الجمعة  29 آذار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

إسرائيل وضعت نفسها في الزاوية/ بقلم: سام بحور *

عملية ضم أخرى أم لا، إسرائيل خاسرة من الآن

2020-05-17 03:36:49 PM
إسرائيل وضعت نفسها في الزاوية/  بقلم: سام بحور *
سام بحور

 

 

يجلس من يراقب للنزاع الفلسطيني الإسرائيلي هذه الأيام على حافة كرسيه بانتظار كيفية تعامل حكومة الائتلاف الإسرائيلية الجديدة التي يجري تشكيلها فيما يتعلق بالضوء الأخضر الذي منحتها إياه إدارة ترامب لضم المزيد من أجزاء الضفة الغربية، إلا أنه وبغض النظر عما إذا كانت ستتم عملية ضم أم لا، فإن إسرائيل خسرت من الآن.

 

خلقت زيارة وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو إلى إسرائيل الأسبوع الماضي، والتي استمرت 16 ساعة، إشارات تنبيهية حمراء للبعض. هل من الممكن أن يكون رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وقد أسكرته السلطة والإفلات من العقاب قد أخذ بزمام "صفقة القرن" الخاصة بترامب وسيطبقها بأسرع مما ترغب به الإدارة الأميركية؟ من الواضح أن العالم لم يقتنع بأي جزء من خطة ترامب الفاشلة "السلام نحو الازدهار" - لا الفلسطينيين ولا الدول العربية ولا الاتحاد الأوروبي ولا حتى أنصار إسرائيل بما في ذلك المخلصين منهم.

 

كتب ديفيد هالبفينغر ولارا جيكس في النيويورك تايمز قائلين: "إذا أعطت الولايات المتحدة من خلال مقترح الرئيس ترامب للسلام للسيد نتنياهو الضوء الأخضر حول عملية الضم، فمن المحتمل أن هذا الضوء قد تحول الآن إلى الأصفر." (النيويورك تايمز، 13 أيار 2020). كذلك أشار الكاتبان إلى أن "المفتاح حسب قول المسؤولين والخبراء يكمن في التوقيت. لقد جاءت [زيارة بومبيو] عشية تولي الحكومة الجديدة التي تبدو منقسمة حول فورية ضم حوالي 30% من الضفة الغربية المحتلة".

 

بعد ذلك، جرى وبسرعة تأجيل قيام الحكومة الإسرائيلية الجديدة حلف اليمين من مساء الخميس المخطط له إلى يوم الأحد، الأمر الذي أثار المزيد من الشكوك حول تأثير زيارة بومبيو المحدد في هذه الأمور الإسرائيلية الداخلية. وإن كان هناك تأثير فعلاً، فليست هذه هي المرة الأولى التي تتدخل فيها الولايات المتحدة في الشؤون السياسية الإسرائيلية، بل قد يكون عدم تدخلها هو الاستثناء..

 

كلمات كبيرة

 

على الجانب الفلسطيني، قال رئيس الوزراء محمد اشتية في مؤتمر صحفي مساء الخميس في رام الله إن الرئيس محمود عباس سوف يرأس اجتماعاً للقيادة الفلسطينية يوم السبت "لاتخاذ القرار المناسب". وقد قال اشتية عن الحكومة الإسرائيلية الجديدة والتي أوشكت على أن تحلف اليمين: "سوف نصغي لبرنامجها السياسي الذي ينادي بضم أراضِ فلسطينية وفرض السيادة [الإسرائيلية] على المستوطنات". الفرضية هنا هي أنه إذا تم الإعلان عن برنامج سياسي كهذا فسوف يتصرف الفلسطينيون فوراً دون الانتظار لأول شهر تموز، وهو التاريخ الذي اتفقت أطراف التحالف الإسرائيلية عليه قبل القيام بأية عملية ضم.

 

لقد غدت مثل هذه التصريحات التهديدية هذه أمراً نمطيا في فلسطين، ولكن الفرق هذه المرة هو أن مشاعر الجمهور الفلسطيني هي أن القيادة الفلسطينية اعترفت أخيراً أنها وصلت نهاية المطاف والجزء الأخير من حبل معاهدات أوسلو وأنها قد تكون في عجلة من أمرها لأن تتصرف أخيراً حتى لا يتم شنقها بهذا الحبل عندما تقرر إسرائيل رسمياً تركه.

 

كذلك يظهر الاتحاد الأوروبي، الذي عمل على ضمان معظم السنوات الخمس والعشرين من فشل الولايات المتحدة في عملية سلام الشرق الأوسط، مضطرباً وغاضباً من التحركات الإسرائيلية للضم المحتمل. فقد كتب هيو لوفات، وهو زميل في السياسة في برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المجلس الأوروبي للعلاقات الدولية: "سوف يتسبب ضم الضفة الغربية بوضع نهاية لحلّ الدولتين المفضّل لدى الاتحاد الأوروبي. يتوجب على المعايير الدولية وقوانين الاتحاد الأوروبي نفسها الآن أن تشكّل قاعدة لعلاقات ما بعد الضم مع إسرائيل". ويضيف لوفات: "سوف يتخطى الضم، بغض النظر عما إذا بدأ بمربع استيطاني واحد أو بمعظم المنطقة ج، عتبة من المستحيل تقريباً العودة عنها. قد تكون مجمل التداعيات التي تطلقها حركة كهذه بطيئة في حدوثها ولكنها حقيقية، وسوف يتحدّى هذا مصداقية الاتحاد الأوروبي ووثاقة علاقته بالموضوع، وسوف يُفشل كذلك أساسيات النظام العالمي المرتكزة على القانون الدولي، وبالذات عدم جواز ضم الأراضي من خلال استخدام القوة". ويتكهن لوفات أنه "بعد عملية الضم، سوف يعيش الفلسطينيون تحت نظام فصل عنصري أكثر وضوحاً". ليس من العجيب أن يتحدث الاتحاد الأوروبي للمرة الأولى عن عقوبات اقتصادية محتملة ضد إسرائيل إذا تابعت التقدّم في أي شكل من أشكال الضم.

 

من يعارض الضم أيضاً؟ أرسلت مؤسسة جي ستريبت، وهي مؤسسة استقطاب رأي ومجموعة تأثير مؤيدة لإسرائيل في الولايات المتحدة، موجة من الرسائل تطرح فيها هذا السؤال وتقدم واحدة من عدة إجابات، وهي "غالبية المؤسسة الأمنية الإسرائيلية". وقد جرى ربط الرسائل بإعلان وقّعه 220 ضابطا إسرائيليا سابقا رفيعي الرتبة بمن فيهم الرئيس السابق للشين بيت عامي أيالون، ورئيس الموساد السابق تامير باردو، والقائد السابق للقيادة الوسطى للجيش الإسرائيلي غادي شامني. ويحذر الإعلان قائلاً إن "ردع عملية الضم من طرف واحد هي أمرعاجل وضروري على حدّ سواء".

 

ماذا إذن؟

 

هل من المحتمل أن يكون الأمر أن الجميع يمرّون بنوبة غضب وإن جاءت متأخرة ولجميع الأسباب الخاطئة؟

بغض النظر عما إذا كان الأمر تكتيكاً سياسياً للبقاء من جانب القيادة فلسطينية التي تخاف من التهميش الكامل، أو أنه قلق كبير من جانب الاتحاد الأوروبي حول امتثاله لقوانينه، أو منظمات تدعم إسرائيل وإسرائيليين تتكرر أصابتهم بالصدمة من كون شعارهم الفارغ بدولة إسرائيلية "يهودية وديمقراطية" بدأ بشكل واضح يتفكك وينكشف أمام أنظار الجميع، فإن جميع هؤلاء أضاعوا النقطة المحورية. لقد فات الوقت لجميع أصحاب المصالح المعنيين لأن يلاحظوا أن النضال الفلسطيني من أجل الحرية والاستقلال وعودة اللاجئين إلى وطنهم هي صلب القضايا الحقيقية. لن ينتهي النضال حتى يتم التعامل مع هذه القضايا العادلة وبشكل مباشر.

 

ليست هذه هي عملية الضم الإسرائيلية الأولى فقد جرى ضم القدس الشرقية عام 1980. أطلق العالم الصرخات وقتها أيضاً ولكنه أدار وجهه عملياً حتى بعد صدور قرارين من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة (476 و 478) حول قضية ضم القدس بالذات. لماذا نتوقع أي شيء مختلف الآن من المجتمع الدولي؟

 

إذا تمت عملية ضم أخرى، من المنطقي للفلسطينيين أن يبقوا على طريق نضالهم الطويل وألا يقعوا في فخ لعبة الضم الأميركية الإسرائيلية، فباستثناء الولايات المتحدة، الشريك منذ زمن بعيد  في هذه الجريمة المستمرة ضد الفلسطينيين، لن تعترف أية دولة لها مكانتها بهذا الضم الإسرائيلي.

 

في الزاوية

 

يخطئ بنيامين نتنياهو ويتخبّط وهو من أكثر السياسيين دهاء، فمن خلال حملته الطاحنة للبقاء خارج السجن بسبب ثلاث لوائح اتهام بالفساد يواجهها، يأخذ نتنياهو إسرائيل معه إلى غياهب حفرة عميقة قد لا يخرج لا هو ولا إسرائيل منها.

 

لقد وضع نتنياهو إسرائيل في الزاوية، من خلال محاولة جعل عملية الضم أمرا قانونياً، فبذلك غدت اللعنة واقعاً إن حدث الضم أم لم يحدث.

 

إذا تمت عملية الضم كما يتوقع الجميع تقريباً، رغم أنها قد تتم بشكل تدريجي كما هو الحال عادة مع إسرائيل، فإن وضعها كدولة مارقة في العالم سوف يتعمّق وينكشف في أماكن غير متوقعة كالأردن ومصر والاتحاد الأوروبي. الأسوأ من ذلك بالنسبة لإسرائيل هو أن عنصريتها الفاضحة، والتمييز المتأصل في هيكلها، وتجاهلها الصارخ للعالم المرتكز على القوانين، سوف تصبح ظاهرة متأصلة للعيان ليراها الجميع دون مواربة.

من ناحية أخرى، إذا صحت إسرائيل من سباتها في اللحظة الأخيرة وتراجعت عن موقفها مؤقتاً على الأقل، فإنها ستخسر رغم ذلك. أتوقع أن يعلن الفلسطينيون ومعهم الاتحاد الأوروبي في إيقاف تنفيذ الخطوة الأولى لصفقة القرن الخاصة بترامب النصر لهم ولجهودهم.

بالنسبة لنا نحن الفلسطينيين، فإننا نعلم أنه طالما أننا ما زلنا واقفين بعد 72 سنة من سلب ملكيتنا والتمييز ضدنا ومن الاحتلال العسكري، فإننا على طريق النصر . أما بالنسبة للأوروبيين، فإن الحلقة الأخيرة من لعب نتنياهو بالنار قد تكون قد أيقظت التنين النائم، الأمر الذي سيؤدي أخيراً إلى مشاهدة إسرائيل وهي تخضع للمساءلة بسبب انتهاكاتها للقانون الدولي وتجاهلها الكامل للمنطق. هذه المساءلة التي استحقت منذ زمن طال انتظاره .

 

*سام بحور مستشار أعمال فلسطيني أميركي من رام الله/البيرة في فلسطين المحتلة وهو مستشار في السياسة للشبكة، وهي شبكة السياسة الفلسطينية، والمحرر المشارك لـ "الوطن: التاريخ الشفهي لفلسطين والفلسطينيين" (1994). يدوّن على ePalestine.com. @SamBahour