلى أن تجد شركات التواصل الاجتماعي طريقة لمعالجة مخاطر إخفاء الهوية على الإنترنت، فإن الجماعات الإرهابية والعصابات الإجرامية ستستمر في ملاحقة ذلك.
وتشير الباحثة أنه في صباح يوم الأحد، قدم الرئيس ترامب تفاصيل غير عادية عن مهمة اغتيال البغدادي، ومع ذلك، في الأسابيع والأشهر القادمة، قد نتعلم كيف اخترق افراد المخابرات العالمية تنظيم الدولة، وأنواع التعاون الدولي التي أدت إلى تصفيته.
وتلفت الكاتبه إلى أن هناك شيئًا واضحًا بالفعل: لم يكن هذا نتيجة جهد رئيس واحد أو دولة واحدة. لقد اشتمل ذلك على مواطنين شجعان من "الدولة العميقة"، هؤلاء الأفراد العسكريين والمخابرات الذين لا اسم لهم في كثير من الأحيان والذين كرسوا أنفسهم لحماية أرواح مواطنيهم إلى درجة أنهم على استعداد للمخاطرة بحياتهم. بالإضافة إلى أن العملية وفقاً للرئيس ترامب كانت بتعاون مع روسيا وسوريا والعراق وتركيا - بالإضافة إلى معلومات من الأكراد أنفسهم الذين تخلى عنهم السيد ترامب عندما سحب القوات الأمريكية من شمال سوريا.
وترى الكاتبة أنه لربما كان خطأ البغدادي الأهم، أنه جعل نفسه عدواً للعالم بأسره، محفزاً بذلك أعداءه للعمل معاً ضده.
وتؤكد الكاتبة أنه فيالنهاية سيتم دحر الدولة الإسلامية، لكننا نقاتل الحركة الجهادية، وليس جماعة جهادية واحدة، والحركة الجهادية هي مجرد مظهر من مظاهر الدافع الأصولي، وهو الرغبة في إرجاع عقارب الساعة إلى مرحلة سابقة أبسط كما يتخيل.
تختتم الاكاديمية الأمريكية مقالتها بالقول: ستستمر وتيرة التقدم التكنولوجي المتزايدة باستمرار في جلب العالم بأسره إلى منازلنا، تاركين بعض الشعور بالغربة والارتباك. بالإضافة إلى تغير المناخ ستساهم في استمرار الصراع على الموارد وموجات الهجرة. وستستمر الجماعات الإرهابية في الظهور، وتسعى إلى إعادتنا إلى العصر الذهبي عندما بدت عوالمنا محتوية بشكل مريب، وعندما بدا الصواب والخطأ واضحين.