الجمعة  19 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

من ألبير كامو إلى ماريا كازارس: أنا طموح جدا إلى درجة أن ذهني يستمر أحيانا في الدوران

​ ترجمة: سعيد بوخليط

2021-03-16 11:55:35 AM
من ألبير كامو إلى ماريا كازارس: أنا طموح جدا إلى درجة أن ذهني يستمر أحيانا في الدوران
ألبير كامو وماريا كازارس

24 *أغسطس 1948

الوقت متأخر. توقفت في غضون عملي، تحت إلحاح رغبة الكتابة إليكِ. عديدة هي الأشياء التي تثير اضطرابي وأود التمكن من قولها لكِ، هذه الليلة، أنت أمامي، الليل لنا، بين ثنايا حديث طويل.

لم أحدثكِ قط سابقا، عن عملي، أو فيما ندر. أيضا، لم أتحدث بهذا الخصوص لأي شخص. ولا أحد يعلم تحديدا ما أرغب في القيام به. مع ذلك لدي مشاريع مهمة. أنا طموح جدا، إلى درجة أن ذهني لا يتوقف أحيانا عن الدوران. لا يمكنني الإفصاح لكِ عن هذه المعطيات. سأفعل في حالة سؤالكِ.

لكن ما بوسعي الإفصاح عنه، أنه مع المسرحية التي أنا بصدد إنجازها ثم البحث الذي سأنهيه فيما بعد، سأكمل جزءا من مشروعي، والذي يلزمه أن يساعدني على تعلم مهنتي ولا سيما تهيئ الحقل بخصوص ما سيأتي بعد ذلك.

منذ رواية الغريب، التي شكلت الحلقة الأولى ضمن السلسلة، فقد استغرق الوقت عشر سنوات كي أصل إلى هذه اللحظة. بناء على توقعات مخططي، اقتضت مدة المشروع المفترضة خمس سنوات. لكن هناك ظروف الحرب ثم خاصة ما يتعلق بشؤون حياتي الشخصية.

يلزمني خلال أشهر معينة، تدشين انطلاقة حلقة جديدة، أكثر حرية، أقل انضباطا وأكثر أهمية كذلك. إذا واصلت بنفس الإيقاع السالف، سأحتاج لحياتين كي أحقق ما ينبغي لي تحقيقه (لم يتم التفكير في أي شيء سلفا، لا تفزعي، فقط ما يتعلق بالموضوعات، وكذا الخطوط الكبرى).

بسعادة، تزامنت تقريبا هذه الانطلاقة الجديدة مع لقائنا. ولم أشعر قط كما الآن بأني مفعم بالقِوى والحياة. فالسعادة البالغة التي تغمرني تحفز الكون. لقد ساعدتني دون إدراككِ لذلك. لو تعلمين، ستمثلين لي سندا أكثر فأكثر. أحتاج في هذا الإطار لدعمكِ. وأحس به قويا جدا هذا المساء، من ثمة استشعرت ضرورة إحاطتكِ علما بحقيقة ذلك.

أنا واثق منكِ، متداخلة هي الأشياء في ذهني، مع ذلك تتجلى لدي إمكانية بلورة ما يطويه، دون توقف. أحلم بالخصوبة التي أتطلع إليها…، وحدها بوسعها الاهتداء بي نحو الوجهة التي أرنو إليها.

عزيزتي، هل تفهمين لماذا أحس بأن قلبي ثمل هذه الليلة ومدى المكانة التي تشغلينها داخله في الوقت الراهن وكذا حجمها.

ربما أخطأت بأن أتقاسم معكِ هذه الهواجس، وقد اكتساها طابع أبله حين التصريح به دون احتياطات. لكنكِ ربما أيضا تفهمين قصدي. من الذي بوسعه أن يحيا دون اقتراحه حياة مفرطة! في نهاية المطاف، أنا كاتب. ويلزم فعلا أن أحدثكِ عن هذا الجانب الشخصي الذي ينتميِ إليكِ حاليا مثل باقي الجوانب.

سيكون من الأفضل تقديم الحقائق بكيفية تفصيلية. لكننا سنتحدث عن ذلك.

في الانتظار، أرجوكِ ابعثي لي رسائلكِ. لا أستطيع الصمود غاية    10 سبتمبر.

أختنق، الفم مفتوح، مثل سمكة خارج الماء. أنتظر قدوم الموجة، عطر الليل وملوحة شعركِ.

إن أمكنني، على الأقل، قراءتكِ، وتخيلكِ.

هل لا تزالين تحبينني، هل تنتظرينني دائما؟ بقيت أمامنا خمسة عشر يوما. كم رائع هذا الوجه الذي سأجده أمامي. يبدو أني أطلقت العنان لابتسامة دون التمكن من التوقف، قدر تجاوزي للحد.

اكتبي، اكتبي، أنتظركِ، أحبكِ، أحضنكِ.    

*المرجع :

 Albert Camus/ Maria Casarés :correspondance(1944- 1959) ;Gallimard ;2017.