الخميس  25 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

الشرق الأوسط أكثر استقرارًا عندما تبقى الولايات المتحدة بعيدة

2020-01-07 09:39:12 PM
الشرق الأوسط أكثر استقرارًا عندما تبقى الولايات المتحدة بعيدة
الشرق الأوسط

 

الحدث - جهاد الدين البدوي

نشرت مجلة "فورين بوليسي" مقالاً لنائب الرئيس التنفيذي لمعهد كوينسي لفن الحكم الجاد وأستاذ مساعد في جامعة جورجتاون الدكتور تريتا بارسي، وتحدث فيه أنه كما يظهر من اغتيال الجنرال قاسم سليماني، قد تكون واشنطن هي المفسد الرئيس في المنطقة.

يوضح بارسي بأن شعار السياسة الخارجية الأمريكية الذي استمر منذ عقد أو أكثر أن الشرق الأوسط بدون الولايات المتحدة سينحدر إلى الفوضى؛ بل والأسوأ من ذلك أن إيران ستحيي الإمبراطورية الفارسية وتبتلع المنطقة بأسرها.

يضيف الكاتب بأن الرئيس ترامب عندما اختار عدم الذهاب إلى الحرب ضد إيران بعد سلسلة الهجمات التي استهدفت المملكة العربية السعودية في العام الماضي، وأعلن عن نيته بسحب قواته من المنطقة، لم تكن الفوضى أو الغزو هي التي تلت ذلك. تلا ذلك دبلوماسية إقليمية ناشئة -خاصة بين إيران والسعودية والامارات- وتراجع التصعيد. لا شك أنه تم إعادة ترتيب الأولويات مرة أخرى في يناير، عندما أمر ترامب باغتيال قاسم سليماني، أحد أهم الشخصيات العسكرية الإيرانية. وبإذن من ترامب، فإن المنطقة تتحرك مرة أخرى نحو الصراع، وقد اختفت بوادر التقدم الدبلوماسي الذي تحقق خلال الأشهر السابقة.

لذا فقد حان الوقت لكي تجيب الولايات المتحدة عن سؤال بالغ الأهميةطالما تهربت منه منذ زمن طويل: هل منعت الهيمنة العسكرية الامريكية في الشرق الأوسط الجهات الفاعلة الاقليمية من حل الصراعات سلمياً بمفردها ؟ وبهذه الطريقة، هل كانت عائقاً أمام الاستقرار بدلاً من الضامن لها؟

بعد الغزو السوفييتي لأفغانستان عام 1979، أعلن الرئيس الأمريكي جيمي كارتر عقيدة جديدة وقال: "إن محاولة أي قوة خارجية للسيطرة على منطقة الخليج الفارسي ستعتبر اعتداء على المصالح الحيوية للولايات المتحدة الأمريكية، وسيتم صد هذا الهجوم بأي وسيلة ضرورية، بما في ذلك القوة العسكرية". في سياق الحرب الباردة، كان منع السوفييت -القوة الخارجية الرئيسة التي كان كارتر قلقًا بشأنها- من السيطرة على المنطقة الغنية بالطاقة؛ له منطق استراتيجي.

ولكن مع مرور الوقت، تحول هذا المنطق في الثمانينيات، وقد وسع الرئيس رونالد ريغان العقيدة لتشمل أيضاً التهديدات التي يتعرض لها تدفق النفط القادم من داخل المنطقة. ومع تغير السياق الجيوسياسي، وجد الرؤساء اللاحقون المزيد من الطرق لتبرير الوجود العسكري الأمريكي المتزايد في الشرق الأوسط. إن ما بدا كسياسة لمنع الآخرين من فرض الهيمنة على المياه الغنية بالنفط في الخليج الفارسي تحول إلى سياسة تؤكد الهيمنة الامريكية على المنطقة من أجل "إنقاذها".

وطالما أن حلفاء الولايات المتحدة يفتقرون إلى القدرة أو الكفاءة لتأمين المنطقة، فلن يكون أمام واشنطن خيار سوى تحمل هذه المسؤولية. كان الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن صريحاً بشأن ذلك، فبدون زيادة مستويات القوات الأمريكية في العراق ستكون هناك فوضى في المنطقة.  لقد فاتته المفارقة بالطبع أن غزوه للعراق كان الحدث الوحيد الأكثر زعزعة للاستقرار في الشرق الأوسط خلال العقود الماضية.

وكما كتب الباحثون "هال براندز" و "ستيفن كوك" و"كينيث بولاك" المؤيدون لـ "مبدأ أو عقيدة كارتر" واستمراره، "وضعت الولايات المتحدة قواعد السلوك الأساسية في المنطقة وتمسكت بها: ستقابل الولايات المتحدة جهود التدخل في التدفق الحر للنفط بالقوة لدعم حرية الملاحة؛ مطالبة القوى الإقليمية بالتخلي عن مطالباتها غير المباشرة على الدول الأخرى أو مواجهة عواقب وخيمة، ومنع انتشار أسلحة الدمار الشامل".

ينوه الكاتب بأن هذا الحساب دقيق بما فيه الكفاية (على الرغم من أن القاعدة الاخيرة في القائمة معفاة منها إسرائيل دائماً)، لكن القصة تتحدث عن كيف وفرت هذه السياسة غطاء لحلفاء الولايات المتحدة لبعض السلوكيات المزعزعة للاستقرار. مضيفاً أن هذا الاغفال يصنعه الباحث براندز في مقالة بلومبرج، حيث يشير إلى قتل السعودية للاعلامي جمال خاشقجي بالقول بأن "الشرق الأوسط في مرحلة ما بعد أمريكا لن تكون مستقرة وسليمة، سيكون الناس أكثر شراً وأكثر اضراباً مما عليه اليوم". وعلى حد تعبير السيناتور الأمريكي ليندسي غراهام في عام 2018: " لولا الولايات المتحدة، لكانوا يتحدثون الفارسية في غضون أسبوع تقريباً في السعودية".

 يتابع الكاتب بأن كل هذا القول دون الإشارة إلى حقيقة أن حماية الولايات المتحدة للنظام السعودي، إن وجدت، قد مكنتها من تعزيز الإرهاب وأنشطتها المزعزعة  للاستقرار في المنطقة، والتي أدت بدورها إلى المزيد من الرد الإيراني.

يضيف الكاتب بأن التأكيدات حول الدور المحوري للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، بغض النظر عن عدد مرات تكرارها، لم يتم إثباتها. كما أن إيران التي دمرتها العقوبات والفساد وسوء الإدارة الاقتصادية، ليست في مكان قريب من ترسيخ الهيمنة في المنطقة. كما أن السعودية تنفق على جيشها أكثر من خمسة أضعاف ما تنفقه إيران؛ وإن مجلس التعاون الخليجي بأكمله -السعودية والكويت وقطر والبحرين وسلطنة عُمان والامارات- تنفق عسكرياً بثمانية أضعاف ما تنفقه إيران. في والوقت نفسه، فإن إيران ليس لديها أسلحة نووية، وهي تخضع لعمليات تفتيش من قبل مفتشين دوليين، في المقابل فإن لدى إسرائيل أسلحة نووية مع عدم وجود شفافية دولية على الإطلاق. ربما كانت إيران بارعة في الاستفادة من التوسع المفرط للولايات المتحدة وأخطاءها في العقود القليلة الماضية، ولكن ترسيخ الهيمنة مسألة مختلفة تماماً.

يقر الكاتب بأن المنطقة لم تقع في فوضى أعمق نتيجة رفض ترامب في وقت سابق من الدخول في حرب مع إيران بعد الهجمات التي شنتها جماعات مسلحة مقربة من إيران على منشآت نفط سعودية في سبتمبر 2019. وقد أعرب النقاد  عن أسفهم لقرار الرئيس باعتباره تخلى عن عقيدة كارتر، ووصفوه بأنه كارثة بالنسبة لمجلس التعاون الخليجي، محذرين من أنه قد يدفع السعودية إلى السعي للحصول على أسلحة نووية.

يتابع الكاتب بأنه بعد أن اعترفوا بأن الجيش الأمريكي لم يعد تحت تصرفهم، بدأت المملكة العربية السعودية والامارات ممارسة الخيارات الدبلوماسية التي كانت متاحة لهم دائما. ومن جانبها، كثفت السعودية المحادثات المباشرة مع الحوثيين في اليمن كوسيلة لتخفيف حدة التوتر مع حليفتهم إيران. موضحاً بأن مستوى العنف انخفض في كلا الجانبين نتيجة لذلك، وتم اطلاق سراح أكثر من 100 أسير حرب. وفي نوفمبر، أبلغ مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن، مارتن غريفيث، عن انخفاض بنسبة 80% من الغارات الجوية التي تقودها السعودية، ولم تحدث وفيات يمنية في الأسبوعين الماضيين.

يشير الكاتب إلى أن الرياض اختارت أيضا تخفيف حدة التوتر مع قطر، الحليف الأسبق الذي أصبح عدواً، وقالت صحيفة "نيويورك تايمز" بأن الحكومة السعودية أمرت على ما يبدو جيشها الشهير في تويتر بالإساءة إلى قطر وأميرها تميم بن حمد ال ثاني وبعض الأحداث الرياضية التي وقعت بين البلدين.

كما زعم المسؤولون السعوديون أيضا أنهم تواصلوا بهدوء مع إيران عن طريق وسطاء يسعون إلى إيجاد سبل لتخفيف حدة التوترات. طهران بدورها رحبت بالتقارب السعودي القطري المرتقب، ووفقًا لصحيفة نيويورك تايمز، فقد تم طرح خطة سلام على أساس تعهد إيراني سعودي متبادل بعدم الاعتداء.

يضيف الكاتب بأن هنا تغيير أقوى حدث في أبو ظبي. ففي يوليو الماضي بدأت الامارات بسحب قواتها من اليمن. وفي نفس الشهر، شاركت بمحادثات مباشرة مع طهران لمناقشة الأمن البحري. حتى أنها أفرجت عن 700 مليون دولار على شكل أموال لإيران في تناقض مع استراتيجية "الضغط الأقصى" لإدارة ترامب.

يرى الكاتب بأن بعض هذه التدابير تكتيكية أكثر منها استراتيجية. وقد تكون السعودية قد قلصت من حدة التوتر مع قطر والحوثيين من أجل تحسين تحسين موقعها لمواجهة طهران أو للتعويض عن الإدانة الدولية لقتلها الصحفي خاشقجي، وانتهاك حقوق الانسان في الداخل، ووحشيتها في اليمن. ربما شعرت دولة الامارات أيضاً أن هناك ضرورة لتخفيف التوتر.

يرى الباحث أنه مع ظهور جاهزية الولايات المتحدة للخروج من المنطقة، فإن حسابات حلفائها السابقين تميل نحو الدبلوماسية. ولم يكن أمام السعوديين والإماراتيين خيار سوى الكف عن بعض التهور لأنهم لم يعودوا قادرين على العمل تحت حماية الولايات المتحدة. وإذا كان الاستقرار في الشرق الأوسط هو الهدف الرئيس للولايات المتحدة، فإنه كان ينبغي على واشنطن أن تحتفل بهذه التطورات بدلاً من تحطيمها.

وفي أعقاب اغتيال الولايات المتحدة للجنرال الإيراني قاسم سليماني -التي وصفها بعض المسؤولين الأمريكيين السابقين بأنها عمل من أعمال الحرب- قد تتغير الحسابات مرة أخرى. ووفقاً لما ذكره رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي، كان سليمان في العراق لتقديم رد طهران على رسالة من الرياض حول كيفية تهدئة التوترات الاقليمية، ويفترض أن ذلك جزء من الاهتمام المتجدد لآل سعود بالدبلوماسية. ووفقاً لرئيس الوزراء العراقي: فإن العراقيين كانوا وسطاء بين الخصمين، وهي مبادرة أصبحت الآن موضع تساؤل.

يعتقد الكاتب بأن إيران قد تستنتج بشكل صحيح أو خاطئ أن السعودية والامارات تآمرا مع واشنطن لاغتيال سليماني، ونتيجة لذلك لا تنتهي الدبلوماسية فحسب، بل سيتم استهداف الرياض وأبو ظبي كجزء من الانتقام لاغتيال سليماني. يبدو أن هذا مثال آخر، حيث تسببت الأنشطة الأمريكية في المنطقة في مزيد من الاضطرابات أكثر من الاستقرار.

يضيف الكاتب بأنه لا يوجد هناك ما يضمن نجاح الجهود الدبلوماسية الأخيرة. لكن تجدر الإشارة إلى أن الدبلوماسية لم تبدأ بشكل جدي حتى أظهرت واشنطن بوضوح عدم رغبتها في التورط في حرب بين السعودية وإيران. وبالعودة إلى المنطقة في استعراض للقوة العسكرية، قد يتعمد ترامب مرة أخرى إلى حرمان حلفاء الولايات المتحدة من أخذ الدبلوماسية على محمل الجد. بل إنهم قد يفسروا اغتيال سليماني على أنها رخصة لاستئناف أعمالهم المتهورة -مثل الانشطة التي قام بها الولي عهد السعودي محمد بن سلمان باختطاف رئيس الوزراء اللبناني والأمر بتقطيع أوصال خاشقجي؛ وأن تفرض السعودية والامارات حصاراً على قطر؛ وزعزعة الاستقرار في ليبيا وروسيا ولبنان والسودان واليمن.

يختتم الكاتب بارسي مقالته بالقول: " كما كان الحال في الماضي، وبعبارة أخرى، يبدو أن انحدار الشرق الأوسط إلى الفوضى هو على الأرجح بوجود الولايات المتحدة أكثر من عدم وجودها".