الخميس  25 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

كيف يمكن أن يعيد فيروس كورونا تشكيل النظام العالمي؟

2020-04-09 08:25:00 AM
كيف يمكن أن يعيد فيروس كورونا تشكيل النظام العالمي؟
تعبيرية

الحدث - جهاد الدين البدوي

نشرت مجلة "الفورين أفيرز" الأمريكية مقالاً للكاتبين كورت إم. كامبل وروش دوشي، وتحدثا فيه أن الصين تناور من أجل القيادة الدولية مع تعثر الولايات المتحدة.

وأضاف الكاتبان أنه مع عزل مئات الملايين من الناس الآن حول العالم، أصبحت جائحة فيروس كورونا الجديد حدثًا عالميًا حقًا. وفي حين ينبغي اعتبار آثارها الجيوسياسية كعوامل ثانوية بالنسبة لمسائل الصحة والسلامة، إلا أن هذه الآثار قد تثبت، على المدى الطويل، بنفس القدر من الأهمية - خاصة عندما يتعلق الأمر بالموقف العالمي للولايات المتحدة. ويتجه النظام العالمي عادة إلى التغيير تدريجياً في بدايتها كل مرة. ففي عام 1956، كشف تدخل فاشل في السويس عن تدهور القوة البريطانية وشكل نهاية حكم المملكة المتحدة كقوة عالمية. واليوم، يتعين على صناع القرار السياسي في الولايات المتحدة أن يدركوا أنه إذا لم ترتقِ الولايات المتحدة لمواجهة هذه اللحظة، فإن جائحة فيروس كورونا يمكن أن تمثل "لحظة السويس" أخرى.

يتابع الكاتبان: ومن الواضح الآن للجميع، ما عدا أكثر الأنصار غموضاً، أن واشنطن قد أساءت التقدير في ردها الأولي. وقد قوضت الأخطاء التي ارتكبتها المؤسسات الرئيسة، من البيت الأبيض ووزارة الأمن الداخلي إلى مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها، الثقة في قدرة وكفاءة الحكومة الأميركية. وقد أدت التصريحات العلنية للرئيس دونالد ترامب، سواء كانت عناوين المكتب البيضاوي أو التغريدات الصباحية، إلى زرع البلبلة ونشر المخاوف. وقد أثبت القطاعان العام والخاص عدم استعدادهما لإنتاج وتوزيع الأدوات اللازمة للاختبارات والاستجابة لنتائجها. وعلى الصعيد الدولي، فقد أدت جائحة كورونا إلى إثارة رغبة ترامب بالعمل وحده، وكشفت أيضا عن عجز واشنطن في قيادة الاستجابة العالمية.

يرى الكاتبان بأن الولايات المتحدة تمكنت من بناء مكانتها في قيادة العالم على مدى العقود السبعة الماضية، ليس فقط من خلال الثروة والسلطة؛ ولكن أيضا من خلال ما هو بنفس القدر من الأهمية؛ الشرعية التي تنبع من الحوكمة المحلية للولايات المتحدة، بالإضافة لتوفير المنافع العامة بسياق عالمي، والقدرة والاستعداد لحشد وتنسيق استجابة عالمية للأزمات الكبرى. وينوه الكاتبان بأن جائحة كورونا تختبر الآن العوامل الثلاثة للقيادة الأمريكية العالمية، وحتى اليوم فشلت واشنطن في الاختبار.

 

يوضح الكاتبان أنه مع تعثر واشنطن، فإن بكين تتحرك بسرعة ومهارة للاستفادة من الثغرة التي أوجدتها الأخطاء الأمريكية، مما يمهد لها ملء الفراغ لوضع نفسها كقائد عالمي في مجال التصدي للجائحة. وهي تعمل على الترويج لنظامها الخاص، وتقديم المساعدة المادية إلى بلدان أخرى، بل وتنظيم عمل حكومات أخرى. كما أنه من الصعب المبالغة في الخطى الهائلة للتحرك الصيني. ففي نهاية المطاف، كانت أخطاء بكين - وخاصة تسترها في البداية على شدة انتشار الوباء - هي التي ساعدت على خلق الأزمة ذاتها التي أصابت الآن معظم أنحاء العالم. ومع ذلك، تدرك بكين أنه إذا كان يُنظر إليها على أنها دولة رائدة، ويُنظر إلى واشنطن على أنها غير قادرة أو غير راغبة في القيام بذلك، فإن هذا التصور يمكن أن يغير بشكل أساسي موقف الولايات المتحدة في السياسة العالمية والتنافس على الزعامة في القرن الحادي والعشرين.

الأخطاء التي ارتكبت:

وفي أعقاب تفشي فيروس كورونا الجديد، والذي تسبب في انتشار المرض الذي بات يعرف باسم "COVID-19"، فإن أخطاء القادة الصينيين قد ألقت بظلالها على مكانة الصين العالمية. 

يوضح الكاتبان بأنه تم الكشف عن فيروس كورونا لأول مرة في نوفمبر 2019 في مدينة ووهان الصينية، لكن المسؤولين الصينيين لم يعلنوا عن ذلك لشهور، بل وعاقبوا الأطباء الذين أبلغوا عنه في أول مرة، وضيعوا وقتاً ثميناً وأخَّروا الإجراءات لمدة لا تقل عن خمسة أسابيع من شأنها أن تثقف الجمهور، ووقف السفر وتمكين الاختبار على نطاق واسع. حتى إنه مع بلوغ الأزمة ذروتها، فإن بكين لا تزال تسيطر على المعلومات بإحكام، وتتجنب المساعدة من مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها، وعلى الرغم من تحذير منظمة الصحة العالمية من السفر إلى ووهان، فإنه من المرجح أن تكون بكين قد غيرت الأرقام المعلنة بشأن تسجيل حالات باسم "COVID-19". وهو ما قد يكون متعمدًا للتلاعب في أعداد حالات الإصابة المعلنة رسمياً. 

ومع تفاقم الأزمة خلال يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط، تكهن بعض المراقبين بأن فيروس كورونا قد يقوض حتى قيادة الحزب الشيوعي الصيني. وأطلق عليه كارثة "تشيرنوبيل" الصينية. كما تمَّ تشبيه الدكتور "لي وينليانج"، ذلك الطبيب الشاب الذي أسكتته الحكومة والذي استسلم لاحقًا لمضاعفات إصابته بفيروس كورونا، "برجل الدبابة" في ميدان "تيانانمين".

ولكن بحلول أوائل مارس/آذار، كانت الصين تزعم الانتصار. حيث يعود الفضل في ذلك إلى الإجراءات التي اتخذتها الحكومة الصينية كالحجر الصحي الجماعي، ووقف السفر، والإغلاق الكامل لمعظم الحياة اليومية في جميع أنحاء البلاد؛ وأفادت الإحصاءات الرسمية، بأن الحالات الجديدة اليومية قد انخفضت إلى أرقام أحادية في منتصف آذار/مارس بعد أن كانت بالمئات في أوائل شباط/فبراير. وفي مفاجأة لمعظم المراقبين، بدأ الزعيم الصيني "شي جين بينغ" -الذي كان يبدو هادئًا بشكل غير معهود في الأسابيع الأولى- يوضع نفسه بشكل صريح في قلب الاستجابة، وقد زار شخصياً ووهان الشهر الماضي.

وعلى الرغم من أن الحياة في الصين لم تعد بعدُ إلى طبيعتها (وعلى الرغم من التساؤلات المستمرة حول دقة الإحصاءات الصينية)، فإن بكين تعمل على تحويل هذه العلامات المبكرة للنجاح إلى رواية أكبر لنشرها حول العالم، رواية تجعل من الصين اللاعب الأساسي في انتعاش عالمي قادم، في حين تخفي سوء ادارتها في وقت سابق للأزمة.

ينوه الكاتبان بأن الجزء الأساسي من الرواية هو النجاح المفترض لبكين في مكافحة الفيروس. كما أن التدفق المستمر من المقالات الدعائية والتغريدات والرسائل العامة بلغات عديدة يسلط الضوء على إنجازات الصين وفاعلية نموذجها للحكم المحلي. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية تشاو لى جيان: "إن قوة الصين المميزة وكفاءتها وسرعتها في هذه المعركة حظيت بإشادة واسعة". وأضاف ان الصين وضعت "معياراً جديداً للجهود العالمية ضد الوباء". وقد وضعت السلطات المركزية رقابة وانضباطاً إعلامياً محكماً في أجهزة الدولة لتبديد الروايات المتناقضة.

يوق الكاتبان بأن ما يساعد هذه الرسائل التناقض الضمني المصاحب للجهود المبذولة لمكافحة الفيروس في الغرب، لا سيما في الولايات المتحدة -فشل واشنطن في انتاج أعداد كافية من مجموعة الاختبارات- مما يعني أن الولايات المتحدة اختبرت أعداد قليلة نسبياً من الأفراد، بالإضافة إلى تناول ترامب وإدارته لأزمة البنية التحتية الخاصة بالاستجابة للجائحة لدى الحكومة الأميركية. وقد استغلت بكين الفرصة السردية التي وفرتها الفوضى الأميركية ووسائل الإعلام الحكومية والدبلوماسيين الذين يذكرون بانتظام جمهوراً عالمياً بتفوق الجهود الصينية وينتقدون "عدم مسؤولية وعدم كفاءة" "ما يسمى بالنخبة السياسية في واشنطن"، كما قالت وكالة أنباء الصين الجديدة التي تديرها الدولة في افتتاحيتها.

يضيف الكاتبان أن المسؤولين الصينيين ووسائل الإعلام الحكومية أصروا على أن فيروس كورونا لم يخرج في الواقع من الصين - على الرغم من الأدلة الدامغة على عكس ذلك - من أجل الحد من إلقاء اللوم على الصين في هذا الوباء العالمي. وينطوي هذا الجهد على عناصر من حملة تضليل كاملة على الطريقة الروسية، حيث شارك المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية وأكثر من 12 دبلوماسياً مقالات سيئة المصادر يتهمون فيها الجيش الأمريكي بنشر فيروس كورونا في ووهان. وهذه الإجراءات، إلى جانب طرد الصين الجماعي غير المسبوق للصحفيين من ثلاث صحف أميركية رائدة، تضر لالحجج التي تستند إليها الصين للقيادة.

الصين تصنع والعالم يأخذ:

ويدرك الرئيس الصيني شي أن توفير السلع العالمية يمكن أن يصقل مؤهلات قيادة القوة الصاعدة. فقد أمضى السنوات العديدة الماضية في دفع جهاز السياسة الخارجية في الصين إلى التفكير ملياً في قيادة الإصلاحات إلى "الحوكمة العالمية"، ويوفر فيروس كورونا فرصة لوضع هذه النظرية موضع التنفيذ. ولنتأمل هنا العروض الصينية للمساعدات المادية الذي يُعلن عنه بشكل جيد على نحو متزايد ـ بما في ذلك الأقنعة وأجهزة التنفس الصناعي والأدوية. وفي بداية الأزمة، اشترت الصين وأنتجت كميات هائلة من هذه السلع (وتلقتها كمساعدات). وهي الآن في وضع يمكنها من تسليمها للآخرين.

يشير الكاتبان إلى أنه عندما لم تستجب أي دولة أوروبية للنداء الإيطالي العاجل للحصول على معدات طبية ومعدات واقية، التزمت الصين علناً بإرسال 1,000 جهاز تنفس، ومليوني قناع، و100,000 جهاز تنفس آخر، و20,000 بدلة واقية، و50,000 مجموعة اختبار. كما أرسلت الصين فرقاً طبية و250 ألف قناع إلى إيران وأرسلت امدادات إلى صربيا التي رفض رئيسها التضامن الاوروبي ووصفه بأنه "قصة خرافية " وأعلن أن "الدولة الوحيدة التي يمكن أن تساعدنا هي الصين". وقد وعد جاك ما، مؤسس شركة علي بابا، بإرسال كميات كبيرة من مجموعات الاختبار والأقنعة إلى الولايات المتحدة، بالإضافة إلى 20,000 مجموعة اختبار و100,000 قناع إلى كل بلد من بلدان أفريقيا الـ 54.

ومما يعزز ميزة بكين في المساعدات المادية حقيقة بسيطة هي أن الكثير مما يعتمد عليه العالم لمكافحة فيروس كورونا مصنوع في الصين. وكان بالفعل المنتج الرئيس للأقنعة الجراحية. والآن، فمن خلال التعبئة الصناعية مثل زمن الحرب، فقد عززت إنتاج الأقنعة أكثر من عشرة أضعاف، مما يعطيها القدرة على توفيرها للعالم. كما تنتج الصين ما يقرب من نصف أجهزة التنفس "N95" الحاسمة لحماية العاملين الصحيين (فقد أجبرت المصانع الأجنبية في الصين على صنعها ثم بيعها مباشرة إلى الحكومة)، مما يعطيها أداة أخرى للسياسة الخارجية في شكل معدات طبية. وفي الوقت نفسه، تعتبر المضادات الحيوية حاسمة لمعالجة العدوى الثانوية الناشئة من فيروس COVID-19، وتنتج الصين الغالبية العظمى من المكونات الصيدلانية النشطة اللازمة لصناعتها.

يتابع الكاتبان: وعلى النقيض من ذلك، تفتقر الولايات المتحدة إلى العرض والقدرة على تلبية العديد من مطالبها، ناهيك عن تقديم المساعدات في مناطق الأزمات في أماكن أخرى. الصورة قاتمة. ويُعتقد أن المخزون الوطني الاستراتيجي الأميركي، وهو احتياطي البلاد من الإمدادات الطبية الحيوية، لا يملك سوى 1% من الأقنعة وأجهزة التنفس وربما 10% من أجهزة التنفس الصناعي اللازمة للتعامل مع الوباء. ويتعين تعويض بقية الواردات من الصين أو زيادة سريعة في التصنيع المحلي. وعلى نحو مماثل، تبلغ حصة الصين من سوق المضادات الحيوية في الولايات المتحدة أكثر من 95%، ولا يمكن تصنيع معظم المكونات محلياً. وعلى الرغم من أن واشنطن عرضت تقديم المساعدة إلى الصين وغيرها في بداية الأزمة، إلا أنها أقل قدرة على القيام بذلك الآن، مع نمو احتياجاتها الخاصة؛ وعلى النقيض من ذلك، تقدم بكين المساعدات عندما تكون الحاجة العالمية على أشدها.

بيد أن الاستجابة للأزمات لا تتعلق بالسلع المادية فحسب. خلال أزمة الإيبولا في عامي 2014-2015، جمعت الولايات المتحدة تحالفاً من عشرات البلدان وقادته لمواجهة انتشار المرض. وقد تجنبت إدارة ترامب حتى الآن جهداً قيادياً مماثلاً للرد على فيروس كورونا. وحتى التنسيق مع الحلفاء غير موجود. ويبدو أن واشنطن، على سبيل المثال، لم تخطر حلفاءها الأوروبيين بأي إشعار مسبق قبل فرض حظر على السفر من أوروبا.

وعلى النقيض من ذلك، قامت الصين بحملة دبلوماسية قوية من خلال حشد عشرات البلدان ومئات المسؤولين، للتداول عبر الفيديوكونفرنس لتبادل المعلومات حول الجائحة والدروس المستفادة من تجربة الصين الخاصة في مكافحة المرض. وعلى غرار ما هو معهود من الدبلوماسية الصينية، فإن جهود عقد الاجتماعات هذه تُبذل إلى حد كبير على المستوى الإقليمي أو من خلال الهيئات الإقليمية. وهي تشمل المكالمات مع دول أوروبا الوسطى والشرقية من خلال آلية "17 + 1"، ومع أمانة منظمة شنغهاي للتعاون، ومع عشر دول جزرية في المحيط الهادئ، ومع مجموعات أخرى في جميع أنحاء أفريقيا وأوروبا وآسيا. وتعمل الصين جاهدة للتعريف بمثل هذه المبادرات. والواقع أن كل قصة على الصفحة الأولى من أجهزتها الدعائية التي توجه للخارج تعلن عن جهود الصين لمساعدة مختلف البلدان بالسلع والمعلومات في حين تؤكد على تفوق نهج بكين.

كيف تقود:

يوضح الكاتبان بأن الأصول الرئيسة للصين في سعيها للقيادة العالمية - في مواجهة فيروس كورونا وعلى نطاق أوسع – هي القصور المتصور عن السياسة الأمريكية وتركيزها الداخلي. وبالتالي فإن النجاح النهائي الذي تحقق في سعي الصين سوف يعتمد على ما يحدث في واشنطن بقدر ما يعتمد على ما يحدث في بكين. وفي الأزمة الحالية، لا يزال بوسع واشنطن أن تعديل مسارها إذا أثبتت قدرتها على القيام بما هو متوقع من زعيم: إدارة المشكلة في الداخل، وتوفير المنافع العامة العالمية، وتنسيق الاستجابة العالمية.

يرى الكاتبان بأن أول هذه المهام تتمثل بوقف انتشار المرض وحماية الفئات الضعيفة من السكان في الولايات المتحدة -باعتبارها الطبقة الأكثر الحاحاً، كما أنها تتعلق إلى حد كبير بمسألة الحكم الداخلي بدلاً من الجغرافيا السياسية. ولكن الطريقة التي تتبعها واشنطن في ذلك سيكون لها تداعيات جيوسياسية، وليس فقط بقدر ما تعيد أو لا تعيد بناء الثقة في الرد الأمريكي. وعلى سبيل المثال، إذا كانت الفيدرالية الحكومة تدعم على الفور التوسع في الإنتاج المحلي للأقنعة وأجهزة التنفس الصناعي - وهي تمثل استجابة تليق بالحاجة الملحة لهذا الوباء في زمن الحرب - فإن ذلك من شأنه أن ينقذ أرواح الأميركيين ويساعد الآخرين في جميع أنحاء العالم من خلال الحد من ندرة الإمدادات العالمية.

يتابع الكاتبان: في حين أن الولايات المتحدة غير قادرة حالياً على تلبية المتطلبات المادية الملحة للوباء، فإن تفوقها العالمي المستمر في المجالات الحيوية والتكنولوجيا يمكن أن يكون مفيداً في إيجاد حل حقيقي للأزمة: من خلال انتاج اللقاح. يمكن للحكومة الأميركية المساعدة من خلال تقديم حوافز للمختبرات والشركات الأميركية للقيام بـ "مشروع مانهاتن" الطبي لابتكار واختبار سريع في التجارب السريرية وإنتاج لقاح على نطاق واسع. ولأن هذه الجهود مكلفة وتتطلب استثمارات مقدمة عالية للغاية، فإن التمويل الحكومي السخي والمكافآت اللازمة لنجاح إنتاج اللقاح يمكن أن يحدث فرقاً. ومن الجدير بالذكر أنه على الرغم من سوء إدارة واشنطن، فإن حكومات الولايات والحكومات المحلية والمنظمات غير الربحية والدينية والجامعات والشركات لا تنتظر من الحكومة الفيدرالية أن تعمل معاً قبل اتخاذ إجراءات. وتحرز الشركات والباحثون الممولون من الولايات المتحدة بالفعل تقدماً نحو الحصول على لقاح، على الرغم من أنه حتى في أفضل سيناريو، سيكون هناك بعض الوقت قبل أن يكون المرء جاهزًا للاستخدام على نطاق واسع.

ولكن حتى في الوقت الذي تركز فيه واشنطن على الجهود المبذولة في الداخل، لا يمكنها ببساطة تجاهل الحاجة إلى استجابة عالمية منسقة. فالقيادة القوية هي وحدها القادرة على حل مشاكل التنسيق العالمية المتعلقة بالقيود المفروضة على السفر، وتبادل المعلومات، وتدفق السلع الحيوية. لقد نجحت الولايات المتحدة في توفير هذه القيادة لعقود، ويجب عليها أن تفعل ذلك مرة أخرى.

يضيف الكاتبان بأن القيادة سيتطلب أيضا التعاون الفعال مع الصين، بدلاً من أن تستهلكها حرب الروايات حول من استجاب بشكل أفضل. ولا تم كسب الكثير من خلال التأكيد المتكرر على أصول فيروس كورونا - المعروفة بالفعل على نطاق واسع على الرغم من الدعاية الصينية - أو الانخراط في تبادلات خطابية تافهة مع بكين. وبما أن المسؤولين الصينيين يتهمون الجيش الأمريكي بنشر الفيروس ويتم انتقاد الجهود الأمريكية، ينبغي على واشنطن أن تستجيب عند الضرورة ولكن عليها عموماً أن تقاوم إغراء وضع الصين في قلب رسائلها عن فيروس كورونا. وتفضل معظم البلدان التي تواجه التحدي أن ترى رسالة عامة تشدد على خطورة التحدي العالمي المشترك والمسارات الممكنة للمضي قدماً (بما في ذلك الأمثلة الناجحة على الاستجابة للفيروس التاجي في المجتمعات الديمقراطية مثل تايوان وكوريا الجنوبية). وهناك الكثير الذي يمكن أن تفعله واشنطن وبكين معاً لصالح العالم: تنسيق أبحاث اللقاحات والتجارب السريرية فضلاً عن التحفيز المالي؛ وإدارة اللقاحات والتجارب السريرية؛ والمشاركة في البحوث المتعلقة باللقاحات. وتبادل المعلومات؛ التعاون في التعبئة الصناعية (في آلات إنتاج مكونات التنفس الحرجة أو أجزاء جهاز التنفس الصناعي، على سبيل المثال)؛ وتقديم المساعدة المشتركة للآخرين.

يختتم الكاتبان مقالهما بالقول: وفي نهاية المطاف، قد يكون فيروس كورونا بمثابة جرس إنذار، مما يحفز التقدم في مواجهة التحديات العالمية الأخرى التي تتطلب تعاوناً أميركياً صينياً، مثل تغير المناخ. وينبغي ألا ينظر إلى مثل هذه الخطوة - ولن ينظر إليها بقية العالم - على أنها تنازل للقوة الصينية. بل إنه من شأنه أن يقطع شوطاً نحو استعادة الثقة بمستقبل القيادة الأميركية. وفي الأزمة الحالية، كما هو الحال في الجغرافيا السياسية اليوم بشكل أعم، يمكن للولايات المتحدة أن تبلي بلاء حسناً من خلال القيام بعمل جيد.