السبت  20 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

الحاكم المطلق والرموز الوطنية/ بقلم: سامي سرحان

2020-07-17 03:19:18 PM
الحاكم المطلق والرموز الوطنية/ بقلم: سامي سرحان

 

كيف للزعيم الأوحد، أو الحاكم المطلق أن يحافظ على كرسيه في الحكم كلما اهتز هذا الكرسي وانصرف عن حكم الشعب وهدده خطر داخلي أو خارجي؟ غالبا ما يلجأ هذا الحاكم، وكل الحكام على وجه العموم في ذلك سواء، (إلا من رحم ربي) إلى دغدغة عواطف العامة بالعودة إلى التاريخ ورموز الأمة وأبطالها الأسطوريين والدين والوطنية والقومية.

لكن سرعان ما تتكشف أهداف الزعيم وسذاجة ادعاءاته، وما يمكن أن تجر هذه الادعاءات على البلد من مخاطر وكوارث وويلات، وكأن الزعيم يغامر بمستقبل الأمة ومكانة بلده في سبيل البقاء على كرسي الحكم. وما نشهده في عالمنا اليوم سواء في الدول الكبرى الديموقراطية، أو نصف الديموقراطية، كالولايات المتحدة أو دول العالم الثالث، وما بين هذه الدول التي وصلت إلى مرحلة من النمو أخرجتها من تصنيف الدول المتخلفة.

وليس خافياً على المتابع لتصرفات حكام عالم اليوم سعي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المحموم لإعادة انتخابه للمرة الثانية واستخدامه لكل الرموز الوطنية والدينية حتى لو أدى ذلك إلى حرب أهلية أو عالمية عسكرية أو اقتصادية. وكذلك الأمر بالنسبة لبنيامين نتنياهو الذي شل الحياة السياسية والاقتصادية والحزبية في الكيان الإسرائيلي للبقاء في الحكم والتهرب من المثول أمام القضاء بتهم الفساد وسوء الإئتمان وآخرون كثيرون يلجؤون إلى تغيير الدستور واستفتاء الشعوب ليظلوا على كرسي الحكم مدى الحياة، وكأن شعوب بلادهم لم تلد أمثالهم بعد.

والمثل الأكثر تجسيداً لرغبة الحاكم على الحكم المطلق مدى الحياة باستخدام التاريخ والرموز الوطنية والدينية إعلان الرئييس التركي السيد رجب طيب أردوغان حول آيا صوفيا التي شيدها الإمبراطور جوستنيان الأول كصرح معماري غير مسبوق ومن شدة إعجابها بها قال: "يا سليمان لقد تفوقت عليك"، ويقصد النبي سليمان الذي سخرت له الجن لبناء الصروح المعمارية العظيمة. وظلت أيا صوفيا مركزا للكنيسة الشرقية لأكثر من 900 سنة إلى حين سقوط القسطنطينية على يد السلطان العثماني محمد الفاتح عام 1452، وحولت آيا صوفيا إلى مسجد بإضافة مئذنة لها، وظلت مسجدا ومركزا إسلامياً أضاف لها سليم الثاني مئذنتين والسلطان مراد أضاف أربعة مآذن، حتى سقوط الخلافة العثمانية إثر الحرب العالمية الأولى وتولى كمال أتاتورك السلطة في دولة تركيا الحديثة فحول آي صوفيا إلى متحف بهدف إهدائه للإنسانية عام 1934. وقد أدرجت اليونسكو آيا صوفيا على لائحة التراث العالمي، واليوم يعيد الرئيس التركي أردوغان إلى مسجد، مثيرا بذلك أحقادا دفينة في عالم كثرت فيه المساجد والكنائس وقلت فيه المؤمنون. وإلا كيف نفسر عرض بعض الكنائس في الغرب للبيع بعد إعراض بعض الناس هناك عن أداء شعائر دينهم وكثرة المساجد في العالم الإسلامي والتفنن في زخرفتها وفرشها وبهاء مظهرها الداخلي والخارجي ولا نرى للأسف بضع مؤمنين من المصلين يؤدون صلاة الفجر أو العصر في مسجد يتسع لمئات أو آلاف المصلين.

ولنا أن نسأل هل تركيا بحاجة إلى مساجد وهي تزخر بأبهى مساجد العالم التي تذكر بأمجاد الدولة العثمانية، وهل يزاحم أحد تركيا اليوم سيادتها على آيا صوفيا؟ هل نحن بحاجة إلى مئذنة ثامنة تضاف إلى آيا صوفيا بعد أن لم يعد للمئذنة من دور غير الزينة فسيدنا بلال كان يصعد إلى أعلى الكعبة المشرفة ليؤذن مناديا للصلاة.

فهل يكف السياسيون في عالمنا عن دغدغة المشاعر الدينية والقومية لدى العامة لتمرير أجنداتهم وخدمة مصالحهم والتوقف عن نبش التاريخ الذي لا طائل من ورائه غير العبث بذاكرة الشعوب وجرها إلى حروب دينية وقومية هي في غنى عنها وهي الخاسرة كنتيجة لها مهما كانت تلك النتائج، وعلى الحاكم أن يتعلم أن يغلب مصلحة شعبه على مصلحته الخاصة وحكمه المطلق.