الثلاثاء  19 آذار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

“القوة الذكية”.. مفهوم عصري في العلاقات الدولية/ بقلم: حذيفة حامد

2020-10-24 08:21:50 PM
“القوة الذكية”.. مفهوم عصري في العلاقات الدولية/ بقلم: حذيفة حامد
حذيفة حامد

 

شاع تداول مفهوم القوة الذكية “smart power” في مطلع الألفية الثالثة، وهو استكمال لمفاهيم “القوة” الثلاث الرئيسة في حقل العلاقات الدولية. الأول، وهو تقليدي، “القوة الصلبة” ويقوم على استخدام الوسائل العنيفة (الخشنة) تجاه الخصم، ويكون ضمن أجندات السياسة الخارجية للدول، إضافةً لوسائل الضغط والحصار الاقتصادي. والمفهوم الثاني، “القوة الناعمة” وهو حديث نسبياً، ابتكره عالم السياسة الأمريكي "جوزيف ناي" في مطلع تسعينيات القرن الماضي. وتقوم فكرة هذا المصطلح على “التأثير بالآخر من خلال طرق الجذب والإعجاب بنموذج التجربة والثقافة بدلاً من طرق الإكراه واستخدام القوة العسكرية”. من هذا التعريف تولد فرضية: أن الولايات المتحدة مارست “القوة الناعمة” تجاه الاتحاد السوفياتي، والتي عرفت بسياسة “الاحتواء”. لهذا فإن ناي لم يبتدع هذا المفهوم من العدم، وإنما ارتكز على تجربة تاريخية خاضتها الولايات المتحدة والعالم عموماً (الحرب الباردة).

يمكن القول إن هذه “الحيلة” (القوة الناعمة) لاقت رواجاً وشيوعاً لدى كثير من الحكومات والدول. فعلى سبيل المثال لا الحصر: نظرة تركيا تجاه المنطقة ككل والعالم العربي على وجه الخصوص، تنتهج “سياسة ناعمة” في مسعى لقيادة العالم الإسلامي، بالجذب والإعجاب بنمط العيش التركي ومحاولة تصديره. أما المفهوم الثالث، فيسمى “القوة الذكية” ويرجع لصاحبه آنف الذكر، جوزيف ناي. ويعني “القدرة على مزج القوة الصلبة (الكلاسيكية) مع نقيضتها (القوة الناعمة) تحت مسميات كثيرة منها: (استخدام الوسائل العسكرية، والدبلوماسية، والجذب الناعم)". 

نظّر به ناي أثناء حرب العراق الثالثة (2003)، حيث لم يكترث جورج بوش بنظرية ناي الناعمة (والتي كان من الممكن تطبيقها مع العراق). فتبنتها أو “طبقتها” إدارة باراك أوباما؛ فالنظام الدولي في ولايتيه الإثنتين (2009-2017) كان شديد الاضطراب والتعقيد، فلا يصلُح تبني القوة العسكرية دائماً لـِ“حل الصراعات”، ولا ينفع أيضاً الاهتمام بالقوة الناعمة كبديل عنها.

وفي التطبيق العملي كانت سياسة أوباما تجاه كوريا الشمالية، مثلاً، خشنة وصلبة، مع مخاوف من الانجرار لحرب نووية. في المقابل، نجح أوباما (مع بعض التحفظات) في إبرام اتفاق مع إيران منتصف العام 2015، بالدبلوماسية والاحتواء.

تُعنى فكرة القوة الذكية على مباغتة الخصم والتحكم فيه في ظل عصر المعلومات، والعولمة والانفتاح الهائل بين الأفراد والحكومات، وبين المنظمات والمؤسسات الدولية والأفراد من جهة أخرى. فمسألة حقوق الإنسان والحريات والتحول الديمقراطي تُهِم المشاريع المتطورة في هذا العالم. فالاتحاد الأوروبي مثلاً، لا يقبل أن تنطوي في عضويته دول لا تكترث بالحريات والديمقراطية. 

بالمجمل هناك ما يمكن قوله في هذا الصدد، أولاً، لم تستطع أو تنجح أي جهة في إسقاط “القوة الصلبة” من استراتيجيات الدول أو على الأقل تجميد تطوير المعدات والأسلحة العسكرية؛ فأميركا وروسيا والصين يتنافسون بشدة وينفقون مقدرات وميزانيات هائلة لتطوير الترسانة العسكرية، ويبقى العالم على شفى حرب في أية لحظة بين الدول العظمى، وإمكانية استخدام الأسلحة النووية. إذن القوة الصلبة (العسكرية) هي في صلب السياسة الخارجية للدول، لا غنى عنها، ناهيك عن وسائل الضغط والحصار الاقتصادي. ثانياً، العلاقات الدولية كحقل وعلم هي في تطور مستمر (ديناميكي) نتيجة لسياسات الدول. ثالثاً، القوة كمفهوم لا يمكن حصرها بالجانب العسكري، هذا لأن في الأصل كلمة قوة power تعني التأثير، فالتيار الكهربائي تكمن ميزته بالتأثير وإشعال النور. 

القوة الذكية كمصطلح modern هو أيضاً مراوغ، فبينما تمزج الدول سياساتها الخارجية على هذه القاعدة، تطفو على السطح مقولات أن القوة الذكية ستظل حكراً للدول القوية؛ فالقوة الناعمة لم تأتِ دون وجود قوة صلبة. وبالتالي فإن القوة الذكية ورغم أنها تستعين بالقوتين السابقتين، لكن ستظل تراوغ لاستخدام قوة ناعمة مع طرف، وأخرى صلبة وعنيفة مع طرف آخر.