الجمعة  24 تشرين الأول 2025
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

الرجل الذي قرأ نعيه!/ بقلم: الدكتور سـامر العاصي

2025-10-24 11:26:40 AM
الرجل الذي قرأ نعيه!/ بقلم: الدكتور سـامر العاصي
الكاتب: سامر العاصي

 

في العام 1888 وأثناء تواجده في باريس، صعق المهندس والمليونير السويدي، "الفرد نوبل"، حين نشرت الصحف الفرنسية على صدر كل صفحاتها وبعناوين بارزة: "وفاة  تاجر الموت ومخترع الديناميت الفرد نوبل"! وذلك بعد أن "خلطت" الصحافة الفرنسية بينه وبين شقيقه رجل الأعمال "لودفيج نوبل"، الذي توفي في العاصمة الروسية آنذاك "سانت بطرسبرج"، وهكذا ظن الناس بأن "الفرد نوبل" هو الذي مات.

وللحقيقة، فان "الفرد نوبل" كان يظن أن البشرية سوف تستخدم اختراعاته في تسهيل أعمال الحفر وبناء الطرقات. ولما كان الرجل يعتبر نفسه داعية للسلام، فقد قرر ترك ثرواته الطائلة ليتم توزيعها "كجوائز سنوية" لمن ينجز أعمالا واكتشافات تكون خدمة للعلم والإنسانية شريطة أن يكون صاحبها على قيد الحياة (أعطيت للمهاتما غاندي فقط بعد وفاته).

وفي العام 1901 صدرت أول جائزة تحمل اسم "الفرد نوبل" وذلك بعد 6 سنوات من وفاة صاحبها! الجدير ذكره أن الجائزة هذه ومنذ تأسيسها لم يحتفل بها إلا 19 مرة فقط، وذلك بسبب الحروب و"شح" الشخصيات الكفؤة لشروطها.

يذكر أن لجنة نوبل التي تختار المرشحين تتكون من 5 شخصيات يتم الكشف عن أسمائهم بعد 50 عاما من تاريخ كل جائزة. ومع ذلك، فهناك الكثير من الملاحظات على تلك الجائزة. منها أن سكرتيرة "نوبل" نفسه، الآنسه (بريتا فون ستنر) النمساوية الجنسية والناشطة في مجال حقوق الإنسان (يمكن رؤية صورتها على قطعة 2 يورو النمساوية) والتي عملت في مكتب "الفرد نوبل" في باريس لمدة "أسبوعين فقط"، وكانت هي ثاني سيدة تحصل على الجائزة عام 1905 بعد العلامة البولندية "ماري كوري".

ولعل أحداث اليوم، تؤكد لنا مصداقية "الشكوك" حول من استحق تلك الجائزة! حتى أن الكاتب الأميركي "ايرفينج والاس" نشر عام 1962 كتابا أسماه "الجائزة"، مبرهنا بأن الكثيرين ممن حصلوا عليها كانوا لا يستحقونها! (الجائزة قيمتها مليون ومئتا ألف دولار إضافة إلى ميدالية ذهبية).

الطريف ذكره أن اثنين من خبراء الاقتصاد الأميركي "ميرتون" و"سكولس" حصلا  عام 1997 على "الجائزة" في المجال الاقتصادي! وتبين بعد سنوات أن الشركات التي طبقت نظريتهما الاقتصادية خسرت ما يقرب من أربعة مليارات دولار!

وهناك الكثير من المآخذ على تلك الجائزة؛ فطوال 73 عاما (عمر النظام الشيوعي) لم يحصل أي عالم أو طبيب أو كاتب من دول ما كان يعرف بالكتلة الاشتراكية بالجائزة (سوى المناوئين للنظام السياسي دون النظر إلى إنجازاتهم العلمية أو الإنسانية)، فـ "أبو زراعة القرنية" العلامة "فيلاتوف" لم يحصل عليها! ولم تعطى الجائزة للعلامة الروسي "فيدروف" (رائد عمليات تصحيح البصر)! كما أنها لم تمنح لشيخ الأدب العالمي "ليف تولستوي" أو غيره من عشرات الكتاب والعلماء!

الجدير ذكره أن الكاتب الإيرلندي الساخر "برنارد شو" كان أول من رفض الجائزة عام 1925، ولكنه عاد في العام التالي ليستلمها رافضا أن يأخذ قيمتها المالية. وفي العام 1964 رفض الفيلسوف الوجودي الفرنسي "جان بول سارتر" الجائزة أيضا. وهناك من رفض الجائزة "بناءً على موقف حكومته"، فقد أصدر "أدولف هتلر" عام 1937 قانونا يرفض الجائزة! وبدأت الجوائز بعدها تنهار على العلماء الألمان! وعليه أجبر عالم الكيمياء "ريتشارد كون" عام 1938 على رفضها! كما رفضها أيضا الدكتور "أدولف بوتنانت" والدكتور "جيرهارد دوماك" عام 1939.

كذلك رفض الاتحاد السوفيتي عام 1958 السماح للكاتب الروسي "بوريس باسترناك" استلام "الجائزة" عن كتابه (دكتور جيفاكو). وفي العام 1957 لم يسمح الاتحاد السوفياتي أيضا للعالم النووي اليهودي "أندريه ساخاروف" باستلام "الجائزة".  يذكر أن الرجل وبعد انهيار بلاده، ومن على منبر البرلمان الروسي كان يعلن دائما تأييده لحقوق الشعب الفلسطيني. ويقال بأن رائد "علم النفس" العلامة اليهودي التقدمي "سيجموند فرويد" استثني من الجائزة لآرائه التقدمية وموقفه من الصراع في فلسطين.

الجدير ذكره، أن الكثيرين من الفائزين "بجائزة نوبل للسلام" أعلنوا تأييدهم لحقوق الشعب الفلسطيني مثل الباكستانية "ملالا يوسفزي" (فازت عام 2014)، والإيرلندية "ميريد كوريجان" 1976 والجواتيمالية "ريغو مينتشو" عام 1998 والأميركية "جودي ويليمز" 1997 والإيرانية "شيرين عبادي" 2023 والليبيرالية "ليما غبوي"/ 2011، أضف إلى ذلك منظمة "نيهون هيدانكيو" اليابانية التي فازت عام 2024، والتي أعلنت بأن العالم يشهد تدميرا في غزة كما شهدته اليابان قبل 80 عاما.

ومع أن "جائزة السلام" أعطيت لمارتن لوثر كنج عام 1964، ولنلسون مانديلا عام 1993 إلا أنها اقترفت الخطيئة الكبرى هذا العام بمنحها للمعارضة الفنزويلية (ماريا ماشادو)، لتدخل "اللجنة" في مأزق أخلاقي ولتثبت لنا لجنة "الجائزة" مرة أخرى، بأن هناك "واسطة وازدواجية" في معايير اختيار "الجائزة". فقد أعطيت "الجائزة" لميخائيل جاربتشوف، (لأول وآخر رئيس لجمهوريات الاتحاد السوفيتي)، وهو الذي أصدر أوامره لجيشه، بقمع المظاهرات، ولتقتل قواته المئات في شوارع  6 عواصم (تالين وفيلنوس وباكو وتبيليسي ودوشنبيه وطشقند) من اتحاد جمهورياته! ومع ذلك أعطوه "الجائزة" وفلوس كمان. وكان من الأجدر أن تعطى له الجائزة جهارا، لدوره في تفكيك الاتحاد السوفييتي وليس لدور لم يقم به من أجل السلام.

أما الرئيس الأميركي باراك أوباما، فقد حصل على "الجائزة" عام 2009، أي بعد 9 أشهر فقط من تسلمه منصبه! ولو انتظرت "لجنة نوبل" الموقرة سنوات قليلة، لشهدت وبأم أعينها أعداد الملايين من ضحايا "ربيع أوباما العربي".

يذكر أن لجنة نوبل وعندما لم تستطع منح وزير المستعمرات السير "ونستون تشرتشل" جائزة السلام! قررت إهداءه عام 1953 جائزة "نوبل للآداب والثقافة" وذلك (لإتقانه الوصف التاريخي للحوادث السياسية و‌أسلوب خطاباته المذهل فى الدفاع عن القيم الإنسانية!).

الطريف ذكره أن أحدا من السياسيين في العالم لم يرفض استلام "جائزة السلام"! اللهم إلا رئيس وفد المفاوضات الفيتنامية/الأميركية، الديبلوماسي الفيتنامي (لي دوك ثو) (الجائزة كانت مناصفة مع هنري كيسنجر عام 1973).

وشهد العالم بأن الكثيرين من العلماء والأدباء رفضوا الجائزة بعد أن رأوا "ازدواجية معاييرها"، بعكس جميع السياسيين الذين لم يرفض أي منهم الجائزة! لذلك فلا غرابة أن تكون "جائزة نوبل للسلام" هذا العام من نصيب زعيمة المعارضة الفنزويلية السيدة "ماريا ماشادو"، التي تنوي نقل سفارة بلادها إلى القدس (إن وصلت إلى سدة الرئاسة) وهي تعرب عن دعمها لسياسات نتنياهو، ولتدخل بعدها "لجنة الجائزة" في مأزق أخلاقي وفخ أيديولوجي لم تشهده "جوائز نوبل" منذ تأسيسها قبل 124 عاما، بعد أن فقدت مصداقيتها في تقييم الإنجازات والشخصيات ، لتصبح سلاحا يستخدم في الصراعات الأيديولوجية.

ومع نهاية هذا العام شهدت "جائزة نوبل للسلام"، زخما لم تشهده منذ تأسيسها، بعد أن أعلن الرئيس الاميركي "ترمب" أنه يسعى إليها، وذلك بعد أن أوقف "الحرب على غزة" ولكن الرجل أكمل سرد نجاحاته في إخماد 7 حروب في العالم كان أشهرها وعلى لسانه هو ........ إنهاء الحرب بين دولتي بيري بيجان وألبانيا… (كان يقصد أذربيجان وأرمينيا)! ومع ذلك تم اختيار الفنزويلية "ماريا ماشادو"! ليأتي ذلك برهانا آخر على مصداقية كتاب (الجائزة) الذي صدر قبل 63 عاما.

وهكذا أصبحت شهرة "جائزة نوبل للسلام" للعام 2025 مرتبطة بهوية من لم يفز بها وليس من أعطيت له.

والحقيقة أن فوز ترمب بالجائزة هذا العام، كان ليظهر وكأنه استسلاما لضغوط  ترمب على اللجنة، وهو ما قد يؤدي إلى كشف "باقي" المستور عن كيفية توزيع الجائزة، علما أننا الآن… أنت وأنا، اصبحنا نعرف تماما، بأن ليس كل ما يلمع ذهبا، حتى وإن كان لمعانه كلمعان ميدالية "نوبل الذهبية للسلام".