الأحد  05 أيار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

غياب المعنى والاختلاف / بقلم: محمد الأمين سعيدي

عنوانُ الزاوية:ضوء في الدَّغْل

2015-03-10 02:03:05 PM
غياب المعنى والاختلاف / بقلم: محمد الأمين سعيدي
صورة ارشيفية

شاعر وأكاديمي جزائري  

     
لا شيءَ يحمِلُ معناهُ في ذاته، لا شيء في العالم يمتلك قيمة خاصَّة، لأنَّ لا شيءَ يمتلك الوعيَ ليدركَ وجودَه، وليحدِّدَه انطلاقا من ذاته، ومن صلته بغيره. لكنَّ الإنسانَ يمتلك الوعيَ، ولذا يدركُ الأشياءَ فيمنحها معنى معيَّنًا، فتكتسبُ قيمتها بالنسبة إليه هو لا بالنسبة إلى وجودِها في معزلٍ عنه. من هنا تتعدد معاني الموجودات بتعدد رؤيته إليها، فـ"ـالشمس جديدة كل يوم" كما قال هيراقليطس، لأنَّها تكتسبُ كلَّ يوم معنى جديدا باعتبارها موضوعا مُدرَكًا من طرف النَّاس. والقصدُ هنا هو أنَّ الأشياء موجودة في العالم، لكنَّها فارغة من المعنى، لأنَّها مندرجة في نظام الطبيعة، لكنَّها تأخذ معناها مما يراها عليه الإنسان، وهذا الأخير ينسى أنَّه مختلق المعاني، وأنَّه بشكلٍ ما مختلق الموجوداتِ أيضا.
يقودُ هذا الطرحُ إلى الإقرار بأحادية العالم، فالأشياء أحادية كما هي موجودة، فارغة إلا من حضورها المادي، لكنَّها في الآن نفسه متعدِّدة كما هي في إدراك البشر، ولهذا يصبح الشيء الواحد كثيرا، ويصير العالم أكثر ممَّا هو في الأصل. بهذا تتعدّد المعاني بتعدد النظر، فيصبح الاختلاف سيِّد الأشياء، ويضيعُ المعنى بلا عودة بسبب هذه الكوميديا الموجعة:الكلُّ واحد، والواحد جمعٌ لا نهائي. ولننظرْ فيما يأتي إلى بعض الأشياء التي تختلفُ معانيها بسبب إدراكنا رغم أنَّها واحدة في الوجود:
 
1.السَّماء:
لغةً هي كلُّ ما علا رأسك، ولذا يصحُّ أنْ تسميَ سقف بيتك سماءً، وأنْ تصف كل خطابٍ متعالٍ بالسماويِّ، وبالنسبة للمسجون هي الحرية، وللمتأمِّل الصفاء، للمتعب الأمل، وللمؤمن هي الله...إلخ. لكنْ كيف هي السماءُ في إدراك الدّاعشيّ مثلا، هل هي تلك المعاني النبيلة التي حدَّدْناها سابقا؟؟ طبعا هي شيءٌ آخر يستمدُّ منه هذا الأخيرُ شرعية ما يقوم به من جرائم في حق الأبرياء. هي في رأسه عالمٌ متعطِّش للدم، وهو ليس أكثر من سيَّافٍ مطيع. هل أمرتْهُ السماء بذلك؟؟أمْ هو الذي منحها المعنى ليفعل باسمها ما يشاء؟ الإجابة نتركها للقارئ. ونضيف:السماءُ في إدراكِ المسالم المحبِّ ليستْ ذات السماء في إدراك المجرم العنيف، وما دامتْ السماء واحدة ومعانيها شتَّى فلكلٍّ سماؤُه التي تعكسُ طبيعة رؤيته إلى الأشياء.
 
2.الأرض:
هي بيتُ البشر الوحيد، لكنَّها بيت فرقتهم الدّائم. كلُّ الحروب تقوم من أجل الأرض، وتحديدا، الكلُّ يخوض حربه ليظفر بالأرض التي في ذهنه، بالمعنى الذي يمنحه هو لها. ولذا يصبحُ كلُّ قاتلٍ من أجلِها مرتاح البالِ لأنَّه لا يسلبُ الأرض التي في إدراكِ عدوُّه بل يسترجع الأرض التي يراها هو. من هنا يتعدّد معناها فيضيع الحق مع اختلاف الرؤية، وينسحق الضعيف أمام منطق القوَّة. من هنا كذلك كلٌّ يسلبُ الأرض بإدراكه الخاص، ويجد التبريرات لكلِّ جرائمه في حق غيره، وسيسمي ما يقوم به فتْحا أو انتدابا أو حمايةً أو استرجاعا لحق الإقامة التاريخيِّ بالمكان...
 
3.ألو..ألو..أيُّها المعنى:
صديقي القارئ، كنتُ سأواصلُ التنقيب عن أشياءٍ أخرى، لكنِّي خشيتُ أنْ أفقدَ توازني، غير أنّ الأكيد، والغرض من هذا المقال، هو أنَّ كلَّ معنى يحملُه شيءٌ ما مؤدْلَجٌ وخالي اليدين من البراءة. ولذا كلَّما تعدد المعنى تشظَّى، وحين ذاك لا يبقى مسوِّغ للحديث عن الحقيقة، ويكون من المخجل الادِّعاء بامتلاكِها، ومن الغباء الفرحُ بأوهامنا عن العالم، ومن التطرُّف السخرية من أوهام الآخرين عنه. هنا يأتي الإيمان بالاختلاف باعتباره الوسيلة الوحيدة لإقامة صلح، ولو مؤقتٍ، بين كل هاته الرؤى التي تدبُّ دبيب النمل في أذهان البشر.
 
4.المعنى:
-ألو..أيها الإنسان..
-نعم..من معي؟
-معك المعنى..أردتُ إخباركَ أنِّي ذاهب إلى الجحيم..
-انتظر...طيــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــط(انقطع الاتصال).